طالت هجمات قوات “الدعم السريع”، خلال الأيام العشرة الماضية، 6 مدن و120 قرية في ولاية الجزيرة، وسط السودان، وسط موجة عنف مروعة أدت إلى مقتل المئات ونزوح الآلاف سيرا على الأقدام.
وقالت لجان المقاومة في ولاية الجزيرة، في بيان مشترك أمس الجمعة إن عدد ضحايا هجوم قوات الدعم السريع على قرية واحدة في يوم واحد بلغ 409 قتلى، فيما لا تزال عمليات الرصد للضحايا في مجمل القرى جارية.
وتوقعت أن يكون عدد المدن والقرى التي طالتها موجة العنف أكثر من ذلك بكثير، مشيرة إلى أن انعدام الأمن وتردي شبكات الاتصال في نطاق واسع من الولاية حال دون الوصول إلى أرقام دقيقة بالخصوص.
وقالت إنها لم تتمكن من التواصل مع عشرات القرى الأخرى التي تم اقتحامها بسبب فرض قوات الدعم السريع حظر تجوال داخل المدن الكبرى والقرى وسحب كافة أجهزة الإنترنت و”استخدام آلة البطش” ضد أهالي الولاية.
واتهمت القوات التي يتزعمها محمد حمدان دقلو “حميدتي” بممارسة كافة أنواع الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية في مواجهة المواطنين العُزل، مشيرة إلى عمليات قتل شملت العزل، من رجال مسنين ونساء وأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن جرائم الاغتصاب والنهب المسلح والاختطاف وطلب الفدية.
وتضمنت الانتهاكات، كذلك، اقتحام المرافق الصحية والأسواق، والضرب المبرح للنساء والأطفال وكبار السن، والاحتجاز القسري والاعتقال التعسفي، والتصفية على أساس عرقي وإثني، ووصلت إلى التمثيل بالجثث وعدم السماح بدفنها.
واتهمت اللجان قوات الدعم السريع بـ “الإرهاب”، معتبرة إياها ميليشيا مدعومة إقليميا ودوليا تستهدف المدنيين العزل وسط غياب الجيش.
وعزت الحملات التي وصفتها بـ “الانتقامية” و”الإبادة الجماعية” التي تقودها قوات الدعم إلى إعلان الجيش استسلام قائد قوات “الدعم السريع” أبوعاقلة كيكل و”تقديمه كأنه بطل قومي”.
تغييرات عديدة
وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال الجيش السوداني أن كيكل ومجموعة كبيرة من قواته، استسلمت وانحازت إلى صفوف القوات المسلحة السودانية، فيما أعلن رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، العفو عن كل “متمرد” يبلغ في أقرب نقطة عسكرية في جميع أنحاء البلاد.
وقاد كيكل قوات “الدعم السريع” التي استحوذت على ولاية الجزيرة وسط السودان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الأمر الذي أحدث تغيرات عديدة في مجرى العمليات العسكرية، التي كانت إلى ذلك الوقت محصورة في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور غرب السودان.
وبالتزامن مع استسلام قوات كيكل شنت قوات “الدعم” هجمات عنيفة تركزت في المحليات الشرقية، كما امتدت إلى بعض المناطق شمال وغرب الولاية.
وذكرت لجان المقاومة في الولاية أن أهالي الجزيرة تُركوا، بعد استسلام كيكل وانسحاب الجيش، بين يدي “الدعم السريع” حيث بدأت حملاتها الانتقامية وأصبحت تتوالى المجازر في كل قرى ومدن شرق الجزيرة وتهجير إنسانها قسرياً من أرضه نحو المجهول.
ووفق اللجان، قرى شرق الجزيرة رغم الترسانة العسكرية الضخمة التي تمتلكها قوات “الدعم السريع”، سطرت “ملحمة بطولية في الدفاع عن الارض والعرض”، مشيرة إلى أن الهجمات والانتهاكات طالت أكثر من 120 قرية وخلفت مئات القتلى والمصابين وعشرات الآلاف من النازحين إلى المجهول.
حرب ضد المواطنين
وأشارت إلى أن “تلك الحملات الانتقامية والإبادة الجماعية امتدت إلى بقية محليات ولاية الجزيرة وشملت محليات الكاملين والحصاحيصا”، مؤكدة أن “الأهالي يقفون بصدور عارية أمام الترسانة العسكرية لقوات الدعم السريع المدعومة دولياً وإقليمياً”.
واعتبرت الحرب المندلعة منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي، حربا ضد المواطنين الذين دفعوا كلفتها من أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم، متهمة من اسمتهم “تجار الحروب وأصحاب المصلحة” – لم تسمهم- يدفعون من أجل استمرار “الموت المجاني والانتهاكات بمختلف أشكالها” ويستمرون بإشعال فتيل الحرب وتأجيج نيرانها بدون تقديم حلول واقعية وعملية.
وفي رسالة إلى قادة المؤسسة العسكرية، قالت إن ذاكرة إنسان الجزيرة فاضت بالخذلان إبتداءً بانسحاب الجيش من الولاية وترك مواطنها يواجه الموت وحيداً دون محاولة تخليصه من ذلك المصير”، مضيفة: “يئسنا من الوعود الزائفة والتطمينات غير الواقعية”.
وتابعت: “لن نغفر أن أياديكم صافحت من تلطخت يده بدماء أبناء الجزيرة وعاثت فيها فساداً وقتلاً وتنكيلاً وتهجيراً طيلة الـ 10 أشهر السابقة، المدعو أبو عاقلة كيكل”، وطالبت، بمحاسبته وإعدامه.
وفي رسالة إلى قوات “الدعم السريع” قالت لجان المقاومة: “إن ما أوهمكم به أرباب نعمتكم الإماراتيون دليل على ضيق أفقكم وجهلكم التام بالتاريخ”، مشيرة إلى أن ولاية الجزيرة تجسد معاني التعايش السلمي بين مختلف المكونات القبلية السودانية.
وأضافت: “إن ما تقومون به حالياً من أفعال بحق إنسان الجزيرة يسرع من نهايتكم، وإن ما تحاولون تحقيقه بتحويل الصراع الى صراع قبلي لن ينجح فأنتم بالنسبة لنا لستم غير ميليشيا مرتزقة تعيش على النهب والارتزاق وتهدد النسيج الاجتماعي السوداني، ولا مستقبل لهذه البلاد إلا بسقوطها”.
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” قد حملت قوات “الدعم” كامل المسؤولية عن الانتهاكات الكبيرة في شرق الجزيرة، واصفة إياها بـ”الانتهاكات الوحشية التي يندى لها الجبين”.
ودعت قوات “الدعم” إلى الايقاف الفوري لتلك الانتهاكات، محذرة من مغبة التمادي في ترويع المدنيين العزل.
في أثناء أطلق مؤتمر الجزيرة نداء استغاثة لشعوب العالم والمنظمات الإقليمية والدولية محذرا من مغبة استمرار عمليات العنف المتصاعدة والقتل والتهجير القسري لأهالي الجزيرة.
وقالت وزارة الخارجية السودانية إن قرى وبلدات شرق الجزيرة والبطانة تتعرض لحملات انتقامية من الدعم السريع، مطالبة المجتمع الدولي بإدانة هذه الحملات بشكل فوري وقوي.
وقالت إن “الحملات الانتقامية” جاءت في أعقاب انسلاخ قيادات من قوات الدعم السريع، في ولاية الجزيرة، محذرة من أن تلك الانتهاكات تستهدف المدنيين، على أساس قبلي وجهوي.
وأكدت أن ما يحدث في شرق الجزيرة يرقى لمستوى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مشيرة إلى أن عدد ضحايا هذه الحملات التي وصفتها بـ “الإجرامية” يقدر بالمئات من المواطنين من القتلى والمصابين، فضلا عن تشريد الآلاف من قراهم.
كذلك ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “بشدة” بالهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع في وسط السودان، مبديا “صدمته” للعدد الكبير من القتلى المدنيين، وفق ما أعلن المتحدث باسمه الجمعة.
وقال ستيفان دوجاريك إن “الأمين العام مصدوم إزاء المعلومات عن عدد كبير من المدنيين القتلى والمعتقلين والنازحين، إضافة إلى أعمال العنف الجنسي بحق النساء والفتيات ونهب المنازل والأسواق وإحراق المزارع”.
وتقع ولاية الجزيرة التي تتوسط السودان، على ضفاف النيل الأزرق الغربية، بارتفاع 409 متر فوق سطح البحر وتربط العاصمة الخرطوم عبر شبكة من الطرق في أنحاء البلاد المختلفة.
وتلتقي عندها عدة طرق برية هامة، بداية بالطريق الذي يربطها بالعاصمة الخرطوم، الذي يبلغ طوله حوالي 184 كيلو مترا وصولا إلى الطريق الرئيسي الذي يربطها بشرق السودان، عبر مدينتي القضارف وكسلا وميناء سواكن إلى ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر بمسافة قدرها حوالي 950 كيلو مترا والذي يعد من أهم وأطول الطرق في السودان.
وكذلك يمتد طريق آخر من عاصمة الجزيرة “ود مدني” إلى مدينة سنار جنوبا بطول 110 كيلو مترات. فضلا عن شبكة الطرق التي تربط ” ود مدني” بمدن ولاية الجزيرة الأخرى بما يشمل مدن المناقل ورفاعة والحصاحيصا الذي يعود مرة أخرى إلى الخرطوم.
وتضم أراضيها مشروع الجزيرة الذي يعد أكبر مشروع مروي في أفريقيا، وأكبر مزرعة ذات إدارة موحدة في العالم، وتتجاوز مساحته مليوني فدان.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع “منتصف أبريل/ نيسان الماضي، أصبحت ود مدني ملاذا آمن لملايين النازحين الفارين من الحرب المندلعة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى. كما انتقلت إليها المنظمات الإنسانية والمستشفيات والخدمات الطبية، التي كانت تقدم الرعاية الصحية لمئات الآلاف من المرضى الذين نزحوا من مختلف ولايات السودان، بما في ذلك جرحى ومصابي الحرب والمرضى في أقسام العناية المركزة.
وشهدت الولاية انتهاكات واسعة حيث قتل المئات من الأهالي خلال هجمات قوات الدعم السريع على مدن وقرى الولاية كما تم تسجيل عمليات اعتداء جنسي ونهب لممتلكات المواطنين والمرافق المدنية والمحاصيل الزراعية.
نقلا عن لقدس العربي