40.7 C
Khartoum

مستقبل الصحافة وحريتها في الولايات المتحدة على المحك بعد قرارات دونالد ترامب وجيف بيزوس

Published:

أعلن جيف بيزوس الأربعاء الحد من وجهات النظر المسموح بها في قسم الرأي بصحيفة واشنطن بوست. جاء ذلك غداة قرار آخر اتخذه دونالد ترامب يقضي بتقييد دخول وسائل الإعلام إلى البيت الأبيض. قراران يثيران القلق بشأن مستقبل الصحافة وحريتها في الولايات المتحدة.

سلطت سلسلة من القرارات التي صدرت الأربعاء 26 فبراير/شباط 2025 الضوء على التهديدات المتزايدة لحرية الصحافة في الولايات المتحدة.

التهديد الأول جاء من جيف بيزوس، مالك صحيفة واشنطن بوست الشهيرة الذي أعلن تغيير التوجه الفكري لقسم الرأي في الصحيفة، مستبعدا بذلك نشر أي رأي يتعارض مع “الحريات الشخصية” و”الأسواق الحرة”.

أما التهديد الثاني، فلقد جاء من دونالد ترامب نفسه وإدارته التي شددت قبضتها على الإعلام وذلك من خلال الحد من وصول الصحافيين إلى البيت الأبيض واعادة السيطرة عليهم. قراران أثارا القلق في صفوف المدافعين عن حرية الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية.

منعطف إيديولوجي في جريدة واشنطن بوست

هذا، وأحدث إعلان جيف بيزوس ضجة كبيرة في صفوف صحافيي وعمال واشنطن بوست. ففي مذكرة داخلية نشرها لاحقا على منصة إكس، قال الملياردير: “سوف نكتب كل يوم لدعم الحريات الشخصية والأسواق الحرة”، موضحا في الوقت نفسه أن “الآراء التي تخالف هاتين الركيزتين ستنشر في وسائل إعلام أخرى، غير واشنطن بوست”.

ولقد أدى هذا التحول في الخط التحريري للصحيفة الأمريكية إلى مغادرة فورية لرئيس قسم الرأي ديفيد شيبلي.

وأشار هذا الأخير في رسالة إلكترونية بعثها لفريقه إلى أنه قرر الانسحاب “بعد التفكير في أفضل طريقة للمضي قدما في ممارسة هذه المهنة التي أحبها كثيرا”.

فيما أشاد بعمل زملائه واصفا إياهم بـ”فريق من الصحافيين والمعلقين الذي كان التزامهم بالصحافة التحليلية العميقة والمبتكرة والدقيقة ملهما لي يوما بعد يوم”.

من جانبه، انتقد الصحافي جيف شتاين، المسؤول في قسم الاقتصاد في واشنطن بوست، عبر منصة إكس ما وصفه بـ “التدخل السافر لجيف بيزوس في قسم الرأي”، مهددا بالاستقالة إذا تدخل الملياردير في عملية معالجة الأخبار.

هذه المخاوف عبر عنها العديد من الصحافيين في الصحيفة. فهم يرون في هذا التحول “تهديدا لاستقلالية الخط التحريري”.

وأشار بعض المحللين إلى أن هذا القرار يتماشى مع توجه أوسع لعدد كبير من أغنياء العالم ومالكي وسائل الإعلام. فهم يبحثون دائما عن الطريقة التي قد يؤثرون بها في التوجهات التحريرية لحماية مصالحهم الاقتصادية والسياسية.

النتيجة هي أن هذه الظاهرة، التي تمت ملاحظتها في بعض الصحف الكبرى العالمية، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف فكرة تنوع الآراء واختلافها وتعزز من الاستقطاب الإعلامي في الولايات المتحدة.

نحن من يقود الرقصة”

في المقابل، شددت إدارة ترامب القيود على الصحافيين الذين يغطون شؤون البيت الأبيض. فيما أعلنت الإدارة الأمريكية بأنها ستتولى من الآن فصاعدا اختيار الصحافيين الذين سيكون لهم الحق والامتياز في الوصول إلى الرئيس لاستجوابه، كاسرة بذلك تقليدا استمر لعقود كانت تديره حتى الآن جمعية المراسلين في البيت الأبيض.

وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية في مؤتمر صحافي: “على مدار عقود، كانت مجموعة من الصحافيين في واشنطن هي التي تحدد وتختار الزملاء الذين يمكنهم طرح الأسئلة على الرئيس. الحال لم يعد كذلك. في المستقبل، الفريق المكلف بالإعلام في البيت الأبيض هو من سيحدد هوية الصحافيين الذين سيغطون الفعاليات المقامة فيه”. وعبر الرئيس دونالد ترامب عن سعادته بهذا القرار قائلا: “نحن من يقود الرقصة”

وفي بيان مشترك، ردت كل من وكالة رويترز وبلومبرغ وأسوشيتد برس الأربعاء الماضي على القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية قائلة: “من المهم جدا في نظام ديمقراطي أن يتمكن الجمهور من معرفة ما تقول حكومته ويطالع أخبارا تخص هذه الحكومة من خلال صحافة حرة ومستقلة. فأي إجراء يحد من وصول وسائل الإعلام إلى الرئيس يهدد في الحقيقة هذا المبدأ”.

ويعرف دونالد ترامب بعدائه للإعلام. ففي بداية شهر فبراير/شباط 2025، قامت إدارته بمنع وكالة أسوشيتد برس من تغطية فعاليات نظمت في البيت الأبيض، متهمة إياها بنشر “أكاذيب” بسبب رفضها استخدام تعبير “خليج أمريكا” بدلا من “خليج المكسيك”.

ما جعل الرئيس الأمريكي يجدد هجومه على الوكالة بداية هذا الأسبوع واصفا صحافييها بصحافيين من “الدرجة الثانية” و”بالمتطرفين اليساريين”.

منذ حملته الانتخابية، ألمح دونالد ترامب مرار بأنه يعتزم الانتقام من وسائل الإعلام التي اعتبرها معادية له. والدليل أن هذا التهديد تحقق مساء يوم انتخابه رئيسا للبلاد، إذ رفض اعتماد عدة وسائل إعلام، لا سيما تلك التي كانت تنتقده، لتغطية فعاليات فوزه بالانتخابات.

الصحافة المستقلة في خطر

وإلى ذلك، أدان تجمع من الشركات والجمعيات الأمريكية للصحافيين بقيادة جمعية الصحافيين المهنيين الانتهاكات بحق حرية الصحافة وطالب برفع القيود المفروضة على أسوشيتد برس.

وفي مقال نشر الخميس، ذكر التجمع بأن “ممارسة الصحافة بشكل عادل ودقيق ومستقل أمر أساسي للحفاظ على الديمقراطية. بدون ذلك، يزدهر الفساد وتتنامى المعلومات المضللة”.

وأضاف نفس التجمع، الذي حذر من وقوع ما سماه بـ”الانحرافات الاستبدادية”: “عندما يحاول القادة إسكات الصحافيين من خلال الترهيب والتهديدات القانونية وسحب اعتمادهم، فإنهم في الحقيقة لا يحمون البلاد، بل يحمون أنفسهم من الانتقادات المحتملة. هكذا تعمل الأنظمة الاستبدادية من خلال سحق المعارضة واستبدال الحقيقة بالدعاية”.

وحذر بعض الخبراء من وقوع انقسامات في المشهد الإعلامي الأمريكي وأن تعطى الأولوية للمصالح الخاصة على حساب استقلالية قاعات التحرير.

وقال دوغلاس هربرت، الصحافي في فرانس24 والمختص في الشأن الأمريكي: “القضية لا تتعلق بمقارنة الإعلام المحافظ بالإعلام الليبرالي. السؤال الذي يجب طرحه هو: هل الصحافيون أحرار في تحدي السلطة؟”

وأضاف: “إذا كانت الإدارة الأمريكية هي التي تختار الصحافي الذي يمكن أن يطرح الأسئلة، فهذا يعني بأننا لم نعد نمتلك صحافة حرة، بل اعلاما موجها من قبل الدولة”.

واحتلت الولايات المتحدة المركز 55 في نسخة 2024 من تصنيف حرية الصحافة في العالم وفق جمعية مراسلون بلا حدود. فلقد تراجعت بـ10 نقاط مقارنة بعام 2023.


اكتشاف المزيد من اليراع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مواضيع مرتبطة

مواضيع حديثة