الخرطوم : كشفت مصادر ميدانية لصحيفةـ”القدس العربي” عن قصف قوات «الدعم السريع»، أمس الإثنين، مخازن أدوية تابعة لمنظمة الإغاثة الدولية في مدينة الفاشر غربي السودان، ما أدى إلى تدمير المبنى وعدد من السيارات وتخريب مخزون الدواء، بينما أدانت وفود وساطة مباحثات جنيف لإنهاء القتال في السودان مقتل ما لا يقل عن 22 عامل إغاثة وإصابة ما لا يقل عن 34 آخرين منذ اندلاع الحرب. في الأثناء، وصل وفد حكومي إلى القاهرة بهدف لقاء وسطاء جنيف للتباحث حول تنفيذ إعلان جدة، بينما اتهم قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي” قيادة الجيش بالافتقار لأي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان.
وتستمر المعارك في عدد من جبهات القتال في السودان، إذ أفاد سكان محليون “القدس العربي” عن سماع دوي اشتباكات في منطقة حطاب شمال شرق مدينة بحري، ومشاهدة تصاعد أعمدة الدخان في المناطق القريبة من مصفاة الجيلي للبترول أقصى شمال المدينة.
ومنذ أشهر، ينصب الجيش كمائن متعددة في مناطق الكدرو وحطاب لناقلات وقود وسيارات عسكرية تتبع لـ “الدعم السريع”، كما يحاول مسنوداً بقوات من الحركات المسلحة والمقاومة الشعبية استعادة مصفاة الجيلي التي استولت عليها قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان الماضي، فيما استطاعت قوات حميدتي إفشال تلك الهجمات في الدفاعات المتقدمة مع زرعها للألغام في عدد من المحاور ليقصر الجيش هجومه على المدفعية والطيران والطيران المسير، لكن الأيام الماضية أشعلت تلك الجبهة والمناطق القريبة منها، ما جعلها البؤرة الأكثر سخونة في العمليات العسكرية.
وشهدت المصفاة انفجارات ضخمة الفترات الماضية. وحسب موظفين، فإن التخريب استهدف مستودعات وناقلات وقود. ويتخوف مراقبون من حدوث تدمير شامل للمقار الاستراتيجية وغرف التحكم بالمصفاة، ما قد يسبب كارثة بيئية وخسائر مادية بالغة.
ويشار إلى أن القيمة السوقية لمصفاة الجيلي تقدر بنحو4 مليارات دولار، وتصل طاقتها الانتاجية أكثر من 100 ألف برميل، وهو ما يغطي 40% من احتياجات البلاد من الوقود.
ميدانياً، قالت مصادر ميدانية لـ”القدس العربي”، إن مدينة الفاشر لاتزال تحت القصف من قبل مدفعية “الدعم السريع”، مشيرة إلى أن القذائف تساقطت أمس وأمس الأول على الأحياء السكنية مخلفة مزيداً من القتلى والجرحى وسط المواطنين.
وأكدت المصادر أن القصف نهار أمس استهدف مخازن أدوية تابعة لمنظمة الإغاثة الدولية “رليف إنترناشيونال”، وأسفر عن إتلاف للمخزون وتدمير جزئي للمبنى وإحراق عدد من السيارات.
ومنذ الثاني مايو/ أيار الماضي، تشن قوات حميدتي هجمات متواصل بهدف الاستيلاء على مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور وآخر المدن الاستراتيجية التي تقع تحت يد الجيش والحركات المسلحة، واللذان استطاعا حتى الآن الصمود وتكبيد القوات المهاجمة خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
إلى ذلك، دعت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، جميع أطراف الصراع والدول التي تتمتع بنفوذ على الأطراف والمجتمع الدولي إلى إنهاء الهجمات على المدنيين في البلاد واتخاذ خطوات فعالة لحمايتهم.
وفي سياق متصل، وصل وفد حكومي إلى القاهرة بهدف لقاء وساطة جنيف، وتفيد المتابعات أن الوفد برئاسة محمد بشير أبونمو، ويضم في عضويته مفوض العون الإنساني سلوى آدم بنيه، ورئيس الوفد التفاوضي لمنبر جدة اللواء محجوب بشري، واللواء أبوبكر فقيري، بينما سيلحق بالوفد هناك سفير السودان لدى مصر الفريق عماد عدوي.
وبحسب ما أعلنت الحكومة، تأتي الزيارة استجابة لطلب من مسهلي اتفاق جدة، بهدف مناقشة تنفيذ الإعلان الموقع في مايو/أيار العام الماضي، وآليات خروج القوات من بيوت المواطنين والأعيان المدنية.
والأحد، كشف رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أن حكومته قدمت مقترحها ورؤيتها بشأن تنفيذ الاتفاق، وتم تحديد برنامج محدد بجدول زمني ثم تسليمه لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والمبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيرييلو، وتتضمن خروج قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم ومدن إقليم دارفور وولاية الجزيرة.
ولفت إلى أن مقترح الحكومة حدد آلية للمراقبة على الأرض لتنفيذ الاتفاق، تتألف من بعض دول الجوار، مشيراً في الوقت نفسه أن “التمرد اعترض على وجود بعض الدول مثل مصر وجنوب السودان”، وتابع: “كما حددنا أعداد القوات ومناطق انتشارها”.
وقال حميدتي، في تسجيل صوتي جديد على منصة إكس، إن قيادة الجيش تفتقر لأي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان. وأضاف: “في الوقت الذي يتواجد فيه وفد قوات الدعم السريع المفاوض في جنيف، تركز قيادة الجيش بشكل أساسي للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها”، مشدداً على أنهم لن يسمحوا لمجموعة من الجنرالات التحكم في مصير الشعب، داعياً المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حاسم إزاء قيادة الجيش.
ودعا مستشاره الباشا طبيق، الدول المشاركة في مفاوضات جنيف لعدم فتح أبواب ومنابر أخرى قد تؤدي إلى “نسف العملية التفاوضية برمتها”. وقال طبيق في تغريدة على منصة إكس: “كل الخيارات مفتوحة كما ذكر الفريق أول محمد حمدان دقلو، إذا استمرت هذه المراوغة ومحاولة التهرب من تنفيذ مخرجات إعلان جدة الإنساني واتفاق المنامة ورفض التفاوض في جنيف”.
لكن مستشار حميدتي السابق، يوسف عزت، قال إن هناك ما يشير إلى وجود تقدم في وقف العدائيات بمحادثات جنيف وفتح مسارات للإغاثة، معرباً عن أمله بالتوصل لاتفاق كما هو متوقع.
وتجدر الإشارة إلى أن وفود الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المجتمعة في سويسرا من أجل محادثات السودان، قالت إن مقتل ما لا يقل عن 22 عامل إغاثة وإصابة ما لا يقل عن 34 آخرين منذ اندلاع الحرب في السودان أمر غير مقبول. وأضافت الوفود في بيان: “ندعو بشكل عاجل أطراف هذه الحرب المروعة إلى حماية المدنيين وعمال الإغاثة واحترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، والتي أكدوا عليها في إعلان جدة”.
وفي المنحى ذاته، قال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، إن الفرصة لا تزال متاحة لانخراط الجيش السوداني و”الدعم السريع” في مفاوضات جادة بإرادة صادقة لإسكات أصوات البنادق. وأردف: “الذهاب إلى المفاوضات لا يعني إلقاء السلاح أو الاستسلام أو أن تجبر على التوقيع على ما لا توافق عليه؛ كل المطلوب أن تطرح رؤيتك للحل لتحقيقها عبر الخيار السلمي، وهذا أفضل من الحرب”.
فولكر بيرتس، الرئيس السابق لبعثة يونيتامس في السودان، قال: “إن الطريقة الوحيدة لمنع استئناف الحرب الأهلية بعد وقف إطلاق النار في السودان هي وضع الجيش ككل تحت “السيطرة المدنية”. ورأى بيرتس في حوار مع صحيفة فرانكفورت الألمانية أن الآمال بنجاح محادثات جنيف “منخفضة للغاية”.
(القدس العربي)