الخرطوم – «القدس العربي» : أعلن وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، أمس الأحد، إلغاء مذكرة التفاهم مع دولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن إنشاء أبو ظبي ميناء “أبوعمامة” على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، بعد عامين من توقيعه في أبو ظبي.
اتهامات للإمارات
وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بإشعال الحرب المندلعة في السودان منذ منتصف أبريل/ نيسان من العام الماضي، عبر تقديم الدعم المالي والعسكري لقوات “الدعم السريع” التي يتزعمها محمد حمدان دقلو “حميدتي” والتي تقاتل الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور وضمن محاور أخرى. وقال إبراهيم، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الإدارية في بورتسودان، إن “السودان بعد الذي فعلته دولة الإمارات لن يمنحها سنتمترا واحدا من أراضيه”، مؤكدا “إلغاء مذكرة التفاهم بشأن إنشاء الميناء الإماراتي على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر”.
وفي أغسطس/ آب 2022 وقعت السلطات السودانية مذكرة تفاهم مع دولة الإمارات العربية، بخصوص إنشاء مشروع زراعي يربطه طريق بري مع ميناء جديد على سواحل البحر الأحمر، شرقي السودان.
وأثارت قضية الميناء الإماراتي حينها ردود أفعال غاضبة حيث اتهمت مكونات في المجلس الأعلى لنظارات البجا، وهي تحالف عشائري في شرق السودان، السلطات السودانية، بـ”التآمر” على الموانئ الوطنية بغرض إنشاء موانئ إماراتية بديلة لها، وسط دعوات للتصعيد والمطالبة بحق تقرير مصير شرق السودان.
وجاء اتفاق ميناء أبو “عمامة” بعد عامين من تسريبات تحدثت عن صفقة سرية لبيع ميناء بورتسودان بين “حميدتي” الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وحكومة أبو ظبي.
ونفت الحكومة الانتقالية السودانية، وقتها هذه المعلومات. وأكد رئيسها آنذاك، عبد الله حمدوك، أن الحكومة لا تقرر في مثل هذا الشأن الإستراتيجي إلا بالرجوع للشعب وأصحاب المصلحة.
وكان “حميدتي” قد زار في 8 فبراير/ شباط 2021 دولة الإمارات، وبعدها بنحو أسبوعين توجه إلى روسيا، فيما تحدث مراقبون عن مناقشة الزيارتين ترتيبات لإنشاء منشآت تابعة لموسكو وأبو ظبي على سواحل البحر الأحمر
وتسعى روسيا إلى إنشاء قاعدة بحرية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، ووقعت مع الرئيس السابق عمر البشير اتفاقا مبدئيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وخلال الأشهر الماضية تجددت النقاشات في هذا الخصوص بين الحكومة السودانية وموسكو.
وبعد عودته من روسيا بأيام، توجه “حميدتي”، إلى شرق السودان، حيث زار الموانئ وعقد مجموعة من اللقاءات مع القادة العشائريين هناك، ناقش خلالها تقسيم الحدود بين القبائل في شرق السودان. وأثارت قضية تحديد الحدود نزاعات وأعمال عنف بين القبائل شرق البلاد حول اقتسام الموارد والثروات هناك، بما فيها المنافذ البحرية.
وفي فبراير/ شباط 2019، نفذ العمال في ميناء بورتسودان الرئيسي، إضرابا عن العمل، احتجاجا على توقيع الحكومة السودانية اتفاقا مع شركة فلبينية تعمل في الإمارات، على إدارة وتشغيل مرفأ الحاويات الجنوبي لعشرين عاماً. وأبدى العمال وقتها، تخوفهم من سيطرة شركة موانئ دبي على الموانئ السودانية.
وكان موقع “المونيتور” الأمريكي، قد كشف في يناير/ كانون الأول 2020، عن ضغوط تقوم بها أبو ظبي، على واشنطن، لدعم تحركات شركة موانئ دبي، للسيطرة على الموانئ السودانية عبر شركة “ديكنز آند ماديسون” الأمريكية.
