28.8 C
Khartoum

كارثة إنسانية وشيكة في دارفور

Published:

تعيش دارفور اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية والتعليمية، وتفشي الجوع والأوبئة، واستمرار النزوح الجماعي في ظل غياب حلول سياسية أو تدخلات إنسانية كافية. وتبقى الحاجة ملحة لتحرك دولي عاجل وفاعل لإنقاذ ملايين الأرواح المهددة، ووقف الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق

والان تشهد مناطق النزوح في السودان، وبالأخص إقليم دارفور، تصاعداً خطيراً في حجم الكارثة الإنسانية مع دخول فصل الخريف وتفاقم الأوضاع البيئية والصحية والأمنية. فقد أطلقت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين تحذيرات شديدة اللهجة من “كارثة إنسانية وشيكة” تهدد حياة الملايين، في ظل تدهور غير مسبوق في الظروف المعيشية والخدمية، خاصة في منطقتي جبل مرة وطويلة، اللتين أصبحتا مركزين رئيسيين لتجمع النازحين نتيجة استمرار تدفق الفارين من مناطق النزاع، وعلى رأسها مدينة الفاشر.

أوضح الناطق باسم المنسقية، آدم رجال، في تقرير يغطي الفترة منذ أبريل الماضي، أن مؤشرات الجوع وسوء التغذية والعطش تزداد بشكل مقلق، وتشكل تهديداً مباشراً للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، في ظل نقص حاد في مواد الإيواء وانعدام المأوى مع حلول موسم الأمطار الغزيرة. وأشار إلى أن دارفور “تمزقت بالكامل وتوشك على الخروج عن السيطرة”، مع استمرار تدفق النازحين يومياً إلى أكبر مراكز نزوح في ظل الصراع الدائر.

وتعاني مناطق تمركز النازحين من تدهور خدمات الصرف الصحي، ما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض والأوبئة، في وقت تعجز فيه المنظمات الإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتزايدة بسبب القيود الأمنية وصعوبة الوصول.

انتشار الأوبئة وتدهور النظام الصحي

وقد زاد الوضع سوءاً مع التحذيرات العاجلة التي أطلقتها منظمة “أطباء بلا حدود” بشأن “الانتشار المقلق” لوباء الكوليرا في ولايات السودان، حيث تم تسجيل أولى الحالات في إقليم دارفور الذي يعاني من كثافة نزوح مرتفعة وتدهور حاد في خدمات المياه والصرف الصحي. وقد تصدرت ولاية جنوب دارفور قائمة الإصابات، حيث سجل مستشفى نيالا التعليمي حوالي 250 حالة منذ نهاية مايو، ما دفع المنظمة إلى فتح مراكز علاجية جديدة ودعم نقاط تعويض السوائل في الأحياء السكنية، بالإضافة إلى استعدادها لتوسيع عملياتها استجابة لتطورات التفشي.

ودعت “أطباء بلا حدود” وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من خلال حشد التمويل الإضافي وتوفير الإمدادات الطبيةح
الضرورية، مشددة على أهمية نشر المزيد من الكوادر الصحية وتثبيتها ميدانياً، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً مثل جنوب دارفور. وأكدت المنظمة أن نقص المياه النظيفة وتدهور البنية التحتية في مخيمات النزوح يجعل من الصعب السيطرة على المرض، مما يستدعي إعلان أعلى مستوى من التأهب الصحي في المناطق المتضررة.

الأمن المنهار وتفاقم الانتهاكات

تتزامن الأزمة الإنسانية مع انهيار أمني واسع النطاق. فقد شهدت دارفور منذ أبريل/نيسان موجات عنف متكررة بين قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها من جهة، والقوات المسلحة السودانية من جهة أخرى، ما أدى إلى مقتل المئات وإجبار عشرات الآلاف على الفرار، إضافة إلى حرق قرى وفرض حصار على مناطق واسعة حول الفاشر. وتعرضت مرافق الرعاية الصحية للقصف المتكرر والاستهداف المباشر، ما أدى إلى إغلاق بعضها ونقص حاد في الخدمات الطبية، في ظل استمرار عمليات النهب والتدمير.

كما وثقت منظمات حقوقية ارتكاب الطرفين المتحاربين انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، شملت عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي، وقصف عشوائي لمناطق مأهولة بالسكان، وتدمير متعمد للبنية التحتية المدنية، فضلاً عن عرقلة متعمدة لوصول المساعدات الإنسانية واستخدام المجاعة كسلاح حرب.

تداعيات النزوح واللجوء

بلغ عدد المهجرين داخلياً في السودان أكثر من 10.8 مليون شخص حتى سبتمبر/أيلول 2024، منهم 8.1 مليون هُجّروا بعد عام 2023 فقط، في حين يواجه نحو 25 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، وسط تمويل إنساني لا يغطي سوى نصف الاحتياجات. كما أن هناك ملايين الأطفال خارج المدارس، ويواجه ذوو الإعاقة تحديات إضافية في ظل استجابة إنسانية محدودة للغاية.

أما اللاجئون السودانيون في دول الجوار، خاصة تشاد، فيواجهون ظروفاً معيشية قاسية، مع تخفيض الحصص الغذائية بسبب نقص التمويل، وتعرضهم لانتهاكات إضافية، بينما لم تقدم الدول خارج أفريقيا سوى حماية محدودة جداً للاجئين السودانيين.

المجتمع الدولي والتحركات المحدودة

رغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الدولية، لم تسفر قرارات مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي حتى الآن عن خطوات ملموسة لنشر قوات حماية أو ضمان وصول المساعدات بشكل آمن إلى المناطق المنكوبة. كما أن الإفلات من العقاب لا يزال سائداً، مع تقاعس الأطراف المتحاربة عن التحقيق في الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عنها، رغم استمرار تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية وبعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة.


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة