الخرطوم – «القدس العربي»: تصاعدت وتيرة المواجهات العنيفة في العاصمة الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع، أمس الأحد، ونقل شهود عيان سماع دوي انفجارات ضخمة وتصاعد لأعمدة الدخان من عدة مناطق، فيما أحيا مواطنون في مدينة أمدرمان وعدد من ولايات البلاد وفي جمهورية مصر العربية احتفالات مساندة لتحركات الجيش الأخيرة.
وأوضحت مصادر ميدانية لـ”القدس العربي”، إن القتال اشتد في منطقة المقرن في وسط الخرطوم عقب عبور الجيش من أمدرمان عن طريق كوبري النيل الأبيض وكبري الفتيحات ومحاولة التقدم تجاه منطقة السوق العربي وربط الإمداد مع قواته المتواجدة في القيادة العامة وتحرير القصر الجمهوري.
وأفادت المصادر بأن الجيش دمر عدد 5 عربات قتالية ومدرعة في المقرن، مشيرة إلى أنه قام كذلك بوضع ارتكازات وسواتر ترابية في الأماكن التي سيطر عليها مؤخراً وتشمل فندق هيلتون وحدائق 6 أبريل ومسجد الشهيد.
وأشاروا كذلك إلى شن هجوم مباغت على تمركزات الدعم السريع في مقر الكتيبة الاستراتيجية في شارع الغابة المحاذية لنهر النيل الأبيض، وقالت المصادر إن الجيش أحدث خسائر مقدرة في صفوف حميدتي.
بالتزامن، اشتعلت جبهة المدرعات جنوب الخرطوم، مع محاولة الجيش أيضاً التقدم من تلك النقطة شمالاً نحو القوات القادمة من أمدرمان، قال سكان محليون لـ”القدس العربي” إنهم شاهدوا تصاعد أعمدة الدخان من منطقة اللاماب بالإضافة إلى تحليق للطيران الحربي وإسقاط عدد من المقذوفات على ما يعتقد أنها تجمعات للدعم السريع في حي المعمورة شرق الخرطوم وحي الأزهري جنوباً.
أما في مدينة الخرطوم بحري، لا تزال المعارك مشتعلة مع إيصال مزيد من تعزيزات للجيش من أمدرمان عن طريق جسر الحلفايا. وتفيد المتابعات عن سيطرة الجيش على أحياء الحلفايا والأزيرقاب والكدرو فيما تراجعت الدعم السريع إلى منطقة شمبات مع نشر واسع للقناصة واستعداد لمعركة قد تكون فاصلة وتعني في حال انتصار الجيش السيطرة على ثاني مدن العاصمة الثلاث وربط القوات مع سلاح الإشارة والقيادة العامة عن طريق كوبري النيل الأزرق.
في أقصى شمال العاصمة وتحديداً عند مصفاة الجيلي والمنطقة المحيطة بها، أفادت عدة مصادر أهلية قريبة من المكان، بخفوت الاشتباكات المباشرة والاكتفاء بالتدوين المتبادل وقصف لطيران الجيش، فيما قالت قوات الدعم السريع إنها تمكنت من القضاء على متحرك للجيش والقوات المساندة له في محور مصفاة الجيلي.
وفي سياق متصل، قالت لجان مقاومة منطقة حجر العسل ـ القريبة من المصفاة ـ إن “ميليشيات” الدعم السريع هاجمت مشفى السقاي الريفي بثلاث عربات قتالية ونهبت مقتنيات الأطباء والعاملين، مضيفة أن ذلك جاء بعد استقبال المشفى لعدد من مصابي الجيش في الانفتاح الأخير الذي قام به.
وكشفت المقاومة، في بيان، أمس، عن انسحاب الجيش من جنوب المنطقة ما أسفر عن عمليات النهب وترويع للمواطنين كما أدانت انتهاكات الدعم السريع بحق المدنيين.
ويوم الجمعة الماضية، أطلق الجيش عملية برية واسعة استطاع من خلالها عبور عدد من الكباري بالعاصمة ـ الفتيحاب، النيل الأبيض والحلفايا ـ ونقل قواته المحتشدة إلى مدن الخرطوم والخرطوم بحري. بالتزامن، تحرك قوات في معسكرات المدرعات والكدرو والإشارة والقيادة العامة وانفتحت في المناطق المحيطة، بالإضافة إلى تحرك آخر للقوات من نواحي مدينة شندي بولاية نهر النيل نحو مصفاة الجيلي شمال الخرطوم.
يقول الضابط السابق في المعارضة السودانية حسام ذوالنون، إنه خلال سبعة عشر شهراً منذ فشلت الدعم السريع في الاستيلاء على السلطة عبر تنفيذ انقلاب عسكري مدعوم من دولة الإمارات وقوى سياسية وغطاء أممي نفذته البعثة المتكاملة وتحولها إلى حرب مدمرة لسببين أساسيين هما عدم وجود خطة بديلة للتعامل مع احتمال الفشل وفقدان السيطرة والقيادة وعدم وجود هدف بديل لتعمل على ضوئه تلك القوات.
وقال ذوالنون في إفادات لـ”القدس العربي”: “كان موقف الجيش نتيجة للفارق الكبير في التجهيزات العسكرية والحشد المقاتل والسيطرة على المناطق الاستراتيجية في كل العاصمة منذ ليل العاشر من أبريل 2019 وتمدد الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية أن يتبع استراتيجيات الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه السودانيون إلا أنها كانت من ناحية عسكرية ذات فعالية كبيرة للغاية وناجحة”.
وأضاف: “اعتمد الجيش تكسير القدرات العسكرية القتالية للدعم السريع وإضعافه بصورة مستمرة ثم انتقل في المرحلة الثانية إلى استهداف القيادات الميدانية للدعم السريع حتى تحول إلى مجموعة من قطاع الطرق والجماعات التي لا رابط بينها، سواء استغلال اسم الدعم السريع لتنفيذ العمليات الإجرامية ضد المواطنين العزل”.
وتابع قائلاً: “المرحلة الثالثة من تلك الاستراتيجية جعلت كثير قوات الدعم السريع المنتشرة في المدن معزولة عن بعضها البعض بدرجة معقولة مما أضعف استغلالها لخصائص مرونة الحركة وسرعة الاستجابة”.
ورأى أن الاستراتيجيات التي اتبعها خلال المراحل السابقة نجحت مما يجعل الانتقال إلى مرحلة التحرير والانفتاح على المناطق خطوة منطقية ومتسقة مع الأهداف الكلية لإدارة المعركة وتحقيق الهدف النهائي بكسبها.
وأوضح أن الانفتاح المتزامن في كل محاور الخرطوم وغرب وجنوب أمدرمان وبحري والمصفاة هي بداية عمليات المشاة التي تكسب بها الحروب، لافتاً إلى أن ما قام به الجيش بداية الاختراق الحقيقي وأن تغيير ميزان المعركة قد بدأ.
بالتزامن، شهدت عدد من أحياء أمدرمان لليوم الثالث على التوالي، مسيرات وتظاهرات للمواطنين احتفالاً بتحركات الجيش الأخير، كذلك كانت قد انطلقت احتفالات ضخمة في مدن كسلا وعطبرة وشندي والدامر وغيرها مساء أمس بعد شائعة عن تحرير مصفاة الجيلي، كما خرجت في ذات التوقيت مئات الأسر السودانية في العاصمة المصرية القاهرة ابتهاجاً بالأنباء الواردة عن تحركات الجيش الأخيرة.
ويعيش السودانيون منذ منتصف أبريل/ نيسان العام الماضي حرباً مدمرة أدت إلى مقتل وحرج عشرات الآلاف ونزوح الملايين وتدمير للبنية التحتية ونهب واسع لمنازل وممتلكات المواطنين والأسواق والمؤسسات الخدمية، مما خلق واقعاً مأساوياً صنفت المنظمات الأممية بالأفظع على مستوى العالم.
إنسانياً، وصل مطار بورتسودان، أمس طائرة المساعدات الـ13 ضمن الجسر الجوي الكويتي من المساعدات الإنسانية للسودان لدعم متضرري الحرب والسيول والفيضانات، وتحمل الطائرة شحنة مساعدات مقدمة من الهلال الأحمر الكويتي.
وفي الأثناء، أعلنت غرفة طوارئ جنوب الحزام في الخرطوم، توقف جميع المطابخ المجانية “التكايا” في قطاع حي الأزهري بسبب العجز المالي ونفاد المواد التموينية وناشدت المنظمات الوطنية والإقليمية والخيرين التدخل العاجل لإنقاذ أرواح المدنيين الذين يعانون من الجوع والمرض وتردي الخدمات في تلك المناطق.