الجثث ملقاة في شوارع أمدرمان… والجيش يقرّ بمقتل 6 ضباط استخبارات

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تواصلت المعارك في مدينة أمدرمان غربي العاصمة السودانية الخرطوم الأربعاء بين الجيش وقوات «الدعم السريع» حيث تركزت في نواحي السوق ووسط المدينة، في حين أقر الجيش بمقتل (6) من ضباط جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
ووفق شهود، جثث القتلى من الجنود والمدنيين الذين سقطوا في الاشتباكات العنيفة التي شهدتها أحياء أمدرمان القديمة أمس الأول، ما زالت ملقاة في الطرقات ولم يتم دفنها.
وقالت لجان مقاومة حي ودنوباوي: «ما زالت الجثث في أزقة وشوارع ودنوباوي أمام صيدلية معلم الأجيال في شارع ود البصير ولم تجد من يسترها».
وكشفت في سلسلة تدوينات على صفحتها في «فيسبوك» أن قوات الدعم السريع «استباحت بيوت الحي وروعت السكان عقب انسحاب الجيش» مشيرة إلى نزوح الأهالي إلى مناطق آمنة مع انقطاع تام للكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت.
كذلك اتهمت غرفتا طوارئ أمدرمان القديمة وكرري «الدعم السريع» بقتل وإصابة العشرات من المدنيين جراء القصف العشوائي لقواتها على الأحياء السكنية في المدينة بالتزامن مع تقدم الجيش.
وأصدرتا بيانا مشتركا اكدتا فيه أن قوات الدعم «استباحت حي ود نوباوي وهجرت أهالي المنطقة وألحقت أضراراً بالمرافق الخدمية من كهرباء ومياه وأصبح الوضع كارثياً».
ووفق البيان «قوات حميدتي قامت مساء الثلاثاء، مع تراجع الجيش بنهب وضرب وإهانة أهالي المنطقة، معللين فعلتهم بتبعيتهم للفلول تارة وللاستخبارات العسكرية تارة أخرى، كما طالبتهم بمغادرة منازلهم».

«ثكنة عسكرية»

ونفى البيان اتهام الدعم للجيش باحتلال مستشفى النو و«استخدمه ثكنة عسكرية» مبينا أن ذلك «عار من الصحة وتدليس» واعتبر ذلك «تمهيدا لاستهداف المستشفى الوحيد الذي يقدم الرعاية الصحية في أمدرمان وكرري». وحمل البيان قوات «حميدتي كامل المسؤولية عن أي استهداف يتعرض له المستشفى».
والثلاثاء، شهدت مدينة أمدرمان أكبر مدن العاصمة الخرطوم، اشتباكات هي الأعنف من نوعها وفي مناطق مختلفة من المدينة بعد أن دفع الجيش بتعزيزات عسكرية ضخمة في أولى محاولاته للهجوم منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان.
ووفقا لمراقبين، الجيش في السابق كان يتخذ وضعية الدفاع عن مقاره العسكرية، لكن مع انفتاحه خلال الأيام الماضية في أمدرمان يبدو أنه يستعد لمرحلة جديد، مشيرين الى أن الهجوم على تجمعات الدعم في أمدرمان القديمة يهدف لقطع خط الإمداد عن قوات «حميدتي» المنتشرة في مدينتي الخرطوم وبحري، فضلا عن إتاحة مساحة لحركة الجيش من قاعدة كرري العسكرية شمال المدينة إلى قاعدة المهندسين جنوبا.
وفي غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع في السودان، الأربعاء، سقوط (6) من ضباط جهاز الأمن والمخابرات الوطني في اشتباكات وقعت في أم درمان.
وقالت الوزارة، في بيان على «فيسبوك» إن أشخاصاً آخرين، لم تحدد عددهم، لقوا حتفهم في اشتباكات معركة الكرامة مع ميليشيا التمرد، وفق تعبيرها.
وكانت قوات الدعم أعلنت، الثلاثاء، أنها قتلت 174 عنصراً من قوات الجيش في الاشتباكات الدائرة في مدينة أم درمان في ولاية الخرطوم، لكن الجيش السوداني أكد إنزال «خسائر كبيرة» بعناصر الدعم.
المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، قال إن قوات الجيش في أم درمان نفذت عملية تمشيط واسعة شملت مناطق أم درمان القديمة والشهداء وسوق أم درمان حتى استاد الهلال وود البشير وخور أبو عنجة جنوباً، وكبدت قوات الدعم خسائر كبيرة تضمنت مئات القتلى والجرحى وعددا من المقبوض عليهم.
ونشر الجيش مقطع فيديو على «فيسبوك» تظهر فيه فرقة خاصة تابعة لها، وقالت إن قواتها في أم درمان تواصل عملية التمشيط.

تحذير أممي من اتساع نطاق الحرب ليشمل كل السودان

يشار أن جبهات القتال في جنوب الخرطوم في محيط سلاح المدرعات، شهدت هدوءا حذرا في ظل تحليق مستمر لطائرات الاستطلاع التابعة للجيش، فيما تواترت أنباء عن معارك محدودة في بحري وقصف لمدفعية الجيش وغارات للطيران المسير على تجمعات الدعم السريع في بري والرياض والطائف شرق الخرطوم، مع سماع دوي إطلاق المضادات الأرضية.
كذلك، أفادت مصادر لـ «القدس العربي» بهدوء الأحوال في مدينة زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور، الأربعاء، بعد معارك شرسة دارت خارج أسوار قيادة الفرقة (21) أمس الأول استطاع الجيش بعدها التقدم لأول مرة حتى سوق المدينة.
إلى ذلك، قال عبد الله في تصريحات لقناة «الجزيرة» إن الفرقة (21) في زالنجي في وسط دارفور تطرد الدعم خارج المدينة.
ومنذ منتصف نيسان/أبريل، يشهد السودان معارك ضارية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ «حميدتي» بسبب خلاف حول قضايا الدمج والإصلاح الأمني والعسكري واتهام كل منهما الآخر بالاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.

خلاف «حميدتي» والبرهان

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، أن الخلاف بين الرجلين كان حول التوافق على القيادة المشتركة، وكيفية دمج الجيش والدعم السريع في جيش واحد على المدى المتوسط.
وقال إن الدمج كان سيقلص من قوة «حميدتي» وقد أدى ذلك بكل تأكيد لوصول الصراع إلى ذروته، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع مبنية ومهيكلة مثل جيش خاص أو ميليشيا تقودها عائلة دقلو من دارفور.
وأضاف: أن الأمر في النهاية كان يتعلق بالسلطة، فالنسبة لحميدتي كان احتمال فقدانه لقواته في مرحلة ما من العملية تهديدا، بينما كان واضحا لقيادة الجيش أن استقلالية قوات الدعم السريع ستقوض مبدأ الجيش القومي الموحد».
وأجاب ردا على سؤال عن مدى تواصله مع الجنرالين المتحاربين، قائلا:»بعض الأحيان يرفض أحدهم تلقي مكالمتنا وفي أحيان أخرى يتصل أحدهم من تلقاء نفسه ليدحض شائعة وفاته على سبيل المثال».
وأوضح المبعوث الأممي أنه بعد مرور أشهر على الصراع ما زال الطرفان المتحاربان مقتنعين بإمكانية الفوز عسكريا.
وحذر من أن يتحول القتال بين المجموعتين العسكريتين الى»حرب أهلية تقوم على أساس الإثنية والأيديولوجيا». ودعا الفاعلين الدوليين والإقليميين للعمل معا لحث الأطراف المتحاربة لإنهاء القتال والامنتاع عن تقويتهم عسكريا.
في الموازاة، عقد مجلس الأمن الدولي أمس جلسة خاصة لمناقشة تطورات الأوضاع في السودان، حيث حذرت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، من أن نطاق الحرب في السودان قد يتسع ليشمل البلاد بالكامل.
وقالت إن طرفي الحرب لا يحققان أي انتصار يذكر في الصراع. وشددت على ضرورة «التنسيق بين الآليات والمبادرات الإقليمية لحل النزاع في السودان».
كما أكدت أنهم يريدون وقفا فوريا للقتال، لافتة الى أن طرفي النزاع في السودان لا يلتزمان بأي هدن إنسانية، وأن الهجمات العشوائية والمقصودة أحيانا ما زالت مستمرة في الخرطوم.
وأشارت الى أن تبعات القتال في السودان تنعكس بشكل أساسي على الشعب، قائلة إن الوضع الأمني في جنوب كردفان ما زال هشا، بينما يعود القتال في دارفور لمرحلة العنف القبلي.
ورحب مندوب بريطانيا في مجلس الأمن بقرار بقرار مدعي المحكمة الجنائية ببدء التحقيق الفوري في الانتهاكات في السودان، لافتا الى أن هناك أدلة دامغة على انتهاكات ترقى لجرائم حرب من الطرفين في السودان.
فيما أكدت ممثلة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة السفيرة، ليندا توماس غرينفيلد، أن الوضع في السودان يستحق اهتماماً فورياً من مجلس الأمن، وينبغي أن يعرف الشعب السوداني أننا لم ننسه في خضم هذا الصراع الذي يطول فيه أمد المعاناة الإنسانية.
وأضافت: «نأمل أن يسلط هذا الاجتماع الضوء على دعوة المجتمع الدولي للأطراف المتحاربة حتى تضع حدًا فورياً للقتال، وتحترم التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وتحترم حقوق الإنسان، وتتيح الوصول الإنساني دون عوائق بغرض تلبية احتياجات المدنيين الطارئة».
وتابعت: «ندين بأشد العبارات، أعمال العنف الدائرة في دارفور، وبخاصة التقارير التي تتحدث عن عمليات القتل العرقي وأعمال العنف الجنسي واسعة النطاق على يد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها».
ويأتي ذلك في وقت جددت فيه روسيا عدم قبولها بأي تدخل خارجي في الشأن السوداني، قاطعة بأن نجاح مبادرات إنهاء الأزمة في السودان يعتمد على حياديتها.
وفي سياق مختلف، أصدر وزير التربية والتعليم المكلف، محمود سر الختم الحوري، الأربعاء، قرارا بإلغاء امتحانات الشهادة الابتدائية في جميع الولايات التي تأثرت بظروف الحرب على أن ينقل جميع تلاميذ الصف السادس الى المرحلة المتوسطة مباشرة.
وقضى القرار أيضا بإلغاء جميع امتحانات النقل النهائي في مراحل التعليم الثلاث الابتدائي والمتوسط والثانوي في جميع الولايات المتأثرة بظروف الحرب. ووجه الوزير جميع جهات الاختصاص لتنفيذ القرار اعتبارا من تاريخ صدوره.

Share this post