قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” إيشان ثارور، إن أثر الحرب الكارثية على السودانيين لا يمكن وصفه إلا من خلال صيغ المبالغة: أكبر نزوح جماعي في العالم، وأكبر أزمة جوع في العالم، وأضخم أزمة تعليم في العالم، وهكذا دواليك.
ورغم الكارثة ونقص الطعام، لم يتوقف السلاح عن دخول البلاد ولم يتعب حلفاء المتحاربين من إرسال المساعدات العسكرية.
وقال ثارور في مقالته إن أسوأ مجاعة لم تحدث منذ عقود على وشك أن تندلع في ثالث أكبر الدول الأفريقية. ويعيش السودان وسط حرب أهلية مدمرة منذ 15 شهرا، مما قاد إلى معاناة ورعب للمدنيين لا يمكن وصفه. ومع أن عدد الضحايا غير معروف، إلا أن أكبر مبعوث أمريكي للمنطقة قدر العدد بحوالي 150,000 شخص، قُتل عدد كبير منهم في النزاع بين أمير الحرب محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وتقول الأمم المتحدة إن حوالي 750,000 على حافة المجاعة. وربط المسؤولون الغربيون ما يتكشف في السودان بما جرى في الصومال عام 2011، حيث مات ربع مليون شخص، ربعهم من الأطفال. وفي السودان هناك حوالي 11 مليون نازح أجبرهم القتال على ترك مدنهم وقراهم. و19 مليون طفل لم يستطيعوا الذهاب للمدارس نظرا لإغلاقها. وفي السودان أكبر أزمة جوع في العالم حيث يعاني 26.6 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، أي أكثر من نصف السكان. واعتبرت 14 منطقة في السودان أنها تواجه خطر المجاعة.
والقتال المندلع بين الدعم السريع الذي تعود جذوره إلى سنوات الإبادة في غرب السودان ضد الجيش السوداني بات دمويا. فبدلا من دفن الأحقاد، باتوا أبعد عن بعضهم البعض، حيث توسعت الحرب إلى معظم مناطق البلد بعد اندلاعها في العاصمة. وتبادل الطرفان الاتهامات وحمّلوا بعضهم البعض مسؤولية المعاناة التي تسببوا بها للمدنيين، وسط تقارير تتحدث عن مذابح واغتصابات جماعية وجرائم أخرى.
وهناك حالات موثقة لجرائم الحرب، ارتكبتها تحديدا، قوات الدعم السريع أو الجماعات المسلحة المرتبطة بها ضد غير العرب في المدن والبلدات التي سيطروا عليها. وأدى النهب الواسع والعنف إلى تدمير المحاصيل في معظم السودان، وتشتكي جماعات الإغاثة من مصاعب إدخال المساعدات إلى السودان.
وكانت مراسلة “واشنطن بوست” كاثرين هوارليد قد سافرت إلى السودان للتعرف على أكبر حالة نزوح سكاني في العالم. وقامت مع فريق من الصحيفة بالتجول في خمس مدن سودانية وقدموا صورة عن حجم الكارثة: “في عنابر الطوارئ، قامت النساء المزخرفة أيديهن بالحناء بتمليس أضلاع أطفال كانوا يكافحون للتنفس، وتحدث آباء آخرون عن أطفال قتلوا في أسرتهم عندما سقطت قنابل المدفعية على أحيائهم”.
وقال الفريق الصحافي إن “سجناء وجنودا تحدثوا عن رجال شباب قتلوا بعيدا عن بيوتهم وتركت جثثهم للتحلل تحت الحر قبل أن تلقى في مقابر مجهولة”.
وقد قبل الطرفان المتحاربان المشاركة في محادثات برعاية أمريكية- سعودية على أمل التوصل إلى وقف شامل للنار، ستعقد الشهر المقبل في سويسرا. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في بيان الأسبوع الماضي: “تهدف المحادثات في سويسرا إلى وقف العنف والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين وتطوير آلية رقابة قوية وتحقق لتطبيق أي اتفاق”.
إلا أن المحاولة هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد جرت عدة محاولات وعدت بوقف القتال، لكنها لم تستمر إلا عدة أيام، بل ساعات بعد التوقيع عليها. وتحذر منظمات الإغاثة من أن الجيش السوداني يعرقل تدفق المساعدات الضرورية إلى مناطق غرب السودان التي تسيطر على معظمها قوات الدعم السريع. وأي قوافل تدخل تتعرض لحرف مسارها والنهب، فيما أدى الخراب الذي أحدثته قوات الدعم السريع في مناطق سلة الغذاء السودانية إلى نقص المواد الأساسية.
وفي مؤتمر للمانحين عقد في شهر نيسان/ أبريل، تم التعهد بملياري دولار للسودان، وهو نصف ما طلبته الأمم المتحدة، لكن الأموال التي تم التعهد بها لم يتم الوفاء بها بعد.
وفي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أشارت فيه إلى دراسة مسحية نشرتها “ميرسي غروب” قالت فيه إن ربع الأطفال في وسط دارفور يعانون من فقر التغذية ويمكن أن يموتوا قريبا. ويقول الخبراء إن برنامج الغذاء العالمي وبميزانية 8.5 مليار دولار العام الماضي، هو الوحيد المؤهل لدعم عمليات الإغاثة الواسعة والطارئة، ولكن بدون فتح الحدود ومرور المساعدات بدون معوقات، فلن تصل المساعدات للمحتاجين إليها.
وتقول الصحيفة إن الحرب تشكلت بالمصالح الجيوسياسية، فالجيش السوداني يحصل على الدعم من مصر وإيران وأوكرانيا، كما تقول إلهان ظاهر، من معهد السلام في الولايات المتحدة. أما الدعم السريع، فتحصل على دعم من مجموعة فاغنر الروسية والإمارات التي أرسلت أسلحة كجزء من جهود منع تأثير الإسلاميين بالمنطقة. ومن هنا تقول ظاهر إن “تواصل التدخل الخارجي في السودان سيطيل أمد الحرب على الأرجح”.
وفي إحاطة موجزة لأمنستي إنترناشونال الأسبوع الماضي قدمت صورة عن استمرار تدفق الأسلحة إلى النزاع. وأشارت المنظمة لوجود أسلحة من عدة دول، كروسيا والصين وصربيا وتركيا واليمن وتم “استيرادها بكميات ضخمة إلى السودان”، ويتم نقلها وتوزيعها إلى ساحات المعارك، بما فيها منطقة دارفور التي منعت الأمم المتحدة منذ عقدين تصدير السلاح إليها.
وقال ديبروز موشينا من أمنستي انترناشونال في بيان: “تظهر أبحاثنا أن الأسلحة التي تدخل البلاد قد وضعت في أيدي مقاتلين متهمين بانتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. ومن الواضح أن حظر الأسلحة الذي ينطبق حاليا على دارفور فقط غير كاف على الإطلاق، ويجب تحديثه وتوسيعه ليشمل السودان بأكمله. هذه أزمة إنسانية لا يمكن تجاهلها”.
من جهة أخرى كشفت منظمة “هيومان رايتس” عن عمليات الاغتصاب التي “لا تحصى” التي يرتكبها مقاتلو الدعم السريع ضد بنات صغيرات لا تتجاوز أعمار بعضهن تسعة أعوام.
واستندت المنظمة على روايات نساء وبنات من مناطق في العاصمة الخرطوم سيطرت عليها قوات الدعم السريع، وتكشف أن الكثيرات منهن اختطفن وعذبن وسجن وتم تحويلهن إلى رقيق جنسي. وتم اغتصاب نساء وهن يحاولن حماية بناتهن.
وأخبرت بنات مقاتلي الدعم السريع أنهن متزوجات ولسن عذراوت في محاولة منهم لمنع الاعتداء عليهن. وقالت مديرة القرن الأفريقي في منظمة هيومان رايتس ووتش، لاتيتيا بادر: “قامت قوات الدعم السريع باغتصابات جماعية، وأكرهت النساء والبنات على الزواج في المناطق السكنية بالعاصمة السودانية”.
وقابلت المنظمة 42 شخصا يقدمون رعاية وخدمات اجتماعية، ومحامون ومتطوعون في الخرطوم لمعرفة كيفية معاملة النساء. وتم توثيق 262 امرأة تعرضن للانتهاك الجنسي تتراوح أعمارهن ما بين 9- 60 عاما. وفي بعض الحالات، تعرضت المتطوعات للاغتصاب وهن يحاولن تقديم المساعدة للفتيات المغتصبات. وقال فتاة عمرها 20 عاما، إنها نامت مع سكين تحت وسادتها خوفا من مداهمة الدعم السريع للبيت واغتصابها، “فأن تكوني امرأة في الخرطوم لم يعد آمنا”.
تناول إبراهيم درويش القدس العربي