30.9 C
Khartoum

كنائس تهدم في السودان.. عودة الاضطهاد الديني؟

Published:

هل تتعرض الطائفة المسيحية في السودان لاضطهاد جديد بعد الحرب؟ الكنيسة الخمسينية في الخرطوم التي تأسست عام 1989، هُدمت بالكامل على يد الشرطة وسط صمت رسمي غامض. تفاصيل جانب من قصة معاناة وصمود مسيحيين في السودان.

شهدت الطائفة  المسيحية في السودان موجات متكررة منالاضطهاد والانتهاكات، خاصة خلال فترة حكم نظام عمر البشير، لكن معاناتها تفاقمت بشكل كبير بعد اندلاع الحرب في أبريل/ نيسان 2023. فقد تعرّضت الكنائس لعمليات قصف وتدمير ممنهج على يد قوات الدعم السريع، كما سُجّلت حالات اختطاف واعتقال في صفوف  المسيحيين، في ظل حالة الفوضى الأمنية التي تجتاح البلاد.

في هذا السياق، أعربت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية (USCIRF) عن بالغ قلقها إزاء تصاعد العنف والانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالحرب المستمرة في السودان، محذّرة من تداعياتها الخطيرة على  الطوائف الدينية، وخصوصًا المسيحيين.وثّقت اللجنة مقتل أكثر من 13 ألف شخص، إلى جانب دمار واسع طال البنية التحتية، بما في ذلك دور العبادة والمواقع الدينية، التي يُفترض أن تتمتع بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي.

وفي سياق متصل، أفادت هيئة محاميي “جبال النوبة” بأن أبناءجبال النوبة  في منطقة المكنية بولاية نهر النيل تعرّضوا في سبتمبر/ أيلول 2024 لتهجير قسري واعتداءات عنصرية مركبة من بعض سكان المنطقة، وبتواطؤ من الشرطة المحلية. وأوضح بيان الهيئة أن الضحايا، رغم تقديمهم شكاوى رسمية، واجهوا مزيدًا من الاعتداءات، وأُجبر بعضهم على مغادرة منازلهم. مؤكدًا ضرورة حماية الضحايا ووقف خطاب الكراهية.

الكنيسة الخمسينية: أول كنيسة في الخرطوم

من جهته، قال القس كرنيليوس لبرنامج “السودان الآن” إن الكنيسة الخمسينية في منطقة الشقلة بحي الحاج يوسف – الخرطوم بحري، تُعد أول كنيسة تأسست في الخرطوم، وذلك في عام 1989، وهي من أقدم الكنائس في المدينة.

أوضح القس أن قرار إزالة مبنى الكنيسة صدر في شهر مارس/ أذار من جهة غير معروفة، حيث كُتبت كلمة “إزالة” على جدار الكنيسة قبل بدء عملية الهدم، دون أي توضيح رسمي أو إشعار قانوني. وأضاف أن  الكنيسة الخمسينية تُعد من الكنائس الناشئة ضمن الطائفة الإنجيلية في السودان، وتُعرف محليًا باسم “الكنيسة الخمسينية”.

وأشار القس كرنيليوس أن الكنيسة الخمسينية تقع في موقع استراتيجي على الشارع الرئيسي بحي الحاج يوسف، وهم لديهم بكروكي رسمي (رسم تخطيطي لموقع مبنى أو أرض)، لكن لا توجد أوراق تسليم للمبنى.

يُقدّر عدد المسيحيين في السودان بنحو مليوني نسمة، ما يعادل حوالي 4.1٪ من إجمالي السكان، وفقًا لمنظمة “Open Doors UK / Ireland” وتصنيف “World Watch List”. فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن نسبتهم قد تصل إلى 5.4٪، أي نحو 2.7 مليون نسمة استنادًا إلى إحصاءات عام 2022. وتُعد هذه الأرقام تقديرية.

يشمل التنوع المسيحي في السودان الأرثوذكس الشرقيين والكاثوليك والاقباطصورة من: EBRAHIM HAMID/AFP/Getty Images

هدم كنيسة الخمسينية 

وقال القس “إنه في 22 أبريل/ نيسان، تقدمت الكنيسة بشكوى رسمية إلى السلطات المحلية، لكن لم تتلق أي رد أو تدخل، رغم استمرار وجود عبارة “إزالة” على جدار الكنيسة.”

قال “يحيى”، وهو اسم مستعار لأحد أعضاء مجلس إدارة الكنيسة في حي الحاج يوسف، فضّل عدم الكشف عن هويته خوفًا من الملاحقة الأمنية، إن للكنيسة تاريخًا معروفًا في المنطقة، وما زالت تحتفظ بوثائق رسمية تُثبت وضعها القانوني.

وأوضح يحي أن الكنيسة تقع في منطقة يغلب عليها الطابع الإسلامي، في حين يشكّل أبناء جنوب السودان – ولا سيما من أبناء النوبة – الغالبية العظمى من مرتاديها، مؤكدًا أن الكنيسة تمثّل مكوّنًا دينيًا واجتماعيًا أصيلًا ضمن هذا المجتمع المتنوع.

أضاف يحيى أنه  يوم 8 يوليو/حزيران، فوجئ القس وأعضاء الكنيسة بوصول سيارات شرطة، كان بعض عناصرها يرتدون زيًا مختلفًا، وبصحبتهم جرافة ضخمة، بدأوا على الفور بهدم المبنى، بما في ذلك المكاتب ودورات المياه وقاعة الاجتماعات، مع تدمير كامل للأثاث والكتب المقدسة. ولم يتمكنوا سوى من إخراج عشرة كراسي بعد أن أنتهاء عملية الهدم.

وأشار القس إلى أن بعض النساء اللواتي كن داخل الكنيسة تعرضن لتهديدات من قبل الجهات الأمنية لمنع أي محاولة مقاومة، خاصة وأن راعي الكنيسة لم يكن متواجدًا في ذلك الوقت، ما حال دون تدخل أي طرف لحماية المبنى. وبعد الحادث، توجه القس وأعضاء الكنيسة إلى محلية شرق النيل لتقديم شكوى والاستفسار، لكنهم لم يتلقوا أي رد أو استجابة حتى الآن.

يشمل التنوع المسيحي في السودان الأرثوذكس الشرقيين والكاثوليك والاقباط (حوالي 3.2٪ قبل انفصال الجنوب) والبروتستانت (0.25٪)، ويتركز أغلبهم في الخرطوم ، مدني وجبال النوبة ، مع وجود أعداد أقل في بورتسودان، والقضارف، والفاشر، والأبيض.

غموض الردود الحكومية

يوضح يحيى “أن الكنيسة تتبع لإدارة سودانية، وترتبط إداريًا بالكنيسة الخمسينية الرئيسية في شارع السيد عبد الرحمن، مؤكدًا أنها ليست منشأة عشوائية، بل مصدّقة رسميًا كمدرسة، وتعمل الكنيسة داخل مبنى هذه المدرسة”.

وأضاف يحيى أن الكنيسة تعرضت لتدمير كامل جميع ممتلكاتها خلال عملية الهدم، شمل ذلك الأثاث والكتب والمحتويات الدينية. واعتبر ما حدث “انتهاكًا غير مقبولًا” يعكس تجاهلًا لحقوق المكوّنات الدينية الأخرى. وأكد أن غياب التعاون وعدم الاستجابة من الجهات المختصة، وخاصة إدارة الشؤون الدينية، يثير الاستغراب، مشيرًا إلى أن توقعهم كان أن تتواصل إدارة الشؤون الدينية مع الكنيسة، لكن لم يحدث أي تفاعل أو توضيح حتى الآن.

منذ اندلاع الحرب في السودان، تعرضت أكثر من 150 كنيسة لأضرار جسيمة نتيجة الاستهداف المتكرر للمواقع الدينية في مدن مثل أم درمان، ود مدني، والخرطوم. وثّقت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية تصاعد وتيرة الاعتداءات على أماكن العبادة.

ولا توجد تقارير رسمية من وزارة الشؤون الدينية أو مؤسسات حكومية موثّقة تشير صراحةً إلى أرقام أو حالات اعتقالات أو هدم أو تهجير


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة