اشتعل الجدل عنيفا، من جديد، حول عمليات هدم المقابر التراثية في العاصمة المصرية القاهرة، لتعود القضية التي بدأت قبل أعوام إلى دائرة الضوء، بسبب تعرض مقابر الإمام الشافعي الأثرية للهدم هذه المرة.
انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي المصرية صور المقابر الأثرية وهي تتعرض لعمليات الهدم، وخصوصا صورة هدم مدفن وقبة “نام شاز قادين” مستولدة محمد علي باشا، أي التي أنجبت منه ولداً، وهو محمد حليم باشا، الابن الثاني لمحمد علي، ووريث عرشه قبل أن يتغير نظام الميراث.
مقابر الإمام الشافعي تضم رفات المئات من الشخصيات التي تعتبر رموزا في تاريخ مصر، وخصوصا أسرة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة
وقدم العديد من المختصين شروحات، على شبكات التواصل الاجتماعي وفي بعض القنوات التلفزيونية تتعلق بالقيمة الفنية الكبيرة لما وصفوه بتحف معمارية تتضمن نقوشا نادرة، يصعب العثور عليها في مواقع أخرى.
وأمام موجة الانتقادات والغضب هذه، اضطر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي للتدخل شخصيا، حيث أعلن، يوم الأربعاء، أنه أصدر التعليمات بالتوقف الفوري عن هدم مقابر الإمام الشافعي، مؤكدا على احترام الدولة للمباني ذات القيمة التاريخية.
وبرر مصطفى عمليات الهدم التي كانت قد بدأت بالحديث عن وقوع “مشكلة”، مؤكدا أن الأمر لن يتكرر مرة أخرى خلال الفترة المقبلة.
عمليات هدم متواصلة منذ سنوات
وكانت محافظة القاهرة قد أعلنت، قبل ثلاث سنوات، عزمها على إزالة نحو 2700 مقبرة في هذه المنطقة، وتم بالفعل هدم العشرات من هذه المقابر، في إطار خطة لتوسيع شبكة الطرق التي تربط بين وسط القاهرة ومصر القديمة والأحياء الجديدة في شرق العاصمة المصرية، كما يشمل المشروع إنشاء طرق وجسور جديدة.
منطقة مقابر الإمام الشافعي
تشمل المنطقة مواقع مسجلة كمواقع تراث عالمي منذ عام 1979 وفقا لتصنيف اليونسكو، وأثارت عمليات الهدم، التي بدأت رسميا في 2019 بقرار توسعة طرق رئيسية، جدلا واسعا، فقد تم هدم مقابر تعود لرموز تاريخية بارزة، من بينهم محمود سامي البارودي، أحد قادة الثورة العرابية، وكذلك قبة “نام شاز قادين”، إحدى جواري محمد علي. أُنشئت هذه القبة على يد الأمير محمد عبد الحليم، ابن محمد علي، ويزيد عمرها عن 160 عاما، ورغم قيمتها، لم تُصنف كأثر نظرا للإهمال في تصنيف بعض المعالم التي تحمل طرازا معماريا مميزا.
قانون الـ 100 عام المثير للجدل
تستند مشاريع التوسع إلى القانون رقم 117 لسنة 1983 لحماية الآثار، الذي يمنح وزير الآثار سلطة حماية المباني التي تتجاوز 100 عام أو تلك التي تحمل طرازا معماريا فريدا أو لها أهمية تاريخية، حتى وإن لم تبلغ المدة المحددة. ومع ذلك، يُجادل بعض المسؤولين بأن المباني التي لم تكمل 100 عام لا تُعد آثارا، مما يسهل هدمها، بينما يعتبر الخبراء هذا الحديث تبريرا غير كاف، إذ يؤكدون أن المنطقة يجب أن تُعامل كمتحف مفتوح، فكل قبة وشاهد قبر تعكس طرزا معمارية يصعب تكرارها، وهو ما يعكس تاريخ القاهرة الحضري والثقافي.
ويطالب بعض البرلمانيين بنقل الأضرحة بدلا من تدميرها، ولكن بعض الباحثين في التراث يرون أن خطوة من هذا القبيل، قد تسلب المعالم من سياقها التاريخي، فـهي ليست مجرد مقابر بل تمثل نسيجا عمرانيا يجمع بين الشوارع والبيوت والعادات الشعبية، فضلا عن أنها مصدر فريد للمعلومات غير المسجلة في كتب التاريخ. “التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الأخبار، وفي باطنه نظر وتحقيق”، ما يشدد على أهمية الحفاظ على هذه المواقع كمصادر غنية للمعرفة التاريخية العميقة.
منتقدو المشروع يرون أن هذا التوسع على حساب التراث التاريخي يعكس ضغطا غير مبرر على التراث، في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اقتصادية، تجعل من الصعب تخصيص التمويل اللازم للحفاظ على هذه المواقع أو تنفيذ مشروع نقل الأضرحة.
وبالإضافة إلى الضغوط المالية، تشير بعض الدراسات إلى أن الهدم يتم بتوجيهات دون الرجوع إلى توصيات خبراء التخطيط العمراني، مما زاد من حدة الانتقادات لغياب حوار مجتمعي حقيقي حول المشروع، واعتُبر ذلك افتقارا للشفافية ومساسا بالقيم التراثية.