الخرطوم- «القدس العربي»: شهدت ولاية كسلا شرق السودان، أمس الأحد، احتجاجات واسعة، فيما أغلق المتظاهرون الطرق المؤدية إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات والنيابة العامة، تنديداً بمقتل مواطن ” تحت التعذيب”.
وطالب المحتجون الذين أغلقوا الطرق الرئيسية وسوق المدينة، بإقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات في الولاية، مطالبين بالعدالة للشاب القتيل “الأمين محمد نور”.
ووسط تحذيرات من فتنة عشائرية شرق البلاد، قال تجمع شباب قبائل “البني عامر” و”الحباب” إن نور قتل السبت بعد اعتقاله من قبل مجموعة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني بولاية كسلا في مدينة “ود شريفي” ومن ثم تم ترحيله إلى مدينة كسلا، حيث فارق الحياة نتيجة للتعذيب الذي تعرض له، كما أكد تقرير التشريح بمستشفى كسلا، الذي أظهر وجود كدمات على أجزاء واسعة من جسده.
وأشار التجمع إلى إبلاغ جهاز الأمن ناظر عموم قبائل البني عامر “علي إبراهيم دقلل” بخبر الوفاة، على نحو مضلل، وأن الجهاز حاول حجب الحقائق باختلاق رواية وصفها بـ” الدرامية” حيث زعم وجود علاقة بين القتيل وقوات الدعم السريع، وادعى أن وفاته كانت نتيجة لضيق في التنفس.
ولفت في بيان، أمس الأحد، إلى أن تقرير الطب الشرعي أكد مقتله نتيجة التعذيب، مضيفاً: “لم تكن هذه الممارسات القمعية سابقةً، فقد قتل من قبل في مقر جهاز الأمن في الولاية جمال فقاريا وأحمد الخير – ناشطين واجها المصير ذاته.
وعزا التجمع الاحتجاجات وإغلاق الطرق لما اعتبره تباطؤاً في الإجراءات القانونية، مشيراً إلى ضرورة استمرار الضغط على الجهات المعنية لتسريع اتخاذ الإجراءات اللازمة.
ومنذ صباح الأحد، أعلن تجمع شباب البني عامر والحباب تصعيد الضغط على جميع الجهات المسؤولة في الولاية حتى يتم القبض على المتورطين في مقتل “نور” تحت التعذيب.
وشملت الإجراءات التصعيدية إغلاق سوق مدينة كسلا وعدم تسلم الجثمان إلا بعد القبض على المتورطين ومثولهم أمام النيابة وتسليمهم للشرطة، فيما طالب المحتجون بإقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالولاية ومحلية كسلا، محملة إياه مسؤولية الحادثة.
وحسب مصادر محلية تحدثت لـ” القدس العربي”، أطلقت القوات الأمنية الأعيرة النارية والغاز المسيل للدموع لتفريغ المحتجين في السوق وفي محيط مقر المخابرات وسط انتشار كثيف للشرطة في أنحاء المدينة.
واستنكرت لجنة المعلمين في ولاية كسلا اغتيال المواطن في معتقلات أجهزة الأمن، مشيرة إلى أن هذه المؤسسة يفترض أن تحمي المواطن وليس العكس.
وقالت لجان المقاومة في ولاية كسلا إن مقتل نور، وذلك بعد اعتقاله وتعذيبه داخل مباني جهاز المخابرات محملة الجهاز المسؤولية الكاملة عن ما اعتبرته انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يتعارض مع كافة المواثيق الدولية والقوانين المحلية.
وأعلنت رفضها التام لـ”الممارسات القمعية”، مطالبة السلطات بتسليم المتهمين إلى الجهات العدلية فورًا وتطبيق القانون دون تحيز.
ورأت أن الحادثة تؤكد أن السلطات أعادت صلاحيات الاعتقال والتوقيف لجهاز المخابرات بعد أن حصرت مهامه في فترة الحكومة الانتقالية في جمع المعلومات وتحليلها.
واعتبرت إعادة تلك الصلاحيات بمثابة إعادة إرث من التعسف والتعذيب دون رقيب، لا تزال ذاكرة السودانيين مثقلة بها.
وأدان تجمع محامي شرق السودان الحادثة، مستنكراً ما اعتبره اعتقالاً وتعذيباً وحجزاً غير مشروع تمارسه الجهات الأمنية، محملاً إياها مسؤولية هذه الأفعال “غير القانونية” وعدم مراقبة إدارة وقيادات الجهات الأمنية أفرادها ومحاسبتهم لارتكابهم ممارسات تنتهك القانون.
وطالب المحامون برفع الحصانة عن الجناة وتقديمهم للعدالة وعدم توفير أي حماية لهم، منوهاً إلى أنهم يمثلون تهديداً للمؤسسات التي ينتمون إليها والمدن التي هم فيها. وقال تجمع محامي الشرق، إنه كلف محامين لمتابعة سير القضية والمشاركة في هيئة الاتهام حتى يتم تقديم الجناة للعدالة.
وأدانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حادثة مقتل “نور” في معتقلات جهاز الأمن بمدينة كسلا، مشيرة إلى أنها أعادت إلى الأذهان وقائع حادثة مقتل “أحمد الخير” الذي قُتل تحت التعذيب على يد جهاز الأمن في المكان ذاته في فبراير/شباط 2019. مضيفة أن تكرار ذات الحوادث المفجعة يعكس استمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المواطنين السودانيين”.
وأعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية رفضها استخدام “ذرائع التعاون والتخابر” لتبرير الاعتقالات التعسفية والتعذيب بحق المواطنين أو تقديمهم لمحاكم “صورية كيدية”، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تقوض الثقة في المؤسسات الأمنية والقضائية وتخلق أزمات إضافية، ولا تساهم بأي شكل من الأشكال في حل معاناة الناس.
وطالبت بتسليم الجناة الذين تورطوا في تعذيب وقتل “الأمين محمد نور” للجهات العدلية وتقديمهم لمحكمة علنية، وليس أمام أي محاكم خاصة أو عسكرية، لضمان محاسبة كل من ثبت تورطه في هذه الجريمة وضمان عدم الإفلات من العقاب وتكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
وأكدت ضرورة وقف الحرب باعتبارها أساس الانتهاكات على البلاد، بينما يدفع المواطنون ثمن استمرارها حيث يواجهون المزيد من الجرائم والانتهاكات، مشيرة إلى أنه بإيقافها يتم إعادة تأسيس وبناء مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وعلى رأسها تكوين جيش واحد قومي مهني احترافي، وقوات شرطية وأمنية قومية مهنية احترافية ملتزمة بالقانون، واحترام حقوق الإنسان، وحماية الشعب والأرض، خاضعة للسلطة المدنية الدستورية.
واعتبر تحالف قوى الحرية والتغيير، مقتل نور تحت التعذيب، مسلكاً متوافقاً مع ممارسات جهاز الأمن والمخابرات خلال سنوات حكم النظام السابق ونتيجة لإعادة سلطات الاعتقال لجهاز الأمن مؤخراً.
وطالب التحالف بتسليم المتهمين في هذه الجريمة فوراً وتقديمهم لمحاكمة علنية عادلة وترك القضاء العادل يقول كلمته دون أي تدخلات سياسية أو غيرها لعرقلة وصول هذه القضية إلى نهايتها وتحقيق العدالة.
وأكدت على ضرورة وقف الحرب، مشيرة إلى أن استمرارها يفتح الباب أمام تبرير وشرعنة الانتهاكات تجاه المدنيين.