لا تزال مشكلة الأمن بمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية تؤرق بلدان المنطقة والمسؤولين الأمميين، إذ يعتبر عدد ضحايا الإرهاب في منطقة الساحل الأكبر عالميا خلال السنوات الثلاث الماضية.
– مسؤولة أممية: ضحايا الإرهاب في الساحل الأكبر عالميا خلال 3 سنوات
– الاتحاد الإفريقي: أكثر من 3200 هجوم إرهابي و8400 ضحية بالقارة خلال 9 أشهر
– الخبير المغربي محمد الطيار: الحدود الموروثة من الاستعمار من أسباب غياب الأمن
لا تزال مشكلة الأمن بمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية تؤرق بلدان المنطقة والمسؤولين الأمميين، إذ يعتبر عدد ضحايا الإرهاب في منطقة الساحل الأكبر عالميا خلال السنوات الثلاث الماضية.
وفي ظل هذه المؤشرات، أعلنت النيجر ومالي وبوركينافاسو في يناير/ كانون الثاني 2025، استعدادها لنشر قوة مشتركة من 5 آلاف جندي لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وفق وزير الدفاع في النيجر، ساليفو مودي.
ويأتي الإعلان عن هذه القوة في ظل تحذيرات أممية من استفحال الإرهاب بالمنطقة، إذ تبين الأرقام الرسمية أنه على مدى ثلاث سنوات متتالية شكل عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب بالمنطقة أكثر من نصف إجمالي الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم.
الخبير المغربي المتخصص في الشأن العسكري والأمني محمد الطيار، وصف في حديث للأناضول الوضع في المنطقة بـ”المعضلة الأمنية”.
وأوضح الطيار أن الحدود الموروثة من الاستعمار من أسباب غياب الأمن بالمنطقة، بالإضافة إلى “الفشل في بناء الدولة الوطنية”، و”الصراعات الإقليمية والدولية التي تغذي المعضلة الأمنية بالمنطقة”، على حد تعبيره.
ويشير تعبير “منطقة الساحل والصحراء” إلى الكتلة الجغرافية الممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا وتضم تلك المنطقة دولاً مثل السنغال وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد والسودان ونيجيريا.
** مؤشرات مقلقة
نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد قالت إن إفريقيا ظلت مركز الإرهاب العالمي مع كون منطقة الساحل بمثابة نقطة البداية لواحدة من أكثر الأزمات وحشية في العالم.
وأشارت إلى أنه على مدى ثلاث سنوات متتالية، شكل عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب في تلك المنطقة أكثر من نصف إجمالي الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم.
وأضافت المسؤولة الأممية في إحاطة لها بمجلس الأمن في يناير الماضي، أن بوركينا فاسو تتصدر دول العالم في عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب.
وأعلن مركز مكافحة الإرهاب التابع للاتحاد الإفريقي تسجليه أكثر من 3200 هجوم إرهابي و8400 ضحية مدنية بين يناير وسبتمبر/أيلول 2024 بالقارة.
وذكر “الطيار” أن “العمليات التي نفذها تنظيم داعش في غرب إفريقيا هي الأعلى بالمقارنة مع مناطق أخرى، خاصة شمال مالي، فضلا عن كون ضحايا الإرهاب بالمنطقة هو الأعلى دوليا، بحسب إحصاءات رسمية”.
ووصف الوضع الأمني بالمنطقة بـ”المعضلة الأمنية” بسبب عدة عوامل، فضلا عن فشل البعثات الأممية في المنطقة بتحقيق الاستقرار الأمني وفشل التدخل الأجنبي سواء الفرنسي السابق، أو الأمريكي السابق عبر قواعدهما العسكرية في النيجر”.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من النيجر عقب اتفاق بين البلدين أنهى بموجبه اتفاقية تعاون عسكري وقعت عام 2012.
كما تراجع الحضور العسكري الفرنسي في دول الساحل الإفريقي بشكل كبير، حيث انسحبت باريس من بعض الدول وتستعد للخروج من أخرى خلال الأسابيع المقبلة.
وبعد انسحاب فرنسا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو غرب إفريقيا قبل أشهر، جدد رئيس السنغال باسيرو ديوماي فاي، في يناير الماضي، دعوته إلى فرنسا لإغلاق قواعدها العسكرية في بلاده.
** الحدود الموروثة من الاستعمار
وأوضح الطيار أن “هناك عدة عوامل أدت إلى غياب الأمن والاستقرار بدول الساحل والصحراء، خاصة في بوركينا فاسو وتشاد والنيجر ومالي، منها الفشل في بناء الدولة الوطنية بسبب عدم مراعاة المجموعات الإثنية والقبلية أثناء ترسيم الحدود”.
ولفت إلى أن” الحدود الموروثة من الاستعمار من أهم أسباب غياب الأمن بالمنطقة”.
وتابع: “ترسيم هذه الحدود من طرف الاستعمار أدى إلى مأزق أمني كبير جدا، وجعل لهذه الدول حدودا متعددة ومتشابكة مع الكثير من الدول من جيرانها. حيث توجد لكل دولة حدود مشتركة مع حوالي 5-6 دول جارة لها، وأقلها بموريتانيا التي لها 4 حدود مع الجزائر ومالي والمغرب والسنغال”.
وأشار إلى أن” ما خططه المستعمر شكل خطرا على دول المنطقة، خاصة أنه لم يراع المجموعات الإثنية والقبلية، حيث أقدم على تقسيم الإثنية الواحدة على عدة دول، مثل الطوارق الموزعون على 4 دول، وهي الجزائر ومالي والنيجر وليبيا”.
ولفت إلى أن “بعض الدول ليست لها سيطرة كاملة على مجمل ترابها، مثل بوركينا فاسو، حيث لا تسيطر الدولة إلا على 30 بالمئة من أراضيها، أما الباقي فتحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى، وجماعة إرهابية منتمية لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى شبكات الجريمة المنظمة”.
وأضاف أن الصراعات الإقليمية والدولية تغذي المعضلة الأمنية بالمنطقة، خاصة أنها تطل على خليج غينيا، وهي منطقة استراتيجية على المستوى الدولي والطاقي، وتحتوي على العديد من الثروات المعدنية والمائية”.
واعتبر أن الصراع على مناجم الذهب من طرف المجموعات الإرهابية والمسلحة والإجرامية، في عدد من البلدان مثل شمال مالي وتشاد والنيجر من أسباب تفاقم المعضلة الأمنية.
** تدابير عسكرية
الدول المشكلة لـ”كونفدرالية دول الساحل” (النيجر ومالي وبوركينافاسو) أعلنت في 22 يناير الماضي، استعدادها لنشر قوة مشتركة من 5 آلاف عسكري لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وفق وزير الدفاع في النيجر ساليفو مودي.
وأضاف مودي أن هذه القوة ستكون مزودة بقدرات جوية ومعدات، وستعمل في أنحاء الدول الثلاث، موضحاً أن بعض العمليات المشتركة قد جرت بالفعل.
إلا أن الخبير المغربي قلل من أهمية هذه القوة العسكرية في الحد من مؤشرات الجريمة والإرهاب.
وقال: “لا تستطيع هذه القوة الحد من الجريمة المنظمة لكونها أصبحت بنيوية، ويستفيد منها المهربون وزعماء التنظيمات المسلحة ذات المطالب السياسية أو الإرهابية، فضلا عن استفادة بعض المسؤولين أيضا”، على حد تعبيره.
وأوضح أن حشد القوة من الناحية الواقعية صعب جدا، وأن هذا العدد يتطلب مصادر تمويل وتجهيز، ويحتاج انخراط المجتمع الدولي في التمويل والتجهيز.
وفي 17 سبتمبر 2023 وقعت الدول الثلاث “ميثاق ليبتاكو ـ غورما”، المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاث، ويهدف إلى إنشاء “هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة”.
وفي يناير 2024، أعلنت الدول الثلاث – تضم نحو 72 مليون نسمة – انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، ودخل القرار حيز التنفيذ في 29 يناير 2025.
وأرجعت انسحابها إلى “الافتقار إلى الدعم الملموس من إيكواس في الحرب ضد الإرهاب” وفرض عقوبات على الحكام العسكريين في مالي.
وفي يوليو 2024، أعلنت الدول الثلاث “كونفدرالية دول الساحل”، بهدف التنسيق العسكري والسياسي والاقتصادي، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قررت توحيد وثائق السفر والهوية في منطقتها المشتركة لضمان حرية تنقل مواطنيها وبضائعهم.
وشدد الخبير المغربي على ضرورة إيجاد حل لمشكلة الحدود، خاصة أن الكثير من المجموعات الإثنية والقبلية لا تعترف بالحدود، وبعض القبائل تزعم أحقيتها بأراضي دول أخرى مجاورة، ولا تعترف بالانتماء إلى الدولة الوطنية.