وأشار إلى أن الشركة التي يرأس مجلس إدارتها ضابط مخابرات إسرائيلي سابق يدعى آري بن ميناشي تفاوضت نيابة عن شركة موانئ دبي مع مسؤولين وقادة عشائريين في السودان، لتسهيل الاتفاق الذي يمكن الشركة الإماراتية من إدارة محطة حاويات الميناء الجنوبي في بورتسودان.
وقبل اندلاع الحرب السودانية بأقل من شهرين، أعلنت المكونات الأهلية والقوى السياسية في شرق السودان، في التوصيات الختامية للورشة الخاصة بشرق السودان، التعامل مع قضايا إنشاء الموانئ وتعاقدات إقامة القواعد العسكرية على سواحل البحر الأحمر، باعتبارها قضايا سيادة تمس الأمن والاقتصاد القومي، وتتطلب بحثها والموافقة عليها من قبل الهيئات التشريعية الولائية والقومية قبل الشروع في تنفيذها.
وشهدت الورشة مواقف رافضة للخطوات التي قامت بها السلطات السودانية، بالتعاقد مع دولة الإمارات لإنشاء ميناء في منطقة أبو عمامة المطلة على البحر الأحمر.
وكذلك أبدى المشاركون قلقهم من بناء قاعدة عسكرية روسية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، مؤكدين على ضرورة أن يتم البت في أي مشروعات ذات صلة بالأمن القومي عبر الأجهزة التشريعية وفي ظل حكومة مدنية ديمقراطية. ويبلغ طول السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر 780 كلم، حيث تضم عدة موانئ، تنشط في مجالات البضائع العامة والحاويات والحبوب ونقل المواشي، أبرزها ميناء بورتسودان الرئيسي -الميناء القومي- والذي يتكون من عدة موانئ فرعية، أكبرها الميناء الجنوبي المخصص للحاويات، بالإضافة إلى الميناء الأخضر المخصص لاستقبال بواخر البضائع، وميناء عثمان دقنة المتخصص في خدمة الركاب والبضائع المتجهة غالبا إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية.
شكوى
وفي أبريل/ نيسان الماضي قدمت الحكومة السودانية شكوى رسمية في مجلس الأمن الدولي في مواجهة دولة الإمارات، متهمة إياها بالعدوان والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد
وطالبت المجلس باتخاذ الإجراءات الكفيلة بانصياع دولة الإمارات إلى القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية من أجل “كف عدوانها” عن السودان وشعبه.
وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بالعدوان على سيادة البلاد ودعم قوات الدعم السريع في الحرب المندلعة في البلاد منذ منتصف أبريل/ نيسان من العام قبل الماضي.
وقالت إن أبو ظبي “تحاول استخدام الدعاية الإعلامية وأنها تبث تقارير عبر منصاتها للتغطية على المعلومات المفصلة والأدلة الدامغة على الدور الرئيسي لدولة الإمارات العربية في الحرب المفروضة على السودان”.
وحذرت من أن استهداف الدولة السودانية، ووحدتها عبر ما اعتبرته “عدوانا من دولة الإمارات” يعني إشاعة الفوضى والاضطراب وتمدد الإرهاب الدولي، محملة إياها مسؤولية تداعيات دعم قوات الدعم السريع.
كما تتهم الحكومة السودانية الإمارات باستخدام عشرات الآلاف من المرتزقة من عدة دول لإمداد قوات “الدعم السريع”، مضيفة: “إنها ترعى ميليشيا إرهابية تستوفي كل مقتضيات ذلك التصنيف” .
وتشمل هذه الرعاية حسب وزارة الخارجية السودانية: “التمويل والتسليح وجلب المرتزقة وتوفير خدمات الدعاية الحربية، بالإضافة إلى شراء الولاء السياسي”.
وقالت إن “ممارسات الميليشيا التي ترعاها أبوظبي أسوأ من الذي عرف عن تنظيمات داعش وبوكو حرام وجيش الرب”، متهمة إياها بـ”اختطاف واسترقاق النساء والفتيات لتزويجهن قسراً أو استعبادهن جنسياً فضلا عن العمالة المنزلية”.
واتهمتها كذلك بتجنيد الأطفال والقاصرين قسراً، مشيرة إلى تسليم الحكومة السودانية اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطفالا أسروا وهم يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع.