عيد الأضحى في العالم العربي “بهجة باهتة” وسط أزمات اقتصادية وسياسية

لكل بلد عربي عادات وتقاليد مميزة في عيد الأضحى دأب المواطنون على إحيائها منذ سنوات طويلة، لكن هذا العام ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية والإقليمية، وما رافقها من تعقيدات سياسية وأمنية في بعض الدول العربية، تتشارك معظم دول العالم العربي بالشعور بضرورة الاقتصاد والتوفير على حساب بعض العادات، كشراء الأضاحي مثلا، مقابل أمور أكثر أهمية مثل إسعاد الأطفال والسعي للحصول على بعض الفرح.  

لم تكن فرحة عيد الأضحى تضاهيها أي فرحة أخرى، فغالبا ما كانت المدن والقرى والأحياء تتحضر لهذه المناسبة قبل أسابيع من موعدها. زينة في الشوارع وأجواء من البهجة في الأسواق، فرح البائعين والمستهلكين متساو، كل يحصل على مبتغاه وبالنهاية يردد على مسامع الآخر “كل عام وأنتم بخير”. للعيد أثر خاص على الأطفال، فعدا عن الملابس الجديدة، ينتظر هؤلاء صباح العيد بفارغ الصبر لينالوا من الحلوى والعيديات نصيبا معتبرا، ولينزلوا لاحقا إلى الحي يتباهوا أمام أصدقائهم بملابسهم الجديدة قبل أن ينغمسوا بأدوار لعب لا ينتهي. 

فرح وهرج ومرج وضحكات، فضلا عن روائح الأطباق الزكية التي كانت تنهمك العائلات بتحضيرها منذ الصباح استعدادا للوجبة الأهم ربما في العام كله، غداء العيد. تتبادل الأسر الزيارات والأمنيات والأفكار والخطط للقادم من الأيام. 

هذا ما كان يبدو العيد عليه في السابق، أما اليوم للأسف باتت الصورة باهتة نسبيا في بعض الدول العربية. أزمات اقتصادية، سياسية وأمنية، غلاء في الأسعار، بطالة، انعدام للاستقرار… وقس على ما سبق من هموم غزت عقل المواطن العربي حتى سلبته فرحة العيد. 

لبنان.. “أشتاق لفرحة ما قبل العيد” 

لبنان، بلاد الأرز والسياحة، يعاني من أزمة اقتصادية خانقة شلت مرافقه الحيوية ورفعت مستويات البطالة والفقر وأفقدت العملة الوطنية قيمتها. منظمات محلية ودولية، وحتى الأمم المتحدة، قدرت أن أكثر من 70% من المقيمين على الأراضي اللبنانية هم تحت خط الفقر. في هذا الواقع، كيف أطل العيد على اللبنانيين واللاجئين المقيمين في لبنان؟ 

يونس يونس، لاجئ فلسطيني مقيم في أحد المخيمات في العاصمة بيروت، اعتبر أنه منذ سنوات “فقد العيد معناه الاجتماعي، وبقيت طقوسه الدينية، صلاة العيد وزيارة القبور. ما عاد هناك قدرة على إحياء الطقوس التي نشأنا عليها، لم يعد بإمكاني أنا، والآلاف غيري، شراء الملابس الجديدة لأطفالنا وإعطائهم النقود ليشتروا المفرقعات النارية. كل هذا بات ترفا بعيد المنال بالنسبة لي لا أستطيع تأمينه”. 

 ويختم بحسرة “أخشى أن أولادي لن يتمكنوا من عيش تجربة العيد كما عشناها نحن. أخشى أن يتحول الفرح إلى ترف لن نتمكن من توفيره في يوم ما”. 

أما عفيفة، وهي لبنانية مقيمة في منطقة البسطة في بيروت، فاعتبرت أن “بهجة العيد بهتت، أشتاق للفرح الذي كان يطغى علينا قبيل العيد. عندما كنا صغارا، كنا ننام بملابس العيد كي نصحو جاهزين لتلقي العيديات والحلوى ثم الانطلاق لللعب في الحي. كنا ننتظر زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء ليغص المنزل بالناس، وتبدأ بعدها أطباق الطعام بغزو المائدة. كان والدي حريصا على تطبيق طقس الأضحية سنويا، بعد الصلاة كان يرجع للمنزل محملا بالأطايب. لم نفكر في حينه بالصعوبات المادية أو الاقتصادية، كانت الحياة يسيرة وجميلة. كل ما أتمناه أن يحظى أولادي ببعض من ذلك الفرح”. 

تونس.. الأزمة الاقتصادية والهجرة 

أحمد بلعيد، تونسي مقيم في فرنسا منذ خمسة أعوام، دأب على إحياء العادات التي نشأ عليها في منزل أهله في تونس، خاصة عادات وتقاليد عيد الأضحى. يقول “أصعب مهمة بالنسبة لي هي نقل روح ومعنى العيد لأولادي في فرنسا، فهنا لا يمكن ممارسة طقوس العيد بالطريقة التي اعتدت عليها في تونس. مع ذلك، أحرص على تمضية هذه الفترة مع أقارب وأصدقاء هنا، نحاول قدر المستطاع نقل العيد لأولادنا. هذا العام سيحضر أقارب لنا إلى منزلنا، سنقيم حفلا كبيرا، وأعددنا الدوارة (أحشاء الخروف) والكمونية (اللحم والكبدة)”. ليتحسر لاحقا على الوضع في تونس بقوله “للأسف لا يمكن القول بأن الأهل في تونس يعيشون نفس الحالة. الوضع الاقتصادي ألقى بظلال كئيبة على العيد هناك. فأهلي لم يتمكنوا من شراء الأضحية، وأمي لم تتمكن، كعادتها كل عيد، من تحضير طبق الكسكسي الذي اعتادت أن تجمع حوله العائلة القريبة والبعيدة فيما مضى”. 

أما مهى، وهي طالبة في إحدى جامعات باريس، فاعتبرت أن “العيد هذا العام في تونس يختلف عن الأعوام السابقة. حتى خلال الحراك السياسي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الماضية، بقي للعيد نكهته الخاصة وعاداته التي لم تهتز. لكن هذا العام الوضع مختلف، لا اجتماع للعائلة ولا غداء تقليدي. ستكتفي عائلتي بتونس بالزيارات الرسمية. حتى اللمات والنقاشات العائلية التي كانت تجري قبيل يوم العيد اختفت، وحلت مكانها أحاديث السياسة والمستقبل والهجرة، وإحياء ذكرى أقارب لنا قضوا في غرق أحد القوارب التي انطلقت من جرجيس باتجاه أوروبا قبل بضعة أشهر”. 

السودان.. الحرب والاقتصاد والكوارث الطبيعية 

سلبت الحرب الدائرة في السودان الأمن والأمان من أهلها، وفقدوا معها الإحساس بفرحة العيد. لا ملابس جديدة ولا حاجيات خاصة ولا أسواق. فإلى جانب أصوات القنابل والرصاص، يعيش السودانيون على وقع أزمة غلاء غير مسبوقة وشح في المواد والسلع الأساسية. إضافة إلى كل ذلك، تضرر قطاع الخدمات العامة بشكل كبير، ما أدى إلى انقطاع للتيار الكهربائي وللمياه. 

تقارير عدة للأمم المتحدة حذرت من تفاقم الأوضاع هناك، واعتبرت أن الاحتياجات الإنسانية وصلت إلى ذروتها، مقدرة الحاجة لمئات الملايين من الدولارات للمساهمة في مساعدة الناس. التقارير الأممية أوردت أيضا أن الحرب ليست وحدها ما يتربص بالسودانيين، فهناك أيضا مخاوف من انتشار للأمراض (تضرر القطاع الصحي بشكل كبير) والمخاوف من الكوارث الطبيعية وآثار التغير المناخي على البلاد والتدهور الاقتصادي.

ويعاني الاقتصاد السوداني من نسب تضخم مرتفعة للغاية ومستمرة، بلغت 154,9% العام الماضي، مقارنة بـ 359,1% في 2021 (تخطت عتبة 400% منتصف 2021). 

فضلا عن ذلك، تأتي أزمة مئات الآلاف من النازحين والمشردين واللاجئين، بفعل الأعمال العسكرية الدائرة في البلاد، والمجازر وأعمال القتل التي انتشرت في بعض المناطق (دارفور مثلا)، لتسلب السودانيين أي شعور بالفرحة المفترضة للعيد. 

العيد بالنسبة للفلسطينيين “مساحة للفرح بمواجهة القهر” 

تشترك فلسطين مع الدول العربية الأخرى بالمعاناة نتيجة ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار المواد الأساسية. هذا انعكس بشكل مباشر على استعدادات العائلات لقدوم عيد الأضحى، حيث استغنى الكثيرون، خاصة من ذوي الدخل المحدود، عن بعض العادات كصناعة الحلويات أو حتى شراء الملابس الجديدة للأطفال، ناهيك عن شراء الأضاحي. 

بالنسبة لعماد، أحد سكان مدينة جنين، للأضحى هذا العام “نكهات متضادة ومتداخلة. فمن جهة نعاني الأمرين لتأمين قوت يومنا وتوفير الأساسيات لأطفالنا، خاصة في العيد حيث نسعى لاستغلال هذه الفترة لنضفي بعض الفرح عليهم بسبب الظروف التي نحيا بها. أما من جهة أخرى، هناك دأب من كل المحيطين بي، الجيران والأقارب والمعارف، على إحياء العيد بكافة شروطه وعاداته، خاصة بعد ما مرت به المدينة مؤخرا من اقتحامات متتالية للجيش الإسرائيلي التي أدت إلى سقوط ضحايا”. 

وفقا لعماد، “بات العيد مساحة مشتركة للتعبير عن الفرح، ربما بهستيريا زائدة، لنعوض عن بعض القهر الذي نعيشه يوميا على الحواجز العسكرية وأثناء اقتحامات المدينة”. 

أما سليمان، أحد سكان محافظة رام الله، فأكد أن الأسعار هذا العام شهدت ارتفاعا “غير مسبوق، خاصة بأسعار المواد الغذائية”. واعتبر الأستاذ المدرسي أن الغلاء يمكن أن يعود لعوامل كثيرة، ربما على رأسها الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الأعلاف والحبوب بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن أيضا بسبب الضرائب التي تفرضها السلطة الفلسطينية على التجار وفشلها في مكافحة المضاربات بالسوق السوداء”. 

مصر.. “نحن بحاجة للفرح” 

مصر بدورها ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية وغلاء معيشي وركود في الأسواق، انعكست جميعها على ظروف واستعدادات المصريين لإحياء طقوس عيد الأضحى. فمع اتساع الفجوة بين المداخيل وأسعار السلع، يلجأ العديد إلى محاولة تغيير بعض من تلك العادات دون أن يمس بالجوهر الحقيقي للعيد. 

بالنسبة لحسنين، أحد سكان القاهرة، “للمرة الأولى منذ زواجي قررت التخلي عن عادة شراء أضحية وتوزيع لحمها على المحتاجين، فالأسعار مرتفعة للغاية وأنا لم أعد أقوى على مجاراة الغلاء بمعاشي المتواضع. الكثير من الجيران والأصدقاء والأقارب حذو حذوي، ربما نكون قد تخلينا عن إحدى السنن النبوية لهذا العيد، لكن في المقابل سنحاول الاحتفاء بالأضحى بكل ما أوتينا، من أجل الأطفال أولا ومن أجلنا ثانيا، فنحن بحاجة للفرح في ظل هذه الظروف التي نمر بها”. 

أما هناء، وهي ربة منزل من سكان الدقهلية، فاعتبرت أن “واجب إسعاد الأطفال في العيد أساسي، فليس ذنبهم أن الأسعار مرتفعة وهناك أزمة اقتصادية. هذا العام قررت وزوجي أن نقتصد بمشترياتنا، حتى أننا لن نقيم غداء العيد للعائلة كما اعتدنا في الماضي، أفضل أن أحول ما أستطيعه لأطفالي ليتمكنوا من الفرح قليلا”. 

هكذا وفي ظل غلاء المعيشة ومختلف الأزمات لا سيما السياسة والأمنية، يواجه مواطنو أغلب البلدان العربية هذا العام صعوبات في الاحتفال بعيد الأضحى بارتياح وبهجة كما جرت العادة، فهل تتغير الأوضاع في المستقبل لتحمي طقوس بعض العادات العربية من الاندثار؟

Share this post