لندن- نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده مارك تاونسند قال فيه إن هناك أدلة تم الكشف عنها وتظهر مركز تعذيب ومقبرة جماعية خارج العاصمة السودانية، الخرطوم. وكان المركز واقعا تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وقال الناجون الذين تم إنقاذهم إنهم تعرضوا للتعذيب والتجويع وموت سجناء كانوا معهم.
ويقدر أن أكثر من 500 شخص تعرضوا للتجويع وماتوا نتيجة للتعذيب، ثم تم دفنهم في مقبرة سرية في شمال الخرطوم، حسب الأدلة التي أطلعت عليها “الغارديان”. وبعد زيارة تمت بعد فترة قصيرة من مغادرة قوات الدعم السريع قام بها الجيش السوداني، عثر على مركز سري تنتشر فيه الأصفاد المعلقة من الأبواب وغرف يبدو أنها استخدمت للتعذيب وأرضية الغرف الملوثة بالدم.
يقدر أن أكثر من 500 شخص تعرضوا للتجويع وماتوا نتيجة للتعذيب، ثم تم دفنهم في مقبرة سرية في شمال الخرطوم
ووصف أشخاص اعتقلوا في المركز التعذيب المستمر الذي مارسه جلادوهم عليهم. ووجد إلى جانب المركز مقبرة فيها 550 قبرا بدون شواهد وبعضها حفرت حديثا ومقابر تحتوي على أعداد من الأشخاص. ويعتبر الموقع أكبر مقبرة مؤقتة يعثر عليها في السودان، أثناء الحرب الأهلية، ولو تم التأكد منها فستكون أسوأ جريمة حرب ترتكب في الحرب السودانية الوحشية.
وقال الأشخاص الذين تم إنقاذهم من المركز في الجزء الجنوبي للقاعدة العسكرية التي تبعد 40 ميلا عن العاصمة إن الكثيرين ماتوا فيها ودفنوا في مقابر قريبة.
ولاحظ الأطباء الذين فحصوا الناجين علامات تعذيب وتوصلوا إلى نتيجة أنهم تعرضوا للتجويع. وسيطرت قوات الدعم السريع على القاعدة الواقعة قرب غاري، والتي استخدمتها كمركز تدريب وتحكم بعد اندلاع القتال مع الجيش السوداني في 15 نيسان/أبريل 2023. وتسببت الحرب بأسوأ مجاعة إنسانية في العالم وقُتل فيها عشرات الألاف وشُرد أكثر من 14 مليون شخص. وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، التي حققت في انتهاكات خلال الحرب السودانية، إن الموقع قد يكون واحدا من “أكبر مشاهد الجرائم التي ترتكب في السودان منذ بداية الحرب”.
ووجد الدكتور هشام شيخ، الذي قام بفحص 135 رجلا عثر عليهم هناك بعد سيطرة القوات السودانية المسلحة على المكان في نهاية كانون الثاني/يناير، أن الأدلة السريربة تظهر تعذيبا وتجويعا مزمنا للمعتقلين. وقال شيخ لـ “الغارديان” إن الرجال وكلهم مدنيون كانوا في حالة من الصدمة عندما تم اكتشافهم ولم يكونوا قادرين على الكلام. وقال: “عندما وصلنا إلى هناك، لم يكونوا قادرين على المشي، وكان علينا حملهم وعليهم علامات خطيرة بسبب الضرب والتعذيب”، وأضاف ” بعضهم كان يعاني من جراح سيئة بسبب التعذيب”. و”قد أصيب بعضهم برصاص في الساق وتعرضوا للضرب بالعصي التي تركت علامات: ندوب مستقيمة من الضرب. وتعرضوا جميعا للتعذيب”، وتعرض أحد الرجال للضرب بشكل متكرر من قبل حراس قوات الدعم السريع لدرجة أنه اتخذ وضعية الجنين لفترة طويلة لحماية نفسه. وقال في بيان لطاقم طبي عسكري سوداني: “ضربوني صباحا وليلا واستهدفوني واعتدت على الجلوس وركبتي مثنيتين لدرجة أنني الآن لا أستطيع فرد ساقي للمشي”.
الرجال الذين تم إنقاذهم من الموقع وكلهم مدنيون كانوا في حالة من الصدمة عندما تم اكتشافهم ولم يكونوا قادرين على الكلام
وتثير النتائج تساؤلات حول مصداقية قوات الدعم السريع، بعد أيام من توقيعها على ميثاق سياسي في كينيا لإنشاء حكومة سودانية موازية في المناطق التي تسيطر عليها. وتؤكد صور الأقمار الاصطناعية للقاعدة أن القبور لم تظهر إلا بعد بدء الحرب وبعد احتلال قوات الدعم السريع للموقع. وتظهر صورة التقطت بعد أسابيع من بدء الحرب عدم وجود أي أثر لتلال الدفن بجانب طريق أحادي المسار في القاعدة. وتكشف صورة أخرى لنفس الموقع، تم التقاطها بعد عام في 25 مايو 2024، عن عدد كبير من التلال الممتدة على مسافة حوالي 200 متر.
وقال النقيب جلال أبكر من الجيش السوداني إنه خدم في قاعدة غاري حتى اندلاع الحرب في عام 2023. وقال إنه لم يكن هناك موقع دفن حينها: “كنت هناك حتى رمضان في ذلك العام [22 أذار/مارس إلى 20 نيسان/أبريل 2023]، ولم تكن هناك مقبرة”. وقال الرقيب محمد أمين، الذي يعمل الآن في غاري: “كل الجثث المدفونة هناك ماتت في القاعدة”. وأضاف شيخ أن الناجين تحدثوا عن وفاة أسرى آخرين. و”قال لي الكثير منهم إن كثيرين ماتوا في الداخل وإن عددا منهم ماتوا بسبب التعذيب”.
تؤكد صور الأقمار الاصطناعية للقاعدة أن القبور لم تظهر إلا بعد بدء الحرب وبعد احتلال قوات الدعم السريع للموقع
وقال ضابط كبير في الجيش السوداني، العقيد بشير تاميل، إن المعتقلين عثر عليهم مقيدين بأيديهم وأرجلهم معا. وأضاف: “كانوا في حالة سيئة للغاية مع علامات على أجسادهم وإصابات”. وقال جان بابتيست غالوبين، من قسم الأزمات والصراع والأسلحة في منظمة “هيومان رايتس ووتش” إنه “من الضروري” أن تعامل السلطات التي تسيطر على القاعدة باعتبارها موقعا محتملا لجرائم الحرب وأن تبذل “جهودا فورية لتأمين وجمع وحماية الأدلة التي قد تكون حاسمة لجهود المساءلة”.
وحتى الآن، يبدو أن الموقع محفوظ بالكامل بدون وصول عام حيث يحمي الجيش السوداني الموقع لحماية الأدلة. ويأمل خبراء المقابر الجماعية الدوليون أن يسمح للمحللين المستقلين بالوصول إلى الموقع. وقد وقعت العديد من الفظائع الأكثر في الصراع بالمنطقة الغربية من دارفور، حيث اتهمت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها بالتطهير العرقي.
وفي وقت سابق من هذا العام، اتهمت الولايات المتحدة المجموعة شبه العسكرية بالإبادة الجماعية. وتحقق المحكمة الجنائية الدولية في الانتهاكات في دارفور. ويتم تسليم أدلة الجرائم ضد الإنسانية التي كشفت عنها صحيفة “الغارديان” إلى المدعي عام المحكمة الجنائية الدولية.
كما اتهم الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادته.
وتعتقد مصادر عسكرية أن قوات الدعم السريع لم تتوقع أبدا العثور على مركز الاحتجاز ومقبرة بالقرب من غاري. وحتى وقت قريب، احتلت المجموعة الكثير من الأراضي في المنطقة لدرجة أنها ربما اعتقدت أن الموقع آمن من الهجوم.
عرض (القدس العربي)
اكتشاف المزيد من اليراع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.