تحت عنوان: في السودان.. الأطماع الإقليمية في قلب الحرب، قالت صحيفة “ليمانيتي” الفرنسية إنه منذ عام 2023، وقع السودانيون ضحايا لحرب أهلية جديدة وسط اشتباكات بين جيشيْ الفريق أول عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو، والتي تسببت في سقوط آلاف الضحايا المدنيين وأحد عشر مليون نازح.
الصحيفة الفرنسية أوضحت أن هذه الحرب تغذيها القضايا الاقتصادية والاستراتيجية للقوى الإقليمية: الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران.. ففي وقت سابق من هذا الشهر، تم اكتشاف أكثر من 300 مرتزق كولومبي جاءوا لتعزيز قوات الدعم السريع (FSR) وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة La Silla Vacía. وهو وجود أجنبي جديد يغذي الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، واللذين لا يرحمان المدنيين ضحايا التفجيرات والإعدامات خارج نطاق القانون والعنف الجنسي والمجاعة.
بدأت الأحداث في 15 أبريل 2023، بعد عامين من التعاون في أعقاب الانقلاب ضد عمر البشير والإطاحة بحكومة مشتركة مع المدنيين
بدأت الأحداث في 15 أبريل 2023، بعد عامين من التعاون في أعقاب الانقلاب ضد عمر البشير والإطاحة بحكومة مشتركة مع المدنيين. ويسعى الجنرالان إلى السلطة، يغذيهما الاتجار الدولي بالأسلحة. ويوضح المتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني، فتحي الفضل، أن “الأمر لم يعد حرباً محلية، بل حرب بالوكالة بين قوى مختلفة”.
ويبلغ عدد الدول المشاركة في توريد الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة الآن العشرات. وهذا ما كشفت عنه منظمة العفو الدولية هذا الصيف، حيث تتبعت وجود أسلحة قادمة من الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة واليمن. ويضاف إلى هذا الدعم شحنات الأسلحة المصرية والإيرانية وحتى الأوكرانية، فضلاً عن وجود جنود أجانب، بينهم كولومبيون، توضح “ليمانيتي”.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن تييري فيركولون، الباحث في مركز IFRI في أفريقيا، قوله: “لكل معسكر شبكات إمداد خاصة به. تمارس الدول الموردة، بما في ذلك إيران والإمارات ومصر وروسيا، نفوذها في المنطقة، مدفوعة بالوضع الجيوسياسي للسودان”. فهذا البلد (السودان)، الذي تحدّه سبع دول أفريقية وله خط ساحلي طويل على البحر الأحمر، يتمتّع بأهمية استراتيجية للغاية، بما في ذلك الطريق المؤدي إلى قناة السويس. ويُعدّ “في مركز الاهتمام” بسبب موقعه وثرواته المعدنية، ومناجم اليورانيوم والذهب، وموارد النيل الأزرق والأبيض، توضّح “ليمانيتي”.
مساعدات موثقة من الإمارات وإيران
تتغذى الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع على المساعدات الخارجية التي “تطيل أمد الحرب، دون السماح بالنصر”، كما يقول كليمان ديشايس، الباحث في الأنثروبولوجيا. وتكشف هذه التدخلات عن مصالح مميزة.. إذ تستفيد قوات الدعم السريع من الدعم الإماراتي، من خلال عمليات تسليم الأسلحة المضادة للطائرات والمدفعية الخفيفة والدبابات إلى مناطق القتال.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن الناشط السوداني عصام عثمان، قوله: “الدافع الاقتصادي هو السيطرة على مناجم الذهب في جبل عامر بشمال دارفور واحتياطيات النفط التي تمد الدوائر المالية للمقربين من السلطة في الإمارات”.
هذا التحالف يرتكز على روابط الولاء بين الضباط الإماراتيين والسعوديين، والتي تشكلت خلال الحرب في اليمن، وعززتها معارضتهم لجماعة الإخوان المسلمين. وتراهن دولة الإمارات العربية المتحدة على انتصار قوات الدعم السريع على الجيش السوداني المتهم بصلاته بالإخوان المسلمين، وفق “ليمانيتي”.
تراهن دولة الإمارات العربية المتحدة على انتصار قوات الدعم السريع على الجيش السوداني المتهم بصلاته بالإخوان المسلمين
كما يقدم الجنرال خليفة حفتر، سيد برقة (شرق ليبيا) من بنغازي، دعمًا محسوبًا لقوات الدعم السريع من خلال توصيل الوقود، وتزويد أحد طرق نقل الأسلحة الرئيسية من الإمارات، تتابع الصّحيفة الفرنسية، مُضيفةً أن مطار أمدجراس، على الحدود التشادية، يُعدّ نقطة استراتيجية أخرى لهذه العمليات. وقد اتهم الجنرال عبد الفتاح البرهان تشاد بأنها بمثابة منطقة عبور للأسلحة الإماراتية، التي منحت نجامينا قرضا بقيمة 500 مليون دولار قبل شهرين فقط.
في المقابل – تتابع“ليمانيتي”- كشف تقرير صادر عن مرصد الصراع منذ شهرين عن زيادة كبيرة في الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والمدفعية، المستخدمة على الأرض. ويعود هذا التحالف، الذي أعاد البرهان تنشيطه، إلى عهد نظام عمر البشير، الذي تم قطعه في عام 2016 تحت ضغط إماراتي وسعودي.
الحليف الرئيسي الآخر للقوات المسلحة السودانية هو من الجارة مصر، التي اتهمها الجنرال حميدتي بتنفيذ غارات جوية ضد قواته، تضيف “ليمانيتي”، موضّحة أن القاهرة تُقدّم، رغم دعوتها لإجراء محادثات، دعما ماديا وتنشر جنودا لتأمين مواقع النفط والموارد التي تعتمد عليها جزئيا، بينما تسعى لإنهاء الصراع بشأن أزمة اللاجئين السودانيين.
تدعم القوى الخارجية المتحاربين وفق مصالحها، وبعيدة عن كل الاعتبارات الأيديولوجية، تقول “ليمانيتي”، موضّحة أن روسيا تجسد هذه الانتهازية، حيث تعمل على تعديل تحالفاتها وفقاً لاحتياجاتها، مع استئناف المفاوضات بشأن إنشاء مركز بحري في بورتسودان، عاصمة الجيش الآن. في البداية، كانت روسيا مؤيدة لقوات الدعم السريع، وكانت أوكرانيا تقف إلى جانب الحكومة، لكن الديناميكيات انعكست: تدعم موسكو الآن معسكر البرهان، كما يؤكد الباحث إيغور ديلانوي.
ويتجلى “عمل التوازن” هذا من خلال المعلومات الاستخبارية وتسليم الأسلحة الصغيرة والذخيرة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني، منعت روسيا صدور قرار للأمم المتحدة، الأمر الذي “هدد سيادة السودان”، وذلك لكسب ود الحكومة السودانية. في الوقت نفسه، تدعم قوات فاغنر بنشاط قوات الدعم السريع منذ بداية الصراع، مدفوعة بالرغبة في استغلال الموارد المعدنية.
الولايات المتحدة لاعب دبلوماسي آخر
ومضت “ليمانيتي” قائلة إن واشنطن تلعب هي الأخرى بورقتها السياسية والاقتصادية، بدافع من الحرب ضد الإرهاب – بعد إزالة السودان من القائمة السوداء للعقوبات في عهد دونالد ترامب – والحفاظ على بورتسودان من الطموحات الروسية والتركية، فضلاً عن التقارب مع إسرائيل.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن نقطة التحول هذه، التي بدأها اجتماع بين البرهان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أربع سنوات، تهدف إلى تطبيع العلاقات بينهما، على الرغم من ضعفها بسبب أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وتضامن السودانيين مع الفلسطينيين. وبشكل غير رسمي، ستقوم إسرائيل بتمويل كلا المعسكرين، ومواءمة سياستها مع سياسة حليفتها الأمريكية، والحرص على الحفاظ على نفوذها.
وتابعت الصحيفة الفرنسية التوضيح أن أخذ المعايير الجيوسياسية في الاعتبار يسمح بالابتعاد عن القراءة التبسيطية للصراع الدائر في السودان، أي الصدام بين جنرالين طموحين. فقنوات الدعم والإمداد “تطيل أمد الحرب” وتسمح بظهور الجماعات والميليشيات التي تستمر في النمو في البلاد، ويغذيها تهريب الأسلحة.