الخرطوم ـ- خلال الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، في الخرطوم، دفن الكثير من الجثث على عجل، بسبب صعوبة نقلها الى المقابر، إلا أنها الآن بدأت تطفو بفعل الأمطار والسيول الجارفة، التي تسبب مخاوف أيضا من تحرك الألغام والذخائر والأجسام غير المنفجرة.
وتسببت المعارك في سقوط آلاف القتلى، دفن معظمهم في الساحات داخل الأحياء السكنية والمنازل التي تحولت إلى مدافن عشوائية تضم قتلى وضحايا الحرب طوال العامين الماضيين.
وشهدت الخرطوم اندلاع الشرارة الأولى للحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منتصف أبريل/ نيسان 2023، قبل أن تتحول أحياؤها السكنية إلى ميادين مفتوحة للقتال، ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا من المدنيين الذين دفن أغلبهم في أماكن إقامتهم بسبب تقييد الحركة وقتها.
ومع ازدياد موجات العودة الطوعية إلى العاصمة عقب تحريرها من قبل الجيش في مارس/ آذار الماضي مثلت تلك المدافن المؤقتة تحديا آخر وسط تحذيرات من التداعيات البيئية.
وكشفت السيول الجارفة والأمطار في منطقة الوادي الأخضر شرق العاصمة الخرطوم الأسبوع الماضي عن العديد من الجثث التي دفنت على عجل، فيما أوضحت السلطات المحلية أنها تلقت بلاغات تفيد بجرف السيول جثث جنود يتبعون للدعم السريع في تلك المنطقة، مشيرة إلى أن الأمطار أدت إلى تراكم المياه في مناطق متعددة في المنطقة ما أسفر عن ظهور الجثامين.
وقالت إنها طلبت كذلك من جهاز مكافحة الألغام القيام بمراجعة احتياطية لوجود قنابل غير منفجرة داخل مصارف المياه.
وفي سياق متصل، قالت حكومة ولاية الخرطوم إنها تعمل على نقل رفات جثث كانت مقبورة بجوار مدرسة بلال في حي البركة في منطقة الحاج يوسف.
وحسب الحكومة فإن عدد الجثث يقدر بأكثر من 200 جثة كانت مدفونة في مواقع مختلفة وتم نبش 20 قبرا وتحويلها إلى مقابر البنداري القريبة من المكان.
وقال المواطن يحيى عثمان (32 عاماً) لـ«القدس العربي» : إن «فصل الخريف دائماً يعني انتشار البعوض في الخرطوم وبعض الأوبئة، هذا قبل الحرب، وبعد الحرب انتشرت المقابر العشوائية وتراكمت النفايات والمخلفات الحربية ما يتطلب تحركا عاجلا للسلطات».
بينما أشار عبد الشكور أحمد (28 عاماً) إلى أنه في أحياء الديوم الشرقية وسط الخرطوم – المنطقة التي يعيش فيها – دفن الناس موتاهم في الشوارع والطرقات وداخل الأندية الرياضية طيلة الفترة الماضية، وهم الآن في أمسّ الحاجة لنقلهم إلى المقابر العامة.
دُفنت على عجل خلال الحرب… وبعضها لقوات «الدعم السريع»
وقبل أيام، أعلنت هيئة الطب العدلي في ولاية الخرطوم اكتمال نقل 3800 ألف جثة في أنحاء متفرقة من العاصمة. وشددت على أن نقل الجثث والقبور العشوائية من أي موقع مسؤولية الهيئة ولا تتحصل عن ذلك على أي رسوم مالية.
وقالت إن الهيئة بدأت في تلقي البلاغات عقب سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم بشأن الرفات والمدافن العشوائية في الساحات والأحياء السكنية والمؤسسات الصحية والمقار الحكومية والجامعات
خبير الصحة العامة وصحة البيئة، عبد الماجد مردس، قال لـ «القدس العربي»، إن «النظام الصحي خلال فترة الحرب في الخرطوم شهد حالة انهيار وعدم قدرة في التعامل مع القضايا الصحية للمواطن، خاصة مع الأعداد الكبيرة لجثث الموتى المنتشرة في الطرق والمنازل، وكان مفهوماً وقتها بسبب صعوبة الوصول للأماكن المحددة جراء القتال والنقص في معينات العمل لكن الآن الوضع مختلف».
وأضاف: أن «هناك معتقدات شائعة بين الناس بأن عدم التعامل مع الجثث الناتجة عن النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية في حينها يؤدي إلى انتشار أوبئة بعينها غير صحيح»، مشيراً إلى أن البحوث الدراسات الحقلية أثبت عدم صحة ذلك.
وتابع: «بعد وقوع زلزال مثلاً يعتقد البعض بأن خطر انتشار الأوبئة يزيد إذا لم تدفن الجثث أو تحرق بسرعة، وهناك من يظن أن وجود هذه الجثث يؤدي إلى تفشي أمراض معدية وشاهدنا في سياقات أخرى من يزعم أن انبعاث الروائح الكريهة من الجثث ينقل الأمراض عبر الهواء وما برهنه العلم وممارسات العلماء وخبراء الصحة والطب الشرعي هو أن هذه المزاعم غير صحيحة».
واستدرك: «القبور الجماعية والجثث في حد ذاتها لا تؤدي إلى تفشي الأمراض، ولكن هناك احتمالات حدوث انتقال بعض الأمراض بواسطة الكوادر العاملة في الطب الشرعي والصحة العامة عن طريق التلوث العكسي».
وبين أن «الكائنات العضوية المسبب للعدوى لا تعيش أكثر من يومين في جسم الميت، والاستثناء الوحيد في هذا السياق هو فيروس نقص المناعة المكتسبة، حيث يظل حيّا داخل الجسم بعد الوفاة بستة أيام» لكنه عاد وأكد على ضرورة الحفاظ على مصادر المياه بمنأى عن تلك الجثث.
في حين دعا قائد الفريق الاستراتيجي لإزالة مخلفات الحرب، حسين الشريف، في حديثه لـ«القدس العربي» المواطنين إلى توخي الحذر، والابتعاد عن أي أجسام غريبة والإبلاغ عن أي مخلفات يتم العثور عليها وبالأخص في المجاري والبيوت المهدمة والمزارع.
وأوضح أن الفريق الاستراتيجي كثف من عمل فرق المسح الميداني لإزالة مخلفات الحرب «مع دخول فصل الخريف، لازدياد المخاطر من مخلفات الحرب بشكل كبير، لافتاً إلى أن الأمطار والسيول يمكن أن تحرك الألغام والذخائر والأجسام غير المنفجرة، مما يزيد من خطر الانفجارات وحدوث إصابات.
ولفت الشريف إلى حاجة الفريق لمزيد من الدعم من أجل تحديد وتطهير المناطق المتضرر، مؤكداً التزامهم بضمان سلامة الجميع وإنجاز مهمتهم في أسرع وقت.
المصدر: القدس العربي
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.