الخرطوم ـ «القدس العربي»: استعاد الجيش السوداني، أمس الجمعة، السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات والمكاتب الحكومية، وسط العاصمة الخرطوم، بعد معارك عنيفة شهدها محيط المبنى السيادي ضد قوات «الدعم السريع».
وقال المتحدث باسمه، نبيل عبد الله، إن الجيش «حقق انتصارا ساحقا على قوات «الدعم السريع» في ملحمة بطولية في محاور الخرطوم في مناطق وسط الخرطوم والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري والوزارات».
وأضاف: «استعاد الجيش رمز سيادة وكرامة الأمة السودانية ودمر أفراد ومعدات «الدعم السريع» تدميراً كاملاً واستولى على كميات كبيرة من معداته وأسلحته في المناطق المذكورة».
وفيما رفع قادة الجيش ومنسوبيه العلم السوداني أعلى قبة القصر الجمهوري، قال وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الأعيسر، إن تحرير القوات المسلحة للقصر الجمهوري فجر الجمعة، ملحمة للكرامة الوطنية، امتزجت فيها دماء الشهداء بتراب السودان الطاهر، واختلط نفس الأجداد المليء بالعنفوان والفخر بروح الأجيال الجديدة التي تواصل ذات المسيرة». مضيفا: «اليوم ارتفع العلم، وعاد القصر، والرحلة ماضية حتى يكتمل النصر».
وتابع: « ظن الجنجويد والمرتزقة ومن معهم من القوى الداخلية العميلة والخارجية الواهمة، أن الأمر ليس سوى مجرد مزحة لكنهم لم يدركوا أن معركة الكرامة السودانية ليست مجرد مواجهة عسكرية كسابقاتها المدونة في كتب التاريخ، بل هي رسالة خالدة للأجيال، مفادها أن الكرامة تُنتزع بثبات الأبطالـ«.
وأشار إلى أن «كل خطوة خطاها الجنود السودانيون منذ صباح 15 أبريل/ نيسان 2023 وصولاً إلى استعادة القصر برمزيته السياسية والتاريخية، قد سطّرت مجداً جديداً يُضاف إلى سجل أمة لا تعرف إلا العزة والمجد».
أعاد رفع علم البلاد على قبته… بعد عامين من المعارك
وبين أن «عملية استعادة القصر الجمهوري السوداني، كانت بقيادة القوات المسلحة السودانية، وشاركت فيها كل القوات المساندة، من جهاز المخابرات، والشرطة، والقوات المشتركة، وقوات درع السودان، وبراؤون، وغاضبون بلا حدود». وقالت القوة المشتركة للحركات المسلحة، المساندة للجيش، إن «تحرير القصر الجمهوري رمز سيادة الدولة السودانية ومنطقة وسط الخرطوم بالكامل من قبضة الدعم السريع، يمثل خطوة محورية في مسيرة استعادة الدولة السودانية وهيبتها، وتطهير العاصمة من عناصر الفوضى والخراب التي عبثت بأمن المواطن وحرمة الوطن».
ورأى رئيس الحركة الشعبية، التيار الثوري الديمقراطي، ياسر عرمان، أن وصول القوات المسلحة وحلفائها إلى القصر الجمهوري بعد عامين من المعارك إنجاز عسكري لا يجب التقليل منه، وفاتحة للأسئلة السياسية قبل العسكرية».
وأشار إلى ضرورة الإجابة على السؤال حول: «هل دخلوا القصر من بوابة 30 يونيو/ حزيران 1989؟ في إشارة إلى بداية حكم النظام السابق، مشددا على أنهم إن دخلوا من تلك البوابة فإنها ستعمق الأزمة السياسية وتضع عنوانا عريضا لاستمرار الحروب. وقال إن «دخول القصر لكي يحل الأزمة السياسية والتاريخية المستحكمة يجب أن لا يكون من بوابته الشرقية أو الغربية أو الجنوبية على أهميتها عسكريا، بل المهم أن يكون الدخول إلى القصر الجمهوري سياسيا من بوابة برنامج نهضوي جديد يوفر مساومة تاريخية تحل قضايا البناء الوطني وعلى رأسها الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز».
وتابع: أن البوابة الحقيقية لدخول القصر الجمهوري هي بوابة الثورة السودانية التي قادها زعماء كبار في وحدة للمدنيين والعسكريين، لنستمد من ذلك ضوءا يضع بلادنا على طريق التطور والتقدم والديمقراطية وحل معضلاتها التاريخية. والذين دخلوا القصر اليوم من المهمشين عليهم أن يضعوا ذلك نُصب أعينهم».
«الدعم السريع» تؤكد أن سقوط القصر «لا يعني خُسران الحرب»
قال المتحدث باسم «الدعم السريع» الفاتح قرشي، أن معركة القصر الجمهوري لم تنتهِ بعد، وأن قواتهم ما زالت موجودة في محيط المنطقة، تقاتل من أجل استعادة القصر» مشيرا إلى تنفيذها عملية عسكرية خاطفة استهدفت تجمعاً للقوات داخل القصر الجمهوري ودمرت آليات عسكرية مختلفة.
إلا أن مستشار قائد قوات «الدعم السريع» الباشا طبيق، قال على منصة « إكس» إن «سقوط القصر الجمهوري لا يعني خسران الحرب».
وأشار إلى أن المعركة حول القصر شهدت ما وصفها بـ«بطولات وتضحيات».
وأكد أن قوات «الدعم السريع» أظهرت «بسالة وشجاعة وصمودا» حسب تعبيره.
القيادي المنشق عن حركة «العدل والمساواة» سليمان صندل – يقود مجموعة موالية للدعم السريع – قال: إن الحرب سجال، وإن عهدًا جديدًا قد بدأ بالفعل» مضيفا: « أن كل من يتصور خلاف ذلك عليه أن يراجع تاريخ الحروب في السودان».
ودعا إلى إعادة تأسيس جيش جديد، مشيرا إلى أن تحالف السودان التأسيسي – تحالف الدعم السريع والموالين لها – ماضٍ بقوة، مؤكدا أنهم ماضون في تشكيل حكومة موازية قال «إنها لفرض السلام وإرادة الشعب».
ورحب عدد كبير من السودانيين بالأنباء حول سيطرة الجيش على القصر الرئاسي.
وقال محمد إبراهيم (55 عاما) المقيم في الخرطوم «تحرير القصر أجمل خبر لنا منذ بداية الحرب لأنه بداية لسيطرة الجيش على كل الخرطوم».
وأضاف «نريد أن يعود الأمن ونعيش من دون خوف أو جوع».
قتل فريقا من التلفزيون السوداني
أودت عملية قصف بالمسيرات نفذتها قوات «الدعم السريع» أمس الجمعة، بحياة وفد إعلامي من فريق التلفزيون القومي، كان يقوم بتغطية أحداث استعادة الجيش السوداني مباني القصر الرئاسي والوزارات وسط العاصمة الخرطوم.
وراح ضحية العملية المخرج ومدير البرامج فاروق الزاهر والمصور التلفزيوني مجدي عبد الرحمن، وسائق عربة التغطية وجه جعفر ليلحق بهم إبراهيم مضوي الذي يعمل مونتير، ومخرج ضمن فريق التلفزيون متأثراً بجراحه التي أصيب بها. ونعت نقابة الصحافيين السودانيين الإعلاميين الراحلين، مشيرة إلى إخلاصهم وتفانيهم في العمل والتزامهم جانب العمل في أخطر أنواعه وهو التغطية الميدانية في الحروب.
محلل عسكري لـ«القدس العربي»: استعادة القصر إعلان نهاية انقلاب «حميدتي»
الانتصارات العسكرية المتتالية للجيش السوداني، التي توجت بإعلان تحرير القصر الجمهوري، رسالة ذات أبعاد سياسية ومعنوية كبيرة داخليا وخارجيا، حسب ما قال المحلل العسكري، حسام ذو النون لـ«القدس العربي» مشيرا إلى أنه بمثابة إعلان «انتهاء الانقلاب» الذي نفذته «الدعم السريع».
وقال إن «استعادة القصر الجمهوري وتحريره من قبضة «الدعم» انتصار سياسي ومعنوي كبير ويمثل ضربة قاصمة للمشروع الإماراتي الإسرائيلي الطامع في الاستيلاء على مقدرات السودان الاقتصادية على جماجم الشعب السوداني وتهجيره من أرضه والقضاء عليه».
ورأى أنه «من الجانب الاستراتيجي، فإن استعادة القصر برمزيته السيادية والسياسية هي نقطة تحول كبيرة تدفع بكثير من حلفاء «الدعم السريع» ومسانديها من دول ومنظمات وكيانات سياسية، لإعادة حساباتها وتقييم تحالفاتها السابقة والنظر لمصالحها وفق رؤية جديدة «.
وأشار إلى أن «الإستراتيجية العسكرية والخطط التكتيكية التي وضعتها القوات المسلحة السودانية، وتم تنفيذها بدقة، بدأت من امتصاص الصدمة والدفاع، إلى مرحلة استهداف القدرات العسكرية
الدعم السريع» وتكسير نواتها الصلبة، والانتقال الى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض والقضاء على قواتها، هو تطبيق كامل لما يعرف في العلوم العسكرية بأوجه الحرب الأربعة: الانسحاب، الدفاع، التقدم، والهجوم».
ووفق قوله «منذ أواخر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي عندما بدأ الجيش عبور جسور النيل الأبيض والحلفايا، كان واضحا أن القوات المسلحة أكملت استعداداتها وترتيباتها من جميع النواحي، وبدأت مرحلة التقدم للهجوم واكتساح معاقل «الدعم السريع» ومناطق انتشارها».

وبين أن تلك العمليات «تمت وفق تراتبية، بدأت بتحييد القوات الصلبة والآلة العسكرية للدعم السريع» وتشتيت قواتها في مساحات شاسعة يصعب الدفاع عنها، ثم عزل تلك القوات عن بعضها البعض، وقطع الإمداد العسكري والغذائي عنها، ثم استهداف القيادات الميدانية للدعم السريع» مما أفقدها وحدة القيادة والسيطرة».
ورأى أن ذلك جعلها «تعمل كوحدات معزولة عن قيادتها العليا، وتقوم بتنفيذ عمليات ارتجالية غير ذات جدوى عسكرية استراتيجية تخدم الأهداف الكلية للحرب» وتلى ذلك الهجوم المتعدد في مناطق مختلفة، مشيرا إلى أنه عامل رئيس جعل «الدعم السريع» تفقد مميزاتها التكتيكية الاساسية، وهي مرونة الحركة وسرعة الانتشار والقدرة على تغيير الأهداف، وأنه تمت قيادتها نحو مسار تم رسمه بدقة، وتنفيذه باحترافية».
ولفت إلى أن «الاستراتيجية العسكرية للجيش كان فيها العامل الاستخباراتي لاعبا هاما لتحقيق أهدافها».
وقال: في معركة القصر الرئاسي، كان تقدم القوات القادمة من كرري وسلاح المهندسين، غرب العاصمة الخرطوم وتمركزهم في منطقة المقرن غرب وسط الخرطوم، عملية استنزاف وتضليل عسكري كامل جعلت «الدعم السريع» تصب كل اهتمامها وتركيز قواتها بافتراض أن تحرير وسط الخرطوم سوف يتم من تلك المنطقة، وهو أمر أتاح للقوات المسلحة التحرك عبر محاور أخرى لإمداد وحداتها بالسلاح والعتاد والجنود بصورة مريحة، وإكمال ترتيباتها لاجتياح وسط الخرطوم من الناحيتين الجنوبية والشرقية، وهو ما تمثله قوات المدرعات والقيادة العامة.
وأضاف: أن عمليات الاستدراج والسماح لعناصر «الدعم السريع» بالتوغل والدخول إلى وسط الخرطوم، كانت عملية أمنية تخدم الخطة الاستراتيجية للقوات المسلحة.
ورأى أن العملية العسكرية التي تمت الخميس في منطقة المالحة غرب السودان مكملة لما يحدث في العاصمة الخرطوم، وأن انتصار القوات المشتركة على «الدعم السريع» هو عملية الهدف الأساسي منها إتاحة الفرصة لوصول متحركات القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومين الى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور والتي دخلوها كما خطط لها، للبدء في عملية استرداد ولايات دارفور.
واعتبر تحرير القصر الجمهوري المرحلة النهائية لإنهاء الحرب في وسط السودان، وأنه بالتزامن مع هذه الخطوة ستبدأ المرحلة الأخيرة من عملية استعادة إقليم دارفور وكردفان. في حين قال أحمد سليمان، الباحث لدى مركز «تشاتام هاوس»
رويترز» إن قوات الدعم السريع رغم أنها لا تزال تسيطر على مواقع في الخرطوم، فإن وجودها هناك أصبح أضعف من أي وقت مضى منذ بدء الصراع، إذ يشير مسار الأحداث إلى أن هذه القوات ستُطرد بالكامل.
ورجح أن يواصل الجيش الحرب في الغرب، وهو ما يجعل السودان يواجه «واقعا يتسم بالنزاع والتقسيم».
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.