تعرّض هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، العبور عبر قناة السويس للخطر، وتعيد طريق التجارة القديم بين أوروبا وآسيا “رأس الرجاء الصالح” إلى جدول الأعمال دوليا.
وتربط قناة السويس بين البحرين المتوسط والأحمر وتوفر أقصر مسار بين أوروبا وآسيا، ويمر منها نحو 12 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية، وتلعب دورًا مهمًا في التجارة العالمية منذ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1869.
وقبل قناة السويس، كانت تجارة البضائع بين آسيا وأوروبا تتم عبر طريق رأس الرجاء الصالح، عبر رحلة أطول وأكثر تكلفة، وسرعان ما اكتسب الموقع الاستراتيجي لقناة السويس أهمية في التجارة بين القارتين بسبب تخفيض التكاليف وتقصير وقت التسليم.
و”رأس الرجاء الصالح” هو طريق بحري يقع جنوب غرب دولة جنوب إفريقيا، ويبعد 140 كيلومترا عن مدينة كيب تاون و2.3 كيلومتر عن كيب بوينت.
ومع بناء قناة السويس شمال مصر، اكتسب مضيق باب المندب أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة خاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط المنقولة بحرا، حيث شكل جزءا من الرابط بين البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا.
ويقع المضيق بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويختصر رحلات السفن 14 يوما في المتوسط.
ويبلغ عرض المضيق 20 ميلاً (32 كلم) وينقسم إلى قناتين بواسطة جزيرة بريم، حيث يبلغ عرض القناة الغربية 16 ميلاً (26 كلم) وعرض القناة الشرقية ميلين (3 كلم).
وبدأ مسار البحر الأحمر يلعب دورًا أكثر أهمية مع تحول أوروبا، التي تحاول تقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، إلى الموردين في منطقة الخليج، خاصة بعد الحرب الأوكرانية.
أدت الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن “المرتبطة بإسرائيل” في البحر الأحمر إلى تعليق شركات الشحن الدولية رحلاتها عبره وتجنب المرور من قناة السويس.
وأصبح الطريق التجاري القديم بين أوروبا وآسيا على جدول الأعمال مرة أخرى، حيث تقوم الشركات بتوجيه السفن التجارية إلى الطرف الجنوبي من إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح دون دخول البحر الأحمر.
ولجوء السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح سيرفع التكلفة الإجمالية حيث سيزيد مدة الرحلة بين 10 و14 يومًا وسيزيد تكاليف التأمين.
– شركات الشحن والطاقة تعلق رحلاتها عبر البحر الأحمر
علقت كبرى شركات الشحن البحري رحلاتها عبر البحر الأحمر خشية تعرض السفن لاستهداف جماعة الحوثي، بينها شركة البحر الأبيض المتوسط الإيطالية السويسرية المشتركة (MSC)، والدنماركية “ميرسك” والألمانية “هاباغ لويد” والفرنسية “CMA CGM”.
والاثنين، قالت شركة النفط والغاز العملاقة “بريتش بتروليوم ـ BP” البريطانية، إنها أصدرت تعليماتها لإيقاف جميع الشحنات عبر البحر الأحمر، بعد تصاعد الهجمات على السفن التجارية من قبل جماعة الحوثي.
ويشير محللو القطاع اللوجستي إلى أن قرارات شركات الشحن تؤثر بالفعل بشكل كبير على تكلفة نقل البضائع.
ويحذرون من أن طول الأزمة قد يؤدي إلى ازدحام الموانئ في أوقات معينة وزيادة الأسعار التي يدفعها المستهلكون مقابل البضائع المستوردة.
ويرون أن هجمات الحوثي على السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن يمكن أن تؤدي إلى أزمة عالمية في سلسلة التوريد.
وأعلنت الولايات المتحدة قبل أيام تأسيس تحالف “حارس الازدهار”، وهو قوة عمل بحرية دولية تهدف إلى “حماية السفن التجارية التي تبحر عبر البحر الأحمر من هجمات الحوثيين في اليمن”.
ويتألف التحالف من بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا والبحرين وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا، إلى جانب الولايات المتحدة.
وتوعدت جماعة “الحوثي” في أكثر من مناسبة، باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية “تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة”، ودعت الدول إلى سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن.
وتوالت الهجمات ضد سفن تقول الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل، الأمر الذي دفع عدة شركات شحن حاويات لتعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وكان أبرز تلك الهجمات في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما أعلنت “الحوثي” الاستيلاء على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر”، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
– 12 بالمئة من التجارة العالمية تتم عبر قناة السويس
نحو 12 بالمئة من التجارة العالمية تتم عبر قناة السويس، وتعبر القناة أكثر من 50 سفينة يوميا، تحمل قرابة 10 مليارات دولار من البضائع إلى شمالي أوروبا والبحر المتوسط والسواحل الشرقية لأمريكا الشمالية.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها الأناضول من شركة تحليل البيانات Vortexa ومقرها في بريطانيا، فإن 8.2 ملايين برميل من الخام والمشتقات النفطة يوميا معرضة للخطر بسبب التوتر في البحر الأحمر، وجزء بسيط من هذه الكمية يمكن تغيير مسارها إلى مسار غير باب المندب.
وتعادل هذه الكمية (8.2 ملايين برميل) حوالي 10 بالمئة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحرا.
– أوروبا الأكثر عرضة للمخاطر
تشمل الإمدادات الأكثر عرضة لخطر الانقطاع فيما يتعلق بالنفط ومنتجاته أثناء العبور من البحر الأحمر المنتجات البترولية المقطرة مثل الإيثانول.
وتشكل هذه المنتجات 10.5 بالمئة من المعروض العالمي، استنادا إلى بيانات 2023.
ويمثل النفط الخام المتجه من الشرق الأوسط إلى أوروبا والبحر المتوسط عبر مضيق باب المندب/ السويس 2.2 بالمئة من تجارة النفط الخام العالمية.
وفي حين أن أكبر تدفق من البحر الأحمر من حيث الحجم يشمل النفط الخام الروسي المتجه شرقا، فإن أوروبا هي الأكثر عرضة للاضطرابات في سلسلة التوريد.
وبسبب عدم وجود مصدر بديل لاستيراد أوروبا 1.1 مليون برميل من منتجات الديزل ووقود الطائرات/ الكيروسين الموردة عبر هذا المسار، فإن انقطاع التوريد من مسار البحر الأحمر يشكل خطرا على الإمدادات الأوروبية.
وفي تصريح للأناضول، قال جاي مارو كبير محللي النفط الخام في شركة Vortexa Middle East، إن مسار المنتجات البترولية (المقطرة) من الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا يمكن تغييره إلى رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس.
وينطبق الخيار ذاته بحسب مارو على النفط الخام القادم من الشرق الأوسط إلى أوروبا، باختلاف بسيط حيث إنه يمكن تحميل المزيد من النفط الخام من موانئ البحر الأحمر بدلا من الخليج لتقليل تدفق الإمدادات عبر مضيق باب المندب.
لكن هناك رأي آخر للمحلل مارو في هذا الخصوص لا ينطبق على النفط الروسي، حيث إن معظم تدفق النفط من البحر الأحمر باتجاه الجنوب يأتي من روسيا، وفق مارو، ومن غير المرجح أن يتم تحويل هذا التدفق مقارنة بالسفن الأوروبية والأمريكية.
تعد أوروبا المنطقة الأكثر هشاشة من حيث واردات وقود الطائرات وقد تواجه مخاطر في إمدادات الديزل، بحسب مارو.
“لأن أوروبا ليس لديها مصادر أخرى يمكن أن تجد فيها منتجات بالحجم الذي تستورده من الشرق الأوسط وآسيا. وفي حال حدوث تغيير كبير في مسار إمدادات الطائرات والديزل القادمة من الشرق الأوسط وآسيا، فقد ترتفع أسعار هذه المنتجات في أوروبا”.
ومن السابق لأوانه وفق مارو القول ما إذا كانت التوترات ستتصاعد، “ففي الوقت الحالي، نشهد تأثيرًا محدودًا على تدفق النفط وإعادة توجيه الناقلات، لكن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة”.