التايمز: الدول الأوروبية تتطلع لاستغلال تمرد فاغنر واستعادة التأثير في أفريقيا

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسليها فريد هارتر ومارك  بنيتس وماكسيم تاكر، قالا فيه إن الاتحاد الأوروبي يأمل الاستفادة من مشاكل مرتزقة فاغنر بعد العصيان الفاشل ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وملء الفراغ في أفريقيا حيث ينشط المرتزقة في أكثر من دولة.

وقال الكتّاب، إن الدول الأوروبية ستحاول استهداف التأثير الروسي في أفريقيا بعد التمرد الفاشل الذي أثار أسئلة حول مستقبل فاغنر في القارة. وقامت مجموعة بريغوجين بتدريب الجيوش المحلية، وشاركت في مواجهة المتمردين نيابة عن الأنظمة المستبدة منذ وصول المرتزقة قبل عدة سنوات. وسمح وجودها الغامض وسمعتها في الممارسات الوحشية للكرملين بمواصلة أهداف السياسة الخارجية وبأقل ثمن، حيث منحت الشركة لموسكو عباءة من الإنكار.

ولدى فاغنر آلاف المقاتلين من أصحاب الخبرة في أفريقيا، معظمهم في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. وقالت سفيرة الاتحاد الأوروبي للاتحاد الأفريقي بريجيت ماركوسين، إن الغموض الذي يحيط بمستقبل فاغنر فتح نافذة للدول الأوروبية كي تتواصل مع دول مثل مالي، إذا بقي بريغوجين في بيلاروسيا و”منقطعا” عن مقاتليه.

وقالت: “مضت أيام قليلة ولا يزال التحليل مستمرا. ولكننا ننظر بعد أحداث نهاية الأسبوع لوضع فاغنر وماذا يعني أن تكون ضعيفة”.

وأضافت في حديث مع الصحيفة: “هذا يعني أنه سيضع ضغطا على الدول التي تعمل فيها، وماذا ستقدم لها”. وصلت فاغنر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2018 وساعدت الرئيس فوستين أرشانج تواديرا على محاربة المتمردين ضد الحكومة، حيث كافأ الشركة بمنحها حقوق قطع الأخشاب من الغابات والتنقيب عن الذهب والماس.

وفتحت الشركة فرعا لها في مالي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2021، حيث عقدت صفقة معها لمحاربة المتطرفين الإسلاميين نيابة عن النظام العسكري في باماكو. واتُهمت فاغنر بارتكاب جرائم تعذيب واغتصاب وقتل للمدنيين في كلا البلدين. وقال مسؤول أمني أوروبي: “تنظر الدول الأوروبية إلى هذا بأنه فرصة لاستعادة التأثير” في القارة.

واعتمدت علاقة روسيا مع القارة على تدفق السلاح والمعدات للشركاء الأفارقة والتي تم نقلها عبر المرتزقة. إلا أن المحللين يعتقدون أن دور فاغنر في أفريقيا مهم لروسيا ولا يمكن للكرملين التخلي عنه. وقالت جوانا دي دويس بريرا، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة: “سيتم إعادة تشكيل فاغنر وستستمر عملياتها، لأن أفريقيا هي واحدة من أولويات روسيا، وليس فقط لدعم الحرب، ولكن الكلفة غير المباشرة التي تكبدتها روسيا نتيجة للحرب.

وقالت: “هناك استراتيجية متكاملة مرتبطة بالشركات التي تعمل مع بريغوجين والدولة الروسية وتدير عمليات في أفريقيا، وليس تلك المرتبطة بالعمليات الأمنية. وهناك آلة كاملة تربط المؤثرين الأفارقة ببريغوجين من أجل تسويق روسيا في أفريقيا. وهذا نظام بيئي حي سينمو باستمرار ولكن باسم آخر”.

وتعتبر ليبيا، أكبر وأهم عملية لفاغنر، حيث ينتشر فيها حوالي 1400 مقاتلا للإيجار، يقاتلون منذ 2018 نيابة عن أمير الحرب خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد. ولدى فاغنر تأثير واسع في السودان حيث تسيطر على مناجم الذهب هناك.

وساعدت عملياتها على تقوية الدعم في الأمم المتحدة لموسكو بعد غزوها لأوكرانيا. فقد صوتت الدول الأفريقية التي تتنتشر فيها عمليات فاغنر مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لصالح روسيا في القرارات المهمة. في المقابل، حمت موسكو تلك الدول باستخدامها الفيتو في مجلس الأمن.

وقال كاميرون هدسون، المسؤول السابق في سي آي إيه: “هناك نوع من التشويش على المدى القريب، وقد يكون معطلا لهذه الدول التي تعتمد على فاغنر” مستدركا أن “هذا قد يفتح  فرصة للغرب كي لا تعود تلك الدول للاعتماد على هذه الجماعة لتحقيق الاستقرار أو اليقين، وربما كانت واشنطن ذكية بالقدر الكافي لكي تقدم هذا المبرر الآن”.

وفي يوم الثلاثاء، فرضت إدارة بايدن عقوبات على فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، قائلة إن هذا لاعلاقة له بتمردها في روسيا. وقال متحدث باسم الكرملين، إن اهتمامات  فاغنر التجارية في أفريقيا لا تهمه. في وقت أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن مصالح فاغنر لن تتأثر في دول أفريقيا، وأنها ستواصل تلقي “تعليمات” الكرملين، مضيفا أنه لا توجد أدلة على إعادة هذه الدول النظر في علاقاتها مع موسكو.

وانسحبت فرنسا من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، المستعمرتان السابقتان لها. واتهم لافروف باريس بأنها تخلت عن البلدين، وتركتهما تحت تأثير التطرف الإسلامي. كما تحضر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للانسحاب من مالي بنهاية هذا العام. وقاد تمرد فاغنر عددا من دول أفريقيا لإعادة النظر في علاقتها مع الشركة التي استقبلها رؤساء هذه الدول لتوفير الأمن.

ويقول أليكس فاينز، محلل شؤون أفريقيا في تشاتام هاوس: “بالتأكيد ستبذر بعض الشك حول قوة روسيا على المدى البعيد.. تظل مجموعة عسكرية عاثت فسادا في بلدها غير جذابة لحكومات أفريقيا”.

وقال مسؤول أمني بارز في الاتحاد الافريقي إن حكومتي مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى “ليستا قلقتين مثل الغرب” حول تداعيات العصيان في روسيا. ولا يرغب بوتين في خسارة قوة فاغنر لا في أوكرانيا أو أفريقيا، ومن هنا قد يتم إعادة تشكيل القوة تحت اسم وزعيم جديد.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مسؤولي وزارة الخارجية الروسية اتصلوا مع الرئيس تواديرا، وأكدوا له أن ما حدث لن يؤثر على ترتيبات العلاقة معه، خاصة أن حرسه يضمون مرتزقة فاغنر. وسافرت طائرات روسية عسكرية إلى جمهورية أفريقيا الوسطى بحسب بيانات الطيران.

ويتحدث المسؤولون في أوروبا عن سيناريو آخر يتدفق فيه مقاتلو الشركة على القارة بعد رفضهم القتال في أوكرانيا، واتخاذ بريغوجين بيلاروسيا مركزا له، بشكل يترك أثره على القارة واستقرارها. وهناك تقارير غير مؤكدة، تقول إن بريغوجين الذي طار بطائرته الخاصة إلى بيلاروسيا، موجود الآن في موسكو بعدما سافرت طائرته مرة أخرى من مينسك.

Share this post