تنديد بتأخر صرف مرتبات القطاع الحكومي السوداني لأربعة أشهر 

لخرطوم ـ: نددت لجنة المعلمين السودانيين، الإثنين، بتأخر صرف مرتبات العاملين في الدولة لمدة أربعة أشهر، واصفة ذلك بـ «الجريمة» ضد العاملين في القطاع العام وأسرهم، التي تواجه أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد، تفاقمت منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
ودعت المعلمين والعاملين بأجر إلى «الاستعداد ورص الصفوف لمناهضة عدم صرف المرتبات» مطالبة المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالعمال وحقوق الإنسان بـ «دعم العاملين ضد قرار الحكومة وتجاهلها لحقهم في الحياة الكريمة».
وشهدت الأشهر التي سبقت الحرب احتجاجات وإضرابات مطلبية واسعة في عدد من القطاعات المهنية، أبرزها المعلمون، بسبب الغلاء المعيشي وضعف الأجور.
ووفق اللجنة فإن «العاملين في القطاع العام دفعوا ثمن تقاعس الحكومة عن دفع مرتبات الأشهر الأربعة الماضية (جوعا ومرضا) وتساقطت كل محاولات التماسك التي ظل العامل يحاول عبرها سد ثغرة عدم صرف الراتب وتجاهل الدولة».
واستنكرت التضارب في التصريحات التي تدلي بها الجهات المسؤولة عن صرف المرتبات، فيما وصفتها بـ «حكومة الأمر الواقع» معتبرة ذلك تأكيدا على إصرار الحكومة على القرار الذي صدر منذ بداية الحرب بعدم صرف المرتبات إلا للأجهزة الأمنية أثناء الحرب.
وطالبت السلطات بشرح رؤيتها للإطار الزمني للحرب، وكيفية مجابهة العاملين في الدولة متطلبات الحياة، دون صرف الأجور، في ظل الأوضاع الراهنة بالغة التعقيد.
وشددت على رفضها الشديد لحرمان العاملين من حق أصيل أقرته كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها السودان، محملة السلطات أي نتائج تحدث للعاملين بسبب هذا القرار «الكارثي» وأكدت تصميمها على مناهضته بشتى الوسائل السلمية المجربة.
وقالت إن المتضرر من هذه الحرب التي تدخل شهرها الرابع، هم المواطنون الذين ذاقوا كل صنوف العذاب، في ظل تجاهل الحكومة، وتصاعد انتهاكات الجنود من سحل واغتصاب وتعذيب، واعتقالات وتشريد، واحتلال للمساكن، ونهب للممتلكات.
ولم يقتصر تأخر صرف مرتبات العاملين في القطاع الحكومي، داخل المدن المتأثرة بالحرب فقط، وإنما في كافة أنحاء البلاد، مما تسبب في تعثر أوضاع مئات الآلاف من الأسر السودانية، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة السوء، زادت شدتها مع تفاقم آثار الحرب على معاش المواطنين.

«مسلك قبيح»

وعلى خلفية احتجاجه على تأخر الأجور، قامت الأجهزة الأمنية في ولاية البحر الأحمر، الخميس الماضي باعتقال عضو المكتب التنفيذي للجنة معلمي ولاية البحر الأحمر محمد جعفر إبراهيم، بعد توجيهه رسالة لحكومة الولاية، استنكر خلالها تأخر صرف الاستحقاقات المالية من مرتبات ومنحة العيدين.
الأمر الذي اعتبرته لجنة المعلمين محاولة لتكميم الأفواه عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، واصفة ما حدث بـ «المسلك القبيح» في ظل المعاناة وهضم الحقوق وتردي الأوضاع التي يعاني منها المعلمون.
ويبلغ عدد العاملين في القطاع العام نحو مليون شخص، حسب إحصائية لوزارة التنمية الاجتماعية السودانية في عام 2019، بينهم أكثر من 300 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر مارس/ آذار الماضي.
وكان وزير المالية والتخطيط الإقتصادي جبريل إبراهيم قد أعلن في 6 مايو/ آيار الماضي، خلال اجتماع مع ولاة ووزراء مالية الحكومات الولائية، عن ترتيبات لتحويل استحقاقات الولايات لصرف مرتبات العاملين بالتنسيق مع بنك السودان المركزي لتشغيل المقاصة في البنوك، إلا أن تلك الترتيبات لا تزال تراوح مكانها. ومنذ اندلاع الحرب بين الأطراف العسكرية توقفت أجور العاملين في القطاع الحكومي، ما عدا العسكريين، فيما أشارت لجنة المعلمين إلى قرار غير معلن، بإيقاف صرف المرتبات، إلا لكوادر القوات النظامية، إلا أنه لم يعلن بشكل رسمي حتى الآن، في ظل وعود حكومية بحل الأزمة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 انخرط المعلمون في جميع أنحاء البلاد في إضراب استمر لأشهر، مطالبين بإصلاح قطاع التعليم ورفع الحد الأدنى للأجور التنفيذ الكامل والفوري لقراري مجلس الوزراء 363 لسنة 2021 و 380 لسنة 2022 الخاص بتوحيد الهيكل الراتبي، فضلا عن تعديل العلاوات ذات القيمة الثابتة بما يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ومطلع العام الجاري، أعلن المعلمون رفع الإضراب بعد تلقيهم وعودت بتحسين الأجور خلال اجتماع مع المجلس السيادي، إلا أنهم عادوا وجددوا الإضراب، مستنكرين عدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها.
وتتواصل معاناة المعلمين الذين يعانون بالأساس من ضعف المرتبات وتردي بيئة العمل، في ظل استمرار تأخر صرف المرتبات، والذين ما زال الكثير منهم عالقين في مناطق الحرب.

ظروف صعبة

وفي السياق، قالت المعلمة «درية أحمد» لـ«القدس العربي» إنها وزوجها يعملان في قطاع التعليم منذ أكثر من 20 عاما، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لكن كانت الحياة تمضي على أي حال، وأنهم استطاعا على الرغم من تحديات الحياة تربية وتعليم أبنائهما الثلاثة الذين يدرسون في مراحل دراسية مختلفة، إلا أنهم عالقون في الخرطوم منذ اندلاع الحرب بلا رواتب، بينما نفدت مدخراتهما القليلة.
وأضافت: منزلنا محاصر، وقصف عدد من المرافق المدنية والبيوت حولنا، سقط الرصاص داخل فناء منزلنا عدة مرات، ولكننا لا نستطيع الخروج إلى مدينة أخرى، ولا نملك حتى قوت يومنا، كان يساعدنا بعض الجيران، إلا أن الحي أصبح خاليا، في ظل تصاعد المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع وانتشار العصابات والمتفلتين.
أما ثريا الإمام المعلمة في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة والتي تعد من المدن الآمنة نسبيا، وشهدت نزوح مئات الآلاف من الفارين من ويلات الحرب في العاصمة، فقالت لـ« القدس العربي» إنها، فضلا عن مصروفات عائلتها المكونة من 5 أفراد، تستضيف في منزلها ثلاثة أسر من أقاربها الذين نزحوا من الخرطوم. بينما لم تتلق هي وزوجها العاملان في مؤسسة حكومية مرموقة، مرتباتهما لأربعة أشهر. ولفتت إلى الضغوطات الاقتصادية التي تواجههم والكثير من أسر الموظفين في القطاع الحكومي في المدينة، والذين أصبحوا عاجزين عن إطعام وعلاج أطفالهم.

Share this post