26.2 C
Khartoum

انشقاق داخل حزب «المؤتمر» السوداني… وتأسيس جناح جديد

Published:

الخرطوم – «القدس العربي»: يشهد الواقع السياسي السوداني مزيداً من الانقسامات في ظل استمرار الحرب الدامية التي دخلت عامها الثالث، حيث أعلنت مجموعة من أعضاء حزب المؤتمر السوداني انشقاقها عن الحزب وتأسيس كيان سياسي جديد تحت اسم «حزب المؤتمر السوداني الفدرالي»، متهمة قيادة الحزب الأم بـ»التقاعس عن اتخاذ مواقف حاسمة تجاه تطورات الحرب، والفشل في إدارة التنوع والالتزام بالوثائق التنظيمية والسياسية».
وأكد الحزب الجديد في بيان تأسيسي أن الحرب المستمرة في السودان قد أودت بحياة الملايين، ودمّرت البلاد، وخلقت واقعاً جديداً يتطلب استجابة جادة وصادقة، مشيراً إلى أن هذا الواقع دفعهم إلى اتخاذ قرار الانفصال، وفتح أفق جديد نحو مستقبل يستند إلى مبادئ الثورة السودانية، التي تطالب بسودان يسع الجميع دون تمييز أو إقصاء.
وفي أول رد فعل رسمي، أعلن الحزب الأم أن عضوية المنشقين قد سقطت تلقائيًا بموجب النظام الأساسي ولوائح الحزب، مضيفاً أنه «تابع بيان المجموعة عبر وسائل الإعلام، والذي تضمن إعلان عشرة من أعضائه السابقين انضمامهم إلى الكيان الجديد».
وتزامن إعلان الحزب الجديد مع تطورات متسارعة، حيث أكمل رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس تشكيل الحكومة الجديدة. فيما تشكلت بالمقابل حكومة جديدة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، باسم تحالف « تأسيس» بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي».
جاء ذلك في ظل انقسامات متتالية تشهدها القوى المدنية السودانية، أبرزها الانشقاق الشهير داخل تحالف «تقدم»، الذي تأسس في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، كجبهة مدنية تضم أحزاباً سياسية وحركات مسلحة ومجموعات مجتمع مدني ونقابات، وكان قد أعلن موقفًا رافضًا للحرب، داعياً إلى وقف إطلاق النار والتفاوض بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع».
لكن التحالف سرعان ما انقسم إلى تيارين، أحدهما ظل متمسكاً برؤية سلمية عبر كيان «صمود» بقيادة حمدوك، بينما اختار التيار الآخر، بقيادة مجموعة «تأسيس»، الاصطفاف إلى جانب قوات «الدعم»، الذي أعلن السبت الماضي تشكيل حكومة موازية يرأس مجلس قيادتها محمد حمدان دقلو «حميدتي».
واعتبرت مجموعة «المؤتمر السوداني الفيدرالي» أن رفض حزبهم السابق (المؤتمر السوداني) لتشكيل هذه الحكومة، رغم ما وصفتها بـ»الفرصة السانحة» لبناء شرعية مدنية، يعبّر عن «قوة نخبوية ومركزية» تنحاز لأجندة مجموعات حزبية، وتبتعد عن مصالح الشعب السوداني.
واتهمت المجموعة المنشقة قيادة المؤتمر السوداني بـ «الانصياع لأجندة مركزية» تعمل على تكريس هيمنة نخبوية على المشهد السياسي، معتبرة أن ذلك كان سببًا في ضعف تحالف «تقدم» وتراجع تأثير القوى المدنية، مما مهّد الطريق أمام تصاعد معسكر الحرب بقيادة التيار الإسلامي وحزب المؤتمر الوطني.
وقالت المجموعة إن الأزمة التي يشهدها تحالف «تقدم» ليست سوى انعكاس لفشل النخبة السياسية السودانية في التوافق على مشروع وطني جامع يخرج البلاد من دوامة الفشل والانقلابات المتكررة.
وأشارت إلى أن هذه النخبة لا تزال تكرّس مصالحها الذاتية الضيقة على حساب مستقبل البلاد، داعية إلى تجاوز هذا الإرث السياسي الثقيل.
وأعلنت المجموعة أن الكيان الجديد، حزب المؤتمر السوداني الفيدرالي، سيكون بقيادة حامد علي عبده جابورة رئيسًا، وهاشم بحر نائبًا للرئيس، وحسن علي محمود محمد أمينًا عامًا، ينوب عنه محمد المصطفى عيسى، إلى جانب عضوية ستة آخرين يشكلون الهيكل القيادي للحزب.
واتهمت قيادة حزب المؤتمر السوداني الأم بمخالفة النظم الدستورية والوثائق المتفق عليها في المؤتمر العام الأخير، كما أشارت إلى فشلها في إدارة التنوع الداخلي، وسعيها للتلاعب بالقرارات لمصالح ضيقة.
في المقابل، الحزب تأكيده على موقفه «المبدئي» برفض الانحياز لأي من طرفي الحرب، وتمسكه بالحل السلمي كمسار وحيد لإنهاء الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، مشيرًا إلى أنه تحمل تكلفة هذا الموقف «بشجاعة»، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الحل العسكري لا يقود إلا إلى مزيد من الانهيار.
وقال إن موقفه ساهم في الحفاظ على تماسك مؤسساته رغم الانقسامات، مؤكدًا أن ما حدث لا يمثل سوى قلة من أعضائه، اختاروا الاصطفاف خلف أحد طرفي الحرب.
وأعاد التأكيد على مضيه في طريق «بناء السلام»، مشددًا على ضرورة وقف الحرب والانخراط في مسار سياسي شامل يقود إلى تسوية عادلة وتحول ديمقراطي حقيقي. كما رفض بشدة أي توجهات تراهن على الحرب أو تسعى لتعطيل فرص السلام، أياً كانت الجهات التي تقف خلفها.
يأتي هذا الانشقاق في وقت يمر فيه السودان بواحدة من أعقد أزماته السياسية والعسكرية، حيث تتصاعد الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وسط انهيار شبه تام لمؤسسات الدولة، وأزمة إنسانية متفاقمة طالت معظم ولايات البلاد.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الانقسامات داخل القوى المدنية، سواء داخل الأحزاب أو في تحالفاتها، تضعف الموقف المدني، بينما تتواصل العمليات العسكرية.
في ظل هذا الواقع، يبدو أن الأزمة السياسية في السودان لم تعد تقتصر على المواجهات المسلحة فحسب، بل امتدت إلى داخل الكتل المدنية ذاتها، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول قدرة هذه القوى على لعب دور فاعل في إنهاء الحرب.


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة