تعيش فرنسا منذ انطلاق ألعاب باريس 2024 في 26 يوليو/تموز فرحة عامة عارمة وحالة من الإثارة الجماعية صنعها رياضيوها بمختلف المنافسات الأولمبية، بعد حفل افتتاح مبهر أقيم لأول مرة خارج الملعب الرئيسي. ويبدو الوفد الفرنسي في الطريق الصحيح لتحسين أكبر حصة من الميداليات حققها في الألعاب الأولمبية، في بكين 2008 (43 ميدالية بينها 7 ذهبية) وهو يأمل في احتلال أحد المراكز الخمس الأولى في الترتيب العام بنهاية نسخة باريس 2024.
هناك دراسة أجرتها شركة نيلسن الأمريكية المتخصصة في البيانات في منتصف يوليو/تموز رجحت حصول فرنسا على 56 ميدالية بينها 27 ذهبية خلال الألعاب الأولمبية باريس 2024، ما سيجعلها تحتل المركز الثالث في الترتيب العام وراء الولايات المتحدة (111 ميدالية بينها 38 ذهبية) والصين (86 ميدالية منها 34 ذهبية)، فيما بريطانيا في المركز الرابع (63 ميدالية بينها 17 ذهبية).
وفي حال تحققت هذه التقديرات، ستكون فرنسا قد تجاوزت أكبر عدد لها من الميداليات المسجل في ألعاب بكين عام 2008 برصيد 43 ميدالية بينها 7 ذهبية. وكانت فازت بأكبر حصة لها من الميداليات الذهبية في ألعاب أتلانتا الأمريكية عام 1996 بـ 15 من المعدن الثمين. فهل هي أمام إنجاز تاريخي في سجل مشاركاتها الأولمبية
يمكن القول إن بدايتها في ألعاب باريس 2024 مثالية على كل المستويات، سواء من حيث الإنجازات الرياضية أو الحفاوة الشعبية، ناهيك عن حفلها الافتتاحي الذي نال إعجاب العالم وأشادت الصحافة الدولية بجمال لوحاته وجرأته التقنية والرواية التاريخية التي حملها. وقال عنه أحد مؤلفي نصوصه، المؤرخ دومينيك بوشرون، إنها “رسالة سلام للعالم، وليس استعراضا للقوة” مثلما يمكن اعتقاده.
ذروة الفرحة مع ليون مارشال
كان الجو العالم السائد في فرنسا قبل انطلاق الألعاب يميل أكثر للاكتئاب والشكوك، وهو ما تبدد خلال حفل الافتتاح، وأظهر استطلاع رضا 80 بالمائة من الفرنسيين عما شهدوه على نهر السين، على امتداد ثلاث ساعات و45 دقيقة، وعلى مسافة ست كيلومترات.
وسرعان ما تعززت فرحتهم بالأداء القوي لممثليهم في باريس، وسرعان ما تفجر ملعب “ستاد دو فرانس” واحتفل مساء السبت بأول ميدالية ذهبية فرنسية من نصيب منتخب الروغبي السباعي بقيادة لاعب بات أسطورة (في بلاده) اسمه أنطوان دوبون.
وبلغت الفرحة العارمة التي اجتاحت البلاد ذروتها مساء الأحد عندما استجاب السباح الشاب ليون مارشان لنداء الوطن وحقق سباقا خرافيا في 400 م سباحة متنوعة للرجال في وقت 4:02.95 دقيقة، ليضع الرقم القياسي الأولمبي المسجل باسم الأسطورة الأمريكي مايكل فيلبس عام 2008 في أولمبياد بكين (4:03.84) في خانة النسيان.
أقوى من مايكل فيلبس
مارشان، ابن مدينة تولوز (جنوب غرب) البالغ من العمر 22 عاما، هو حامل الرقم القياسي والفائز باللقب العالمي مرتين. وهذه الميدالية الأولمبية الأولى بالنسبة لهذا الشاب، الذي أصبح محبوب الجماهير نظرا لتواضعه الشديد.
وقال مارشان بعد فوزه الكبير: “كان حلمي منذ الصغر أن أخوض سباقا نهائيا أولمبيا وأصبح بطلا أولمبيا. وها أنا أفعل ذلك في بلدي وأمام كل هؤلاء الناس”، مؤكدا أنه استمد طاقة إضافية من حفاوة الجمهور بموقع “لا ديفانس أرينا” (غرب باريس).
وسيعود مارشان إلى الحوض الأربعاء لخوض سباقي 200 م فراشة و200 م صدرا، ثم الخميس والجمعة لسباق 200 م متنوعة.
وبات مارشان نجما عالميا بامتياز، إذ منذ أولمبياد طوكيو 2020 أحرز أربعة ألقاب عالمية في السباحة المتنوعة (200 و400 م عامي 2022 و2023) ولقبا في 200 م فراشة.
“أردنا إطلاق الألعاب الأولمبية بأفضل طريقة”
كان الشعب الفرنسي قد احتفى في وقت سابق بنجم الروغبي أنطوان دوبون، أحد أبطال الفوز بميدالية الروغبي السباعي إثر فوز تاريخي على فيجي في المباراة النهائية. ويعتبر دوبون أصلا أفضل لاعب في العالم في الروغبي 15 وقد انضم لفريق الروغبي السباعي خصيصا لخوض الألعاب الأولمبية في باريس.
وقال الرجل القوي الذي يبلغ طوله 1 متر 75 مقابل 84 كلغ لفرانس24 بعد الفوز على فيجي، وهو يحمل الميدالية الذهبية حول رقبته “هناك أوقات تعمل فيها بشكل أفضل من غيرها”، مضيفا: “أردنا إطلاق الألعاب الأولمبية بأفضل طريقة”.
فبالنسبة إليه، “النصر قبل كل شيء جماعي، فهذه الرياضة جماعية في الأساس”. وقال: “يجب أن أشكر زملائي في الفريق الذين يقومون بالعمل عندما لا أكون موجودا”.
يشكل مارشان ودوبون رمز الفرحة العامة والإثارة الجماعية التي تسود المجتمع الفرنسي منذ إطلاق ألعاب باريس مساء الجمعة من ضفاف نهر السين. ولا يزال للوفد الفرنسي أسلحة في السباقات الفردية والجماعية من شأنها تحقيق حلمها بتجاوز كل التوقعات في هذه التظاهرة العالمية البارزة.