39.1 C
Khartoum

أسرى ماتوا جوعاً في معتقلات «حميدتي»… وناجون تحدثوا لـ«القدس العربي» عن الأوضاع المزرية

Published:

الخرطوم ـ «القدس العربي»: وجوه شاحبة، وأجسام هزيلة، صعوبة في القدرة على الكلام والحركة، بجانبهم تتمدد جثامين رفقائهم الذين ماتوا جوعاً، هكذا كان المشهد حين عثر الجيش السوداني على مئات المحتجزين والأسرى داخل معتقلات «الدعم السريع» بعد بسط سيطرته على العاصمة الخرطوم في 26 مارس/آذار الماضي
هذه المعتقلات تقع في مسيد الشيخ أبوكساوي ومدرسة النمروس في طيبة الحسناب في جبل أولياء أقصى جنوب الخرطوم، وهناك عشرات المعتقلين ماتوا بسبب الجوع والعطش، وفق ما كشفت مصادر حكومية لـ«القدس العربي».
وقالت إن القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» نقلت العشرات من المحتجزين المدنيين والأسرى العسكريين من سجن سوبا ـ سيئ السمعة ـ إلى مراكز اعتقال تابعة لها في منطقة جبل أولياء، وكانت تخطط إلى نقلهم إلى أمدرمان ومن ثم إلى إقليم دارفور غربي البلاد لكن تسارع العمليات العسكرية من قبل الجيش أفشل الخطة.
ووفقاً للمصادر، الأسرى من جنود وضباط ومتقاعدين عن الخدمة والمحتجزين من المدنيين ظلوا طوال ثلاثة أيام قبل تحرير العاصمة من دون طعام وبعضهم مندون ماء، ولم تصمد أجسام بعضهم التي كانت تعاني سلفاً من الهزال وسوء التغذية ما أدى إلى موتهم.
وكان الجيش قد نشر مقاطع مصورة توثق اللحظات الأولى لإطلاق سراح المعتقلين وصور أخرى للأشخاص الذين قتلوا في الأسر.
ورأى الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله في تصريحات صحافية، أن صور الأسرى هي أبلغ دليل على وحشية وإجرام قوات الدعم السريع.
وحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان احتجزت «الدعم السريع» إبان سيطرتها على الخرطوم عشرات الآلاف وتوفي منهم المئات بسبب التعذيب والمرض.
وأشارت إلى وجود 39 مركز احتجاز لدى الدعم السريع، ويعد سجن سوبا جنوب شرق المدينة من أكبر تلك المعتقلات ومن ثم مجمع حي الرياض شرق الخرطوم إلى جانب العديد من البنايات وأقسام الشرطة ومنازل المواطنين التي تم تحويلها إلى معتقلات ومراكز تعذيب8
وأعرب السودانيون عن صدمتهم لأوضاع السجناء وزاد استياؤهم عقب نبأ مقتل الناشط الوليد عابدين بعد ساعات من إطلاق سراحه.
وظهر عابدين بعد إطلاق سراحه من سجون «الدعم السريع» وهو مرمي على أرض قذرة وجسده الهزيل أقرب إلى هيكل عظمي يكسوه جلد متعرج من سوء التغذية والتعذيب وعيناه غائرتان تعكس ملامح الألم والاستسلام.
في الفيديو المتداول كان بالكاد يستطيع الحديث وكان جسده خائرا تماماً لم يقو على الصمود وارتقت روحه في أحد المشافي بعد محاولات إنقاذه.
ولم يكن عابدين جندياً في الجيش ولا أرتكب أي فعل إجرامي وإنما من الناشطين المبادرين في المجالات العلمية والخيرية في البلاد، فهو خريج زمالة مانديلا للقادة الشباب ومؤسس «يازول إيفينتس» كذلك مؤسس شبكة «يازول فرصة» وهي شبكة لتمكين قدرات الشباب من خلال اتاحة المعلومات وتوفير الفرص.
قبع الوليد في زنازين الدعم السريع لمدة (6) أشهر تحت دعاوى التعاون مع الجيش، ولقي أشد صنوف العذاب حسبما أفاد مرافقوه.

عثر عليهم بعد تحرير الخرطوم… مخاوف لدى عائلات المفقودين

وفي سياق متصل، أكدت شبكة أطباء السودان، أن العشرات من الأسرى لقوا حتفهم نتيجة الأوضاع الإنسانية البالغة السوء التي تعرضوا لها قبل تحريرهم بساعات من «الدعم السريع» في منطقة جبل أولياء، مشيرة إلى معاناة أكثر من ألف من الأسرى بسبب الجوع والأمراض وقد جدوا في حالة بالغة السوء.

وسيلة انتقام

وانتقدت الشبكة وقوع عمليات تعذيب واستخدام الجوع كوسيلة للانتقام من الأسرى في معتقلات الدعم السريع في الخرطوم، لافتة إلى أن فريقها تحدث إلى عدد من الأسرى الذين أكدوا حرمانهم من أبسط الحقوق بجانب الانتهاكات التي تعرضوا لها.
حكى مدثر، يسكن حي جبرة جنوبي العاصمة وأطلق سراحه مؤخراً، قال إنه كان في معتقل لدى الدعم السريع في حي الرياض، وكان هو وبقية المحتجزين يتعرضون للتعذيب المتواصل عبر الضرب والسجن الانفرادي ومنع الطعام.
وأضاف لـ«القدس العربي»: «أحيانا كنا نوضع نحو 20 شخصا في زنزانة لا تتعدى مساحتها مترين مربعين ويكون نصيبك كوب ماء صباحاً وآخر مساء مع فتات الطعام الذي لا يشبع ولا يغني من جوع، مضيفا: «خلال فترة اعتقالي مات كثير من المعتقلين».
وتابع: «اعتقلت لمدة 6 شهور بعد اتهامي زوراً بالتخابر لصالح الجيش».
كذلك التقت «القدس العربي» بأسرة الشاب محمد إبراهيم، وقد احتجز لدى «الدعم السريع» وأطلق سراحه مؤخراً إبان تحرير العاصمة.

فترة صعبة

تقول شقيقته أمنية، ودموع الفرح تتساقط بين عينيها: «كانت فترة صعبة جداً، نحن أسرة مكونة من بنتين وولد وأمهم، كان محمد العائل للأسرة واعتقل في الشهور الأولى للحرب، حياتنا مباشرة انقلبت رأساً على عقب وتدهورت الأوضاع وكانت فترة عامين من التوتر المتواصل والقلق المرعب». وتضيف: «الميليشيا اعتقلت شقيقي محمد بعد اتهامه بالانتماء للجيش هو شخص مدني، في الأسابيع الأولى كانت تصل أخباره عبر أحد عناصر الدعم السريع لكن بعدها انقطع هذا التواصل وعلمت لاحقاً أنه تم تحويله إلى سجن سوبا حيث لا ماء ولا طعام».
وتابعت: «لم أخبر والدتي ولا شقيقتي بنقله إلى سجن سوبا حفاظاً على ما تبقى من حالتهما النفسية المتدهورة أصلاً وقلقهما المتصاعد، كنت وحدي من أعلم بذلك وسعيت لمعرفة مصيره دون جدوى حتى تلقينا اتصالا قبل أيام بالتزامن مع عيد الفطر المبارك من شخص أخبرنا أن شقيقي تم إطلاق سراحه وهو بخير وأنه سيقضي معنا فترة العيد، في البدء تصاعدت مجدداً المخاوف بسبب عدم سماع صوته لكن تبدد ذلك في اليوم التالي بعد أن تحدثنا معه».
خروج بعض الأسرى والمحتجزين من معتقلات «الدعم السريع» في الخرطوم، جدد المخاوف لدى بقية أسر الأسرى والمفقودين الذين أصبحوا يعيشون قلقا مفزعا خوفاً من مصائر سيئة ومجهولة قد تحيط بأبنائهم الذين كانوا في سجون قوات «الدعم السريع» ومفقودين في مناطقها ولم يظهروا في كشوفات الأشخاص المطلق سراحهم مؤخراً خاصة مع تزايد روايات عن نقل أعداد كبيرة من المعتقلين إلى دارفور والعثور على عدد من المقابر الجماعية لأشخاص مجهولي الهوية. قال راغب إبراهيم، شقيق الأسير لدى «الدعم السريع» مجاهد إبراهيم، إن أخاه كان يوجد في سجن سوبا لكن في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي استطاع الهروب مع مجموعة نحو قرية السديرة شمال ولاية الجزيرة وبعدها تقطعت سبل التواصل معه.
بعدها بدأ راغب البحث من جديد في السجون والبنايات التي استخدمتها «الدعم السريع» معتقلات حيث تتبع عمليات نقل المحتجزين والسؤال عن شقيقه وسط المطلق عنهم مؤخراً والمناطق المتوقعة أن يكون قد لجأ إليها.
وحسب متابعات «القدس العربي» يوجد عدد من المعتقلات للمدنيين والعسكريين في معسكر «الشيخ يوسف» التابع لـ«الدعم السريع» في منطقة صالحة، وبنايات أخرى في أمبدة في أمدرمان، كما تشير معلومات أخرى الى نقل عدد من كبار الضباط وبعض السياسيين الذين تحتجزهم قوات «حميدتي» إلى مراكز اعتقال جديدة في مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور.
وتداول ناشطون فيديو يظهر جماجم وعظاما آدمية تعرضت لعملية حرق شامل. وصاحب المقطع المصور صوت شخص يؤكد أن الدعم السريع قامت بارتكاب مجزرة في حق هؤلاء الأشخاص الذين كانوا محتجزين لديها، لكن الأخيرة نفت صلتها بالواقعة، وأكد قادتها الإعلاميون أن الحاوية المقصودة في مستشفى التميز، وهي لجثامين كانت في المشرحة وتم حرقها من قبل النظام لإخفاء جريمة فض الاعتصام في 3 يونيو/ حزيران 2019.
«شبكة أطباء السودان» أطلعت على الفيديو وأرسلت فريقا طبيا من قبلها للتحقق من عمليات حرق لمعتقلين لدى «الدعم السريع» في حاويات في الخرطوم. ووعدت بنشر نتائج التحقيق في محتوى الفيديو قريبا.


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة