الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعرب حقوقيون وناشطون سودانيون، عن صدمتهم، جراء مقاطع مصورة سربتها قوات «الدعم السريع» لمعتقلين في حالة نفسية وصحية سيئة، ادعت الجماعة التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» أنها حررتهم من سجون الجيش في سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم.
وطالب الحقوقيون، بإجراء تحقيق من قبل الجيش حول الواقعة، مشددين على ضرورة التزام طرفي النزاع باتفاقية جدة لحماية المدنيين والقانون والأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان واتفاقيات الحماية من الاختفاء القسري ومنع التعذيب.
وأعلنت «الدعم السريع» أمس الأول، أنها استطاعت «تحرير» عدد من المدنيين الذين احتجزهم «الانقلابيون وفلول النظام البائد» في قيادة سلاح المدرعات في الشجرة.
ونشرت فيديوهات للمعتقلين الذين سردوا قصصا ومآسي تمثلت في تعرضهم للضرب المبرح والتعذيب النفسي والبدني والإهانات العنصرية والحرمان من الطعام والماء والعلاج. وقالوا إن بعضهم لم يتحمل التعذيب وفارق الحياة.
ويشار الى أن إدانات الناشطين لما لحق بـ«معتقلي المدرعات» تضمن كذلك انتقادات شديدة لقوات «حميدتي» التي أشاروا الى أنها تحتجز كذلك آلاف المدنيين الأبرياء وتعرض بعضهم للتعذيب والاستخدام كدروع بشرية في مناطق قصف الطيران الحربي.
يذكر أن القيادي السابق في تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – نورالدين صلاح الدين، كان قد كشف عن تعرضه للتعذيب بعد احتجازه في معتقلات للدعم، وسرد هو الآخر روايات مشابهة عن التعرض للضرب والإهانة والاحتجاز في أماكن مظلمة وغير آدمية.
حاول بعض مؤيدي الجيش التشكيك في صحة الفيديوهات التي نشرتها «الدعم السريع» وذهبوا بأنها تأتي في إطار «الدعاية الحربية» لكن يؤكد مراقبون بأن الواقع الماثل يشير إلى أن هناك معتقلين بالفعل في سجون الجيش من المدنيين بل، وفي أماكن وولايات آمنة خارج نطاق حدود الاشتباكات.
في سياق متصل، انتقدت لجان مقاومة مروي، شمال السودان اعتقال الناشط السياسي الشريف الحامدابي من قبل الجيش، وسط أنباء عن تعرضه للتعذيب. كما أدانت أجسام صحافية وحقوقية اعتقال الصحافي، علي العرش من قبل استخبارات الجيش في ولاية سنار بعد نشر تقرير حول أوضاع النازحين في الولاية.
تعرضوا لإهانات عنصرية وحرمان من الطعام… ودعوات للتحقيق
الناشط والكاتب الصحافي، عمر عشاري، قال في تدوينة على صفحته في «فيسبوك» تعليقا على فيديوهات «معتقلي المدرعات»: «الجيش اعتقل أشخاصا مدنيين لا علاقة لهم بالحرب وكذلك الدعم السريع».
وتابع : إن «الاحصائيات والتتبع العام لهذه الحالات يظهر أن اعتقالات المدنيين من قبل قوات الدعم السريع أكثر بكثير من الاعتقالات من قبل الجيش». وأكد أن «هناك انتهاكات تعرض لها معتقلون لايمكن مغالطتها وكتب عنها أصحابها أنفسهم بعد خروجهم من المعتقل».
ولفت إلى أن «تتبع حالات اعتقال كثيرة واستبيان الشواهد يقود إلى أن قوات حميدتي تقوم بنوع من الاعتقال تنفرد فيه وحدها دون الجيش، وهو الاعتقال بسبب الحصول على فدية مالية». وزاد: «تقوم مجموعات من الدعم السريع باحتجاز أشخاص بعينهم ومطالبة ذويهم بدفع مبالغ مالية نظير إطلاق سراحهم».
وتابع: «تتم عمليات اتصال القصد منها ابتزاز الأسر وتخضع هذه الاتصالات لمفاهيم المساومة المالية على سلامة الأشخاص مقابل المال».
وبين عضو «المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري» عثمان البصري، لـ«القدس العربي»: أن «الفيديوهات المسربة، صادمة ومنافية لكل الأعراف الإنسانية بدءا من اعتقال المدنيين في ظل ظروف الحرب وعدم الالتزام بالعهود الدولية الموقع عليها السودان وبالأخص الاتفاقية الدولية لمنع التعذيب، وصولا إلى المعاناة اللإنسانية وغير اللائقة التي تعرض لها المعتقلون».
وفي العام 2021 وقع السودان على اتفاقيات منع التعذيب وحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، لكن ووفق البصري، هي «غير قابلة للنفاذ لعدم وجود لائحة تنفيذية من رئيس الدولة وعدم تضمينها في داخل القوانين الوطنية».
ونوه بأن «من المفترض أن تكتب الحكومة تقارير تضمن حالات الاختفاء القسري وحالات التعذيب وتتم مراجعته بواسطة اللجان الخاصة بمجلس حقوق الإنسان».
وبين أن «الانتهاك الذي تعرض له معتقلو المدرعات، هو عمل مؤسس وواسع النطاق لأن هناك أنباء عن الاعتقالات من قبل الاستخبارات العسكرية لمدنيين في مناطق كثيرة مثل الصحافي علي العرش في ولاية سنار والشريف الحامدابي في مروي وآخرين».
تلك الانتهاكات «تندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» حسب البصري الذي رأى أن طرفي النزاع «غير متلزمين بالقانون الدولي» موضحا أن «التعذيب الذي حدث في المدرعات تقابله كذلك إفادات من خارجين من معتقلات الدعم السريع تعرضوا لانتهاكات مماثلة». ويحتفظ السودان بسجل مظلم فيما يتعلق بالاختفاء القسري والتعذيب، خاصة أبان النظام السابق، حيث مازالت هناك قائمة مختفين من سياسيين ومثقفين لا يعرف مكانهم حتى الآن.
أواخر أيام الرئيس السابق عمر البشير قتل معلم، يدعى أحمد الخير في ظروف قاسية تحت التعذيب، الأمر الذي أدى بدوره إلى إشعال مزيد من الغضب إبان مواكب وتظاهرات ثورة ديسمبر/كانون الأول التي انتهت بسقوط نظام «الجبهة الإسلامية» في إبريل/نيسان 2019.
أما عن حالات الاختفاء القسري والمفقودين بعد اندلاع الحرب الأخيرة منتصف أبريل/نيسان الماضي، فتقول منظمات حقوقية إن هناك (5) آلاف محتجز مدني في السودان أغلبهم في معتقلات «الدعم». وأكدت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، أنها دونت حتى منتصف يوليو/تموز الماضي (486) بلاغا لحالة اختفاء قسري من بينها (36) فتاة وامرأة.
وبينت أن الإحصائية المرصودة من قبلهم ليست حقيقية ومن المرجح أن تكون الأرقام أكثر من ذلك بكثير، لأن أوضاع الحرب وانقطاع الانترنت والكهرباء لفترات طويلة ونهب هواتف المواطنين أعاق قطاعات كبيرة عن التبليغ لمفقودين ومختفين قسريا.
وبخصوص النساء، سبق أن كشفت مبادرة «مفقود» عن إطلاق سراح نساء وفتيات عبر القوات الخاصة، كن مختطفات من قبل أفراد للدعم ويجبرن على القيام بأعمال تضميد الجراح للمصابين وغسيل ملابس الجنود والقيام بأعمال الطبخ.