الحناء في موريتانيا: زينة وإبراز للجمال وعلاج وعنصر في التراث الشعبي

نواكشوط : تمسكا منها بالتراث الشعبي، تمكنت موريتانيا بالتعاون مع دول عربية أخرى من تسجيل عنصر الحناء بصفته طقسا عريقا من طقوس الممارسات الجمالية والاجتماعية، ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
وجرى ذلك قبل أيام قليلة، خلال الدورة التاسعة عشرة للجنة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، التي انعقدت بمدينة أسنسيون، عاصمة باراغواي.
وشكل هذا التسجيل حدثا كبيرا، وإنجازا خلد الحناء ضمن السفر الثقافي الإنساني، كما أثار ارتياحا واسعا بين نساء موريتانيا اللائي تشكل الحناء بالنسبة لهن جزءا هاما من حياتهن قبل الزواج وبعده.
وإضافة لذلك، سلط هذا التسجيل الضوء على أهمية الحناء كعنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمع الموريتاني، ويشكل رمزًا للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية.
وظلت الحناء، منذ القدم، من أبرز عناصر الزينة التي تعكس هوية المرأة الموريتانية في المجتمعات التقليدية، حيث تحمل بين طياتها دلالات جمالية وثقافية واجتماعية؛ فالحناء ليست مجرد وسيلة للتجميل، بل تُعبّر عن تقاليد متجذرة وعادات متوارثة تُظهر ارتباط المرأة الموريتانية بطبيعتها وهويتها.
وتُستخدم الحناء لتزيين اليدين والقدمين بنقوش تتراوح بين البساطة والتعقيد، وهي في مجملها تعكس ذوق المرأة ومهارتها أو مهارة النساء اللواتي يقمن برسمها.
وتتميز نقوش الحناء الموريتانية بالبساطة والتناسق، مستوحاة من البيئة المحيطة كالنخيل والرمال وأشكال الحيوانات.
ولا يقتصر دور الحناء على الزينة فقط، بل تمتلك دلالات اجتماعية واضحة. ففي حفلات الزفاف والاحتفالات التقليدية، تُعتبر الحناء جزءًا أساسيًا من طقوس التجهيز للعروس، حيث تُقام جلسات خاصة تُعرف بـ”يوم الحناء”.
وفي الحياة اليومية، تُعبر الحناء عن البساطة والارتباط بالطبيعة، إذ تُحضّر المرأة الموريتانية الحناء يدويًا باستخدام أوراق الحناء المجففة المطحونة والمخلوطة بالماء، وأحيانًا تُضاف إليها مواد طبيعية كالليمون لتثبيت اللون.
ومع التطور الاجتماعي والثقافي، شهدت الحناء تغييرات في استخدامها ونقوشها. بينما ظلت الحناء التقليدية الموريتانية محتفظة بمكانتها في المناسبات الخاصة، فيما أصبحت النقوش العصرية والمبتكرة أكثر رواجًا لدى الأجيال الجديدة؛ ومع ذلك، ما زالت الحناء تشكل رابطًا عاطفيًا وثقافيًا بين المرأة الموريتانية وتراثها.
كما تُستخدم الحناء في المناسبات السعيدة للتعبير عن الفرح والبهجة، مما يجعلها رمزًا مشتركًا بين أفراد المجتمع.
وتفرض عادات الزواج الموريتانية على العريس أن يمول جلسة حناء عروسه قبل ليلة الدخول، فيغدق المال على المتخصصات في رسوم الحناء أثناء قيامهن بوضع خطوط الحناء على يد زوجته.
وتفرض التقاليد الموريتانية على قريبات كل من العروس والعريس تزيين أيديهن وأقدامهن بالحناء.
ولا تقتصر استخدامات الحناء على مناسبة الزواج، ففي موريتانيا نقش الأيدي بالحناء يعتبر واجبا في عيد الفطر وعيد الأضحى.
والمرأة التي لا تضع الحناء على يديها وقدميها في المناسبات الدينية تعتبر شاذة وغير حريصة على التحبب لزوجها.
والغريب أن نساء الصناع التقليديين في موريتانيا والمعروفات محليا بـ “الحنايات” هن وحدهن المختصات في وضع الحناء ورسم الأشكال على أيدي وأقدام النساء، وأصبح للحنايات صالوناتهن الخاصة التي ترتادها النساء.
وبدلا من استخدام الأنبوب لوضع الرسوم على اليد، كما هو شائع في السودان ودول أفريقية أخرى، تستخدم الحنايات الموريتانيات اسكوتش اللاصق، فيحفرن فيه بشفرات حادة أشكالا مختلفة ثم يلصقنه على يد الزبونة ويضعن طبقة رقيقة من الحناء على اليد حتى إذا نضجت وانعكس لونها، قمن بنزع اللاصق لتبقى الرسوم ثابتة ومستقيمة على اليد.
وللحناء أسعارها التي تحددها الصانعات التقليدية كل واحدة حسب قدراتها الفنية وحسب سرعتها.. وتتراوح أسعار خدمة الحناء ما بين 100 و300 دولار.
وترتفع هذه الأسعار أيام الأعياد وخلال مناسبات الزواج لحدود غالية تصل إلى 500 دولار.
وإضافةً إلى دورها الجمالي، تُعتبر الحناء مفيدة للصحة، فهي تُستخدم كمادة مهدئة ومطهرة للبشرة، وتُعرف بقدرتها على ترطيب اليدين وحمايتهما من التشقق والجفاف، وهو أمر بالغ الأهمية للمرأة الموريتانية التي تتعرض لظروف مناخية قاسية.
والحناء ليست مجرد وسيلة للزينة، بل هي عنصر فعّال في العناية بالبشرة بفضل خصائصها المضادة للبكتيريا والفطريات والمضادة للالتهابات، إذ تستخدم الحناء بشكل تقليدي لتهدئة البشرة، كما يُقال إن لها دوراً فعالاً في علاج الالتهابات الجلدية، وتخفيف التورمات والكدمات.

 

القدس العربي

Share this post