أعلن ائتلاف سوداني بقيادة «قوات الدعم السريع»، السبت الماضي، تشكيل «حكومة السلام والوحدة» برئاسة محمد حسن التعايشي، كما أعلن عن تشكيل «مجلس رئاسي» مكون من 15 عضوا، برئاسة قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع نائب له هو رئيس «الحركة الشعبية – شمال» عبد العزيز الحلو، الذي يسيطر على أجزاء من جنوب البلاد. يأتي الحدث بعد أقل من شهرين من تكليف مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الذي يرأسه عبد الفتاح البرهان، الخبير بالمنظمات الدولية وأستاذ القانون كامل إدريس بتشكيل حكومة جديدة (سمّاها «حكومة الأمل»)، والتي كان آخر أخبارها تعيين خمسة وزراء.
بدأ مسار التفكك في السودان بداية، مع الانفصال الذي جرى بين المساقين العسكري والمدني، إثر انهيار اتفاق تقاسم السلطة السابق بين الطرفين العسكريين، الجيش و»قوات الدعم السريع»، من جهة، و»تحالف قوى الحرية والتغيير» المدني، من جهة أخرى، والإطاحة برئيس الوزراء عبد الله حمدوك في انقلاب عسكري جرى في 25 تشرين أول/ أكتوبر 2021 مما أدى لانهيار مسار التحوّل المدني في البلاد، ومهّد، عمليا، لاندلاع الصراع العسكري بين الجيش و»الدعم» في 15 نيسان / ابريل 2023.
شدد إدريس، رئيس حكومة «الأمل»، على أن أعضاءها سيكونون من التكنوقراط ولا ينتمون إلى الأحزاب السياسية، لكن خصومها يرون فيها استمرارا لنفوذ حزب «المؤتمر الوطني» الإسلامي، أما حكومة «السلام»، التي يرأسها التعايشي، فأعلنت صراحة أنها وليد لـ»تحالف تأسيس» (تشكل في العاصمة الكينية نيروبي في شباط/ فبراير الماضي) الذي يضم حركات مسلحة وأجنحة من حزبي «الأمة» و»الاتحادي الديمقراطي» بالإضافة إلى شخصيات مستقلة.
يعبّر تشكيل الحكومة التي أعلن عنها في مدينة نيالا عن واقع عسكريّ مفروض على الأرض، ولكنه بتشكيل هذه الحكومة تنحو «قوات الدعم السريع» مع حلفائها السياسيين، إلى تشكيل سلطات مالية وتنفيذية وأمنية مستقلة، وهو ما يفتح المجال أمام وجود دولتين، وهو قد يبدأ كتكتيك سياسيّ لرفع سقف المفاوضات، ولكن استمراره وتكريسه يعني أيضا إعلان استمرار الصراع التناحريّ إلى أفق غير معلوم، بالتناظر مع الصراع المحتدم على المشروعية السياسية.
حرصت حكومة «السلام» على إعلان حرب شاملة على حكومة «الأمل»، وعلى إظهار انشقاق عموديّ وأفقي في البلاد، تعبر عنه دولتان ومشروعان سياسيان وجغرافيان: أحدهما في الخرطوم وما بقي من مناطق في المركز في يد الجيش، والثاني في غرب البلاد وجنوبها وبعض المناطق الحدودية، ويتجلى الانقسام في كل التفاصيل، من إعلان «مجلس رئاسي» في مواجهة «مجلس السيادة»، وصولا إلى إعلان حكام للأقاليم، مثل الهادي إدريس، الذي كلّف بمنصب حاكم إقليم دارفور، وبذلك صار للإقليم حاكمان متنافسان!
يعيد الحدث الأخير، بالضرورة، ذكريات انفصال دولة جنوب السودان عام 2011، الذي تم عبر استفتاء واعتراف دولي. ما يحصل في السودان حاليا هو انفصال قائم على وقائع عسكرية وجغرافية وسياسية حيث يتواجه جيشان وحكومتان من عاصمتين بانتظار أن يقضي الواحد على الآخر، أو تنحسم التجاذبات الإقليمية والدولية لصالح تقسيم جديد للبلاد
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.