“حرب النفس الطويل” الجنرالين يدفعان نحو إطالة أمد الحرب

لا يبدو أن الأزمة السودانية تسير نحو حل قريب، فالجيش وقوات الدعم السريع يكثفان القتال الذي بدأت تشارك فيه قبائل من الأقاليم الداخلية، ما يعني أن الطرفين ينتهجان سياسة النفس الطويل التي لن تحسم الصراع لصالح أي منهما، بل ستقودهما إلى طاولة مفاوضات جديدة.

صحيفة العرب لندن – تتسع دائرة القتال في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتنحسر أحيانا حسب المقتضيات العسكرية لكل طرف.

ولا يزال دوي القصف المدفعي يهز أرجاء العاصمة السودانية وبعض المناطق الأخرى، حيث يتواصل القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع وسط تبادل اتهامات بين الطرفين بارتكاب انتهاكات في حق المدنيين.

ومنذ اندلاع الاشتباكات منتصف أبريل الماضي، بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، انحصر القتال في العاصمة الخرطوم ومدن في كردفان (3 ولايات) ودارفور (5 ولايات).

القتال أجج الصراع القبلي في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، التي شهدت معارك خلال الأيام الماضية

وخلّفت الاشتباكات المئات من القتلى والآلاف من الجرحى بين المدنيين، بينما تواصل وساطات إقليمية ودولية محاولات التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وتبادل طرفا النزاع الاتهامات الأربعاء في بيانين بارتكاب انتهاكات في حق المدنيين، إذ اتهم الجيش قوات الدعم السريع بـ”استغلال الهدنة في تحشيد قواتها وارتكاب عدة انتهاكات بحق المدنيين”، من دون المزيد من التفاصيل.

وردت قوات الدعم السريع في بيان اتهمت فيه الجيش بـ”فبركة مقطع فيديو قالوا إنه لعملية اغتصاب ومحاولة إلصاق هذا الفعل الشنيع بقواتنا”.

وأضافت “من الواضح أن الذين قاموا بهذا الفعل الشنيع لم يستطيعوا إخفاء معالم مهمة أثبتت إدانتهم، حيث ظهر أحد الممثلين غير المهرة في كامل زي قوات الفلول والانقلابيين”، في إشارة إلى زي الجيش السوداني.

امتدادات المعارك

 

وضع السلاح ليس بالخيار المطروح

 

بحسب المراقبين، فإن القتال في الخرطوم جاء بدافع السيطرة على المواقع الإستراتيجية ومعسكرات ومقار القوات والجسور ومداخل العاصمة الخرطوم.

وأدى هذا إلى انتشار الاشتباكات على نطاق واسع في مدن العاصمة الثلاث “الخرطوم وبحري وأم درمان”، باعتبار أن هذه الأهداف العسكرية تتوزع على مساحات واسعة بالعاصمة، حيث إن المواقع التي يتقاتل عليها الطرفان تتوزع في وسط وجنوب وشرق الخرطوم، وشمال وشرق مدينة بحري، وشمال وغرب وجنوب أم درمان.

وهذا الوضع المعقد زاد من حدة المعارك بين الجيش والدعم السريع وجعل تأثيرها وضررها كبيرين على سكان العاصمة الذين فروا بمئات آلاف.

وفي الأيام القليلة الماضية دخل إقليم كردفان بولاياته الثلاث إلى القتال بشكل كبير، وشهدت مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان قتالا عنيفا.

وتمثل مدينة الأبيض بموقعها الإستراتيجي أهمية كبرى للطرفين، فهي نقطة عبور إلى ولايات دارفور.

كما تتواجد بها قوات الهجانة التابعة للجيش السوداني وهي قوات ذات مهارات قتالية عالية، ودخلت في معارك مع قوات الدعم السريع التي تهاجم المدينة مرارا بغرض السيطرة عليها.

وبالإضافة إلى ذلك، شهدت مدن الرهد بشمال كردفان والدبيبات بولاية جنوب كردفان اشتباكات بين الطرفين، إلا أن القتال في دارفور غربي السودان يبدو أخطر وأعنف، ويعود ذلك إلى أن الإقليم في الأساس يعاني من اضطرابات أمنية.

يضاف إلى ذلك أن لدارفور تاريخا طويلا من القتال القبلي الذي يعود بالأساس إلى انتشار السلاح لدى قبائل الإقليم التي تتصارع على الموارد الشحيحة فيه.

وبحسب المتابعين، فإن القتال بين الجيش والدعم السريع أجج الصراع القبلي في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، التي شهدت معارك خلال الأيام الماضية سقط خلالها المئات من القتلى والجرحى، وتسببت في نزوح كبير من المدينة القريبة من الحدود التشادية، بحسب التقارير الإعلامية.

ولم تسلم مدن دارفور الأخرى من القتال، فشهدت مدن “الفاشر” و”طويلة” و”كتم” بولاية شمال دارفور، ونيالا في جنوب دارفور معارك متفرقة وقابلة للانتقال إلى مناطق أخرى بشكل كبير في الإقليم.

وتكمن أهمية الإقليم بأنه يربط البلاد مع 4 دول “ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان”.

وبحسب تقديرات غير رسمية، يبلغ عدد أفراد الجيش السوداني حوالي 105 آلاف جندي فاعل، ونحو 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، فيما تقدر قوات الدعم السريع بأكثر من 100 ألف مقاتل.

ومنذ اندلاع القتال شاركت القوات الجوية السودانية في القتال بفعالية، حيث يقدر عدد الطيارات الحربية التي يمتلكها الجيش بحوالي 191 طائرة حربية، من بينها 46 مقاتلة، بالإضافة إلى 81 طائرة هجومية و23 طائرة شحن عسكري، و11 طائرة تدريب.

في المقابل يعتمد الدعم السريع على قواته التي تتحرك على سيارات الدفع الرباعي والتي تقدر بنحو 10 آلاف سيارة، مزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة ومضادات للطائرات.

حرب النفس الطويل

 

حرب طاحنة تنتهك كل الأعراف

 

يرى الخبير العسكري محمد خليل الصائم أن الجيش السوداني “يعتمد خطة دفاعية لإنهاك العدو واستنزافه وقطع إمداداته العسكرية”.

وأوضح الصائم أن “الجيش السوداني ينفذ خططا حربية أساسها النفس الطويل، لهزيمة ودحر العدو وطرده خارج العاصمة”.

وبشأن مستقبل المعارك العسكرية، يرى الخبير العسكري الصائم، “إمكانية استمرار الحرب… خاصة وأن الحرب تدور داخل المدن والأحياء السكنية”.

ويقول الخبير العسكري الرشيد الطيب “لا يبدو أن الجيش ولا قوات الدعم السريع، لديهما القدرة العسكرية لحسم المعركة على أرض الميدان”.

وذكر الطيب أن “الجيش السوداني رغم الخبرة العسكرية الطويلة، لكنه تعرض للإنهاك وعدم التسليح المتطور مع سبق الإصرار والترصد من قبل الرئيس المعزول عمر البشير (1989 – 2019)، لصالح تمكين ميليشيا قوات الدعم السريع لضمان حمايته الشخصية من أي خيانة ضده داخل صفوف الجيش”.

وأضاف أن “الجيش لديه إستراتيجيات وتكتيكات حرب، لكنها بدون جدوى باعتبار أن المعارك تدور داخل المدن والأحياء السكنية، ما يعرض المواطنين إلى القتل وتدمير مساكنهم”.

وأوضح أن “قوات الدعم السريع، تعتمد على الفر والكر وأسلوب المباغتة في الهجوم على قوات الجيش السوداني، دون إستراتيجيات علمية أو تكتيكات مدروسة”.

وتابