موقع بريطاني: لماذا تفزع أمريكا والغرب من مساعدة الإمارات لبوتين وتتغاضى عن تأثيرها المدمر بمناطق أخرى؟

قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” في لندن ديفيد هيرست إن الغرب يشعر بالفزع من تأثير الإمارات العربية الخبيث، فقط عندما تساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال إن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد الذي تركت خططه وأمواله وأسلحته خرابا في عدد من الدول لم يشعر حتى الآن بأي ضغوط من حلفائه الغربيين.

لكن الأمر مختلف مع روسيا، فقد قال مسؤولون أمريكيون وبريطانيون إن زيارتهم للإمارات بداية أيلول/سبتمبر كانت “جزءا من جهود واسعة مع عدد من الدول الشريكة” لمناقشة العقوبات والإجراءات الأخرى ومنع وصول قطع الغيار الإلكترونية إلى روسيا. وقال الإماراتيون إن الزيارة كانت فرصة لعرض إطار التحكم بالتصدير الذي يطبقه البلد. ولم يستطع أحد أن يخمن من هذه التصريحات أن صادرات الإمارات لقطع الغيار الإلكترونية إلى روسيا قد زادت سبعة أضعاف لحوالي 283 مليون دولار، حسب بيانات الجمارك الروسية والتي حللتها مؤسسة روسيا الحرة.

وفي 2022، صدرت الدولة الخليجية رقائق إلكترونية بمعدل 15 ضعفا عن العام الذي سبقه، ومعظمها صنع في الولايات المتحدة، وكذا 158 طائرة مسيرة إلى روسيا. كما زاد وجود الأوليغارش الروس في دبي من تضخم سوق العقارات، وتم ركن أكثر من 100 طائرة في مطار آل مكتوم الدولي بدبي، بما فيها طائرة بوينغ دريم لاينرز 787 بقيمة 250 مليونا تعود لمالك نادي تشيلسي لكرة القدم السابق رومان أبراهموفيتش. ومنعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشركات من تأمين الطائرات هذه.

تصرفات الإمارات تجري ضد مصالح جارتيها المحاذيتين لها وهما السعودية وعمان

ويقول هيرست إن وصول الأثرياء الروس إلى دبي أغرق الأسواق بالأموال. ومنذ آذار/مارس زاد حجم السيولة النقدية المتدفقة للإمارات بمعدل 20% في الشهر، وذلك حسب “كابيتال إيكونوميكس”. ولكن التجارة المتزايدة بين البلدين تمضي بمسارين، فقد اشترت الإمارات في العام الماضي 60 مليون برميل من النفط الروسي وذهبا بقيمة 4 مليارات دولار، وهي زيادة مذهلة عن مبلغ 61 مليون دولار قبل عام. وليس غريبا أن تصف مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية لشؤون التمويل الإرهابي والجرائم المالية اليزابيث روزنبيرغ، الإمارات بأنها بلد “تحت النظر” حيث يتم التحقيق بعلاقاتها مع روسيا.

ويعلق الكاتب أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قلقان من روابط أبو ظبي مع روسيا، وما كان عليهما إلا النظر بسهولة لأجزاء شبكة العنكبوت التي نسجها محمد بن زايد في الشرق والغرب والجنوب، فهناك الكثير ليثير القلق.

فكل التدخلات هذه كانت ضد مصالح الولايات المتحدة الرئيسية، وكلها ألحقت ضررا بالاستقرار الإقليمي، وكلها أضافت لطوابير المهاجرين على شواطئ تونس وليبيا. ففي اليمن تقوم سياسة الإماراتيين على فصل الجنوب عن الشمال والسيطرة على ميناء عدن الإستراتيجي والتحكم الكامل بجزيرة سقطرى. وأدى دعم الإماراتيين للمجلس الانتقالي الجنوبي لسيطرتهم على العديد من الموانئ والجزر التي تقود إلى مضيق باب المندب الإستراتيجي والقرن الأفريقي.

وأضاف الكاتب أن تصرفات الإمارات تجري ضد مصالح جارتيها المحاذيتين لها وهما السعودية وعمان. فقد أعلنت الرياض عن محادثات سلام مع الحوثيين بهدف وقف الحرب. وفي جنوب شرق اليمن، أقام السعوديون محورا عازلا بين الانفصاليين الذين تدعمهم الإمارات وعمان. وتشعر كل من السعودية وعمان بالتهديد من تحركات الإماراتيين.

ويرى الكاتب أن التنافس السعودي- الإماراتي في اليمن هو عن النفط وليس عن البلد ورفاه شعبه، ففي عام 2018 أعلنت السعودية عن خطط لبناء أنابيب لنقل النفط السعودي إلى نيشتون على حدود عمان، مما يعني تجاوز مضيق هرمز، وهو ما سيعرض شبكة النقل الإماراتية للخطر.

وفي السودان، دعمت الإمارات الجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي، في حملته للسيطرة على السلطة في 15 نيسان/إبريل. وبدأ النزاع بعد محاولة دمج قوات الدعم السريع أو الجنجويد سابقا في القوات المسلحة. وشهدت الساعات الأولى من الحرب حشر قائد القوات المسلحة في السودان، عبد الفتاح البرهان في أرضية بمقر إقامته قرب مطار الخرطوم، أثناء المحاولة للسيطرة على السلطة. وقد فشل الانقلاب، مثل كل المحاولات الانقلابية التي دعمتها الإمارات، ولكن قبل أن يشعل حربا أهلية قتلت حتى الآن 4.000 شخص وشردت 4.5 مليون سوداني.

وفي ليبيا، فشل خليفة حفتر، أمير حرب آخر تدعمه الإمارات بمحاولته للسيطرة على العاصمة طرابلس عام 2019، وتمزق البلد بطريقة دائمة وأضعف كل مركز للسلطة والتجمعات التابعة له، مما ألحق الضرر البالغ بالليبيين. وتسبب إعصار دانيال الأخير، بانهيار سدين في مدينة درنة الخاضعة لسيطرة حفتر، إلا أن عقيلة صالح رئيس مجلس نواب شرق ليبيا وصف الأمر بأنه “قدر”. ودعم حفتر حميدتي متحديا رغبة المصريين الذين دعموه للسيطرة على طرابلس.

ونقل الموقع عن سعد أبو شرادة، عضو المجلس الأعلى للدولة عن الجنوب قوله إن الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر نقل جوا السلاح والإمدادات من مناطقه إلى جمهورية أفريقيا الوسطى حيث نقلت بالشاحنات إلى داخل السودان. وتواصل قوات الدعم السريع تلقيها مساعدات خارجية في حربها ضد الجيش السوداني. ولكن الإنكار تناقضه الأدلة، فاكتشاف قنابل حرارية إماراتية في يد قوات الدعم السريع يعني أن الإمارات ساعدت قوات حميدتي.

اكتشاف قنابل حرارية إماراتية في يد قوات الدعم السريع يعني أن الإمارات ساعدت قوات حميدتي

ويعتقد هيرست أن ما يربط هذه النزاعات بأبو ظبي هو الذهب. فقد بنى حميدتي ثروة هائلة من نهبه غير الشرعي لمناجم الذهب السودانية والذي يشحنه إلى الإمارات التي يودع مع شقيقه عبد الرحيم دقلو أموالهما في بنوكها. ولو قالت وزارة التعدين السودانية إن نسبة 80% من الذهب السوداني تم تصديره بطريقة غير قانونية، فإن معظم هذه التجارة تمت عبر أبو ظبي التي تعتبر المركز الرئيسي للذهب الأفريقي غير المرخص.

وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية التي تقف على هامش هذه الشبكة في 6 أيلول/سبتمبر عن فرض عقوبات على عبد الرحيم دقلو “لذبحه المدنيين والقتل العرقي واستخدام العنف الجنسي”. ووضعت وزارة الخارجية الأمريكية الجنرال في قوات الدعم السريع، عبد الرحمن جوما على القائمة السوداء لاختطافه وقتله حاكم غرب دار فور خميس أبكر وشقيقه. ولكن يجب على الولايات المتحدة عمل أمر جدي لاحتواء محمد بن زايد، الرجل في مركز الفوضى هذه. وفي الوقت التي تحتفظ فيه الإمارات بشراكة أمنية قديمة مع واشنطن، فقد تحول بلد بعد آخر للخراب بسبب خططه والمال والسلاح، ولدى كل جماعاته الوكيلة تاريخ في انتهاكات حقوق الإنسان.

 وليس صحيحا أن الإمارات تقصر جهودها على مكافحة الإسلام السياسي. فحلفاء الإمارات في أفغانستان هم شبكة حقاني والتي كانت القوة الفعالة لدى طالبان، وأصبح سراج الدين حقاني، نجل مؤسسها وزيرا للداخلية. وهذه سياسة واقعية مجردة، حيث حاولت أن تجد موطئ قدم لها على الباب من خلال منح الرئيس المؤيد للغرب ملجأ من خمس نجوم بعد سيطرة طالبان. وجاء التحرك الإماراتي لتخفيف تأثير قطر على الجانب المعتدل في حركة طالبان والذي شارك بمعاهدة السلام بالدوحة. وهي تمارس نفس ما فعلت مع حميدتي، فمن خلال واجهات تجارية وشبكات تعود للشتات الأفغاني، لدى شبكة حقاني بنية قوية في الإمارات. وكانت النتيجة هي فوز شركة إعمار إماراتية بعطاء لإدارة مطار كابول بعد انهيار المفاوضات مع تركيا وقطر.

ويقول هيرست إن الثمن الإنساني لحروبه ويعدون بعشرات الآلاف في اليمن والسودان ومصر وليبيا ليس في مدار اهتمام محمد بن زايد. وكل ما يهمه هو استعراض القوة، فهو العنكبوت في مركز شبكة واسعة. وقال إن وعد الرئيس الإماراتي بتغيير سياسته الخارجية من التدخلات العسكرية إلى نشر التأثير من خلال التأثير الاقتصادي لم يكن حقيقيا. فقد فتح كل من اليمن والسودان صدعا في العلاقات بين أبو ظبي والرياض. فقد تجنب رئيس الوزراء وولي العهد السعودي والرئيس الإماراتي الحديث مع بعضهما البعض معظم العام الحالي. واتصل محمد بن سلمان في تموز/يوليو مع بن زايد لتعزيته بوفاة أخيه غير الشقيق سعد بن زايد، كما والتقى الرجلان على هامش قمة العشرين في الهند هذا الشهر وإن بشكل عابر، لكن السلام لم يستعد بينهما.

وزار محمد بن سلمان، عمان مباشرة بعد قمة العشرين، حيث أعلن بعدها عن تقدم في المفاوضات بشأن اليمن وزيارة أول وفد حوثي للرياض. وكان لقاء الهند يهدف لمواجهة الثرثرات على منصات التواصل الاجتماعي بشأن الخلاف بين الرجلين، لكن هذا لم يمنع من تواصل الهجمات المرخص بها. فقد قال محمد الزلفة العضو السابق بمجلس الشورى السعودي إن الإمارات تريد لعب دور أكبر من حجمها و”يبدو أن الإمارات ذهبت بعيدا بمشاريعها وأبعد من قدراتها”.

وهاجم المحلل السياسي السعودي الإمارات بدون تسميتها على منصة إكس، أو تويتر سابقا: “هناك (دولة) تريد خدمة مصالحها على حساب سيادة الدولة اليمنية”. ونشر لاحقا أنه حذف التغريدة بطلب من الإماراتيين والسعوديين.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد نشرت في تموز/يوليو تقريرا عن الخلاف السعودي- الإماراتي. وفي الوقت الذي تتراجع فيه أمريكا في الخليج، تجري معركة على السلطة ومن يملك اليد العليا فيه. ويعيش بن زايد وهما مزدوجا، فلديه ثروة ضخمة ولم تحاول واشنطن حتى الآن فرض قيود عليه. وعلى العكس، فقد أملى بن زايد الخطاب المتعلق بالإسلام السياسي، وطوال العقد الماضي، من خلال شرائه مراكز البحث بالعاصمة الأمريكية، وتصرف بنفس الطريقة التي تتصرف فيها اللوبيات الإسرائيلية في واشنطن لتشكيل الخطاب.

وكان من المأمول أن يقوم الناس في واشنطن والعواصم الأوروبية بالجمع ما بين الاثنين: رصد عدم الاستقرار وحركة النازحين من السودان وليبيا وتونس ومنطقة الساحل نحو جزيرة لامبدوزا. وفي يوم ما ستنتهي اللعبة وعلى الرئيس الإماراتي أن يبادر بقراءة “أوراق الشاي” قبل فوات الأوان، فكما تذكره جارته الكبيرة، فإن مقاطعته هي صغيرة فعلا.

Share this post