صحيفة التغيير الفاشر:
في مدينة الفاشر الواقعة غربي السودان، والتي تعاني من حصار خانق منذ منتصف نوفمبر 2023، بلغ سعر كيلو الدقيق ورطل الزيت نحو مئة ألف جنيه سوداني، إن وُجد. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي تعيشها المدينة، حيث اضطر المواطنون إلى تناول أوراق الأشجار وعلف الحيوانات المعروف بـ “الأمباز”، نتيجة لانعدام الغذاء الكامل منذ خروج الحركات المسلحة عن حيادها في الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل من العام ذاته.
مدينة الفاشر صمدت في أكثر من 220 معركة، حيث واجه الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه، إلى جانب السكان، موجات متتالية من الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع. هذا التصعيد العسكري أدى إلى نزوح آلاف المواطنين إلى خارج المدينة، بينما يعيش من تبقى داخلها في ظروف إنسانية بالغة القسوة.
مريم يحيى، إحدى النازحات، أفادت بأنها اضطرت إلى مغادرة الفاشر نحو مدينة الدبة هرباً من الحصار والجوع والموت الذي بات يومياً، مشيرة إلى أن من لا يُقتل في المعارك، يموت بسبب الأمراض أو الجوع. وأضافت أنها تتقاسم وجبة واحدة يومياً مع طفليها، بعد أن تركت زوجها في الصفوف الأمامية للقتال، بينما نزح إخوتها إلى ليبيا مع بداية الحرب.
من جهته، قال محمد زيدان، طالب من الفاشر، إن المدينة أصبحت طاردة، والموت يحيط بالجميع، مؤكداً أن لا أحد في المدينة لم يفقد أحد أحبائه. وأشار إلى أن المساعدات الإنسانية تكاد تكون معدومة، باستثناء ما تقدمه التكايا، إذ يخشى الجميع من تقديم أي دعم خوفاً من انتقام قوات الدعم السريع، التي تقوم بإعدام من يُضبط وهو يحاول إدخال الغذاء أو الدواء.
الصحفية لنا عوض، المهتمة بالشأن الإنساني في شمال دارفور، وصفت الوضع في الفاشر بأنه كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نتيجة للحصار الكامل المفروض على المدينة منذ أكثر من عام ونصف. وأوضحت أن الحصار يشمل منع دخول الطعام والشراب والدواء، إلى جانب الانتهاكات المستمرة والقصف العشوائي الذي يستهدف منازل المدنيين، متسبباً في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
وأضافت أن الوضع المعيشي ازداد سوءاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد نفاد المواد الغذائية، مشيرة إلى أن لا وجود لأي طريق لإدخال الإغاثة، وأن هناك مجاعة غير معلنة من قبل الحكومة. وأكدت أن الأطفال هم الأكثر تضرراً، حيث انتشرت أمراض سوء التغذية، وأصيبت معظم الأمهات بفقر الدم، كما تدهورت الحالة الصحية لأصحاب الأمراض المزمنة، في ظل غياب الدعم المالي والطبي.
وأشارت إلى أن المواطنين اضطروا لتناول علف الحيوانات المخزن، كما لجأ البعض إلى أكل أوراق الأشجار وصفق النيم المر، ما دفع الكثيرين إلى مغادرة المدينة والنزوح نحو محليات قريبة مثل طويلة وكتم وكبكابية. أما من بقي داخل المدينة، فيعتمد على ما توفره التكايا وجهود أبناء المنطقة والمتطوعين.
وبحسب تقارير صحية دولية، فإن موجات النزوح من الفاشر ساهمت في انتشار مرض الكوليرا، كما أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية، في مؤشر إضافي على تفاقم الأزمة الصحية والإنسانية في المنطقة.
تشهد مدينة الفاشر ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، وسط أزمة حادة في السيولة النقدية وانعدام شبه كامل للمواد الغذائية في الأسواق، ما أدى إلى تفاقم معاناة السكان في ظل حصار خانق. وقد بلغت أسعار السلع مستويات صادمة، حيث وصل سعر جوال الدخن إلى مليون ونصف المليون جنيه سوداني، فيما بلغ سعر ربع جوال الدخن 200 ألف جنيه، وربع جوال الذرة 180 ألف جنيه. كما ارتفع سعر كيلو السكر إلى 85 ألف جنيه، وكيلو الدقيق إلى 55 ألف جنيه، والعدس إلى 80 ألف جنيه، في حين بلغ سعر لتر زيت الطعام 50 ألف جنيه، ورطل الويكة 70 ألف جنيه، ورطل الصلصة 15 ألف جنيه.
وفي ظل انعدام سلعة السكر، وصل سعر جوال السكر إلى 3.4 مليون جنيه، بينما بلغ سعر ملوة الدخن 150 ألف جنيه عند الشراء عبر تطبيق بنكك، ونصف هذا المبلغ عند الدفع نقداً. كما ارتفع سعر برميل المياه إلى 25 ألف جنيه، وسجلت صابونة الغسيل الواحدة 23 ألف جنيه، ما يعكس حجم الأزمة المعيشية التي تعصف بالمدينة.
الصحفية لنا عوض أفادت بأن جميع المؤسسات والمستشفيات توقفت عن العمل في وقت مبكر، وكان آخرها المستشفى السعودي الذي تعرض للتدمير جراء قصف قوات الدعم السريع. وأشارت إلى أن المركز الصحي الوحيد الذي كان يستقبل الجرحى في حالات الطوارئ يعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية، بما في ذلك شاش الجروح الذي نفد تماماً، مؤكدة أن الجرحى يتم تضميدهم باستخدام قطع من الملابس القديمة والناموسيات. وأضافت أن المدينة تشهد حالات وفاة جماعية، حيث يُدفن الموتى بملابسهم لعدم توفر الأكفان، في ظل غياب تام للعلاج، ما أدى إلى وفاة العديد من أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال نتيجة سوء التغذية.
من جانبه، كشف مدير إدارة الطوارئ والمنظمات بشمال دارفور، محمد علي تبن، عن تسجيل أكثر من 14,486 إصابة بالأوبئة والحميات منذ بدء الحصار، من بينها 2,137 حالة وفاة. كما تم تسجيل 1,155 إصابة بالحصبة، و44 حالة اشتباه بالكوليرا، منها 12 حالة مؤكدة و25 حالة سالبة. وأكد تبن استمرار الجهود لمواجهة تحديات الحصار وتقديم الخدمات الصحية للمحتاجين رغم الظروف القاسية.
الصحفية لنا عوض وصفت المدينة بأنها تحولت إلى ما يشبه مدينة أشباح، حيث اختفت مظاهر الحياة تماماً، وبات السكان يعانون من ظروف معيشية قاسية، في ظل حصار خانق فرضته المليشيات المسلحة. وفي بيان صادر عن تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر، تم التأكيد على أن المدينة تعرضت لأكثر من 220 هجوماً، وأن المليشيا حفرت خنادق حولها وأغلقت جميع الطرق والمسارات، كما قامت بمطاردة وقتل كل من حاول إدخال البضائع إلى المدينة، في تحدٍ صارخ لكل الدعوات الدولية لهدنة إنسانية.
البيان أشار إلى أن المليشيا لا تعترف بأي التزامات إنسانية أو قانونية، وتستغل الصمت الدولي لتكريس سيطرتها عبر الإرهاب والتجويع، مؤكداً أن ما يحدث في الفاشر هو حصار متعمد وقتل بدم بارد بهدف إخضاع المدينة وسكانها، وأن فك الحصار لن يتم عبر البيانات أو الدعوات، بل يتطلب تحركاً قوياً وحاسماً.
الناشط عمر حسب الله، المهتم بالشأن الدارفوري، أكد أن الحرب في شمال دارفور تتخذ طابعاً إثنياً وقبلياً، وتُمارس فيها أبشع أنواع الانتهاكات من قتل واغتصاب وسحل، مشيراً إلى أن قانون الغاب هو الذي يحكم المشهد، وأن الوصول إلى السلام هو الغاية المنشودة بغض النظر عن الطرف الظالم أو المظلوم. وأوضح أن الحصار المفروض على المدينة يمنع دخول الطعام والعلاج، ما ينذر بعواقب كارثية حتى في حال تحقق السلام، نظراً لصعوبة تحقيق السلام الاجتماعي، مؤكداً أن الضحية في نهاية المطاف هم المواطنون.
حسب الله حمّل جميع الأطراف المسؤولية، مشيراً إلى أن القوات المشتركة والجيش رفضوا الحلول بسبب عدم التزامهم الحياد، بينما رفضت قوات الدعم السريع عدداً من المبادرات الداخلية والدولية، بما في ذلك مناشدات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وختم بالقول إن الحل يكمن في إطار شامل للأزمة السودانية عبر توقيع اتفاق سلام عادل يوقف الحرب ويضع حداً لمعاناة المدنيين.
جدول أسعار السلع الأساسية في مدينة الفاشر
السلعة | الكمية | السعر (بالجنيه السوداني) |
---|---|---|
جوال الدخن | 1 جوال | 1,500,000 |
ربع جوال الدخن | ¼ جوال | 200,000 |
ربع جوال الذرة | ¼ جوال | 180,000 |
كيلو السكر | 1 كيلو | 85,000 |
جوال السكر | 1 جوال | 3,400,000 |
كيلو الدقيق | 1 كيلو | 55,000 |
العدس | 1 كيلو | 80,000 |
زيت الطعام | 1 لتر | 50,000 |
الويكة | 1 رطل | 70,000 |
الصلصة | 1 رطل | 15,000 |
ملوة الدخن (بنكك) | 1 ملوة | 150,000 |
برميل المياه | 1 برميل | 25,000 |
صابونة غسيل | 1 قطعة | 23,000 |
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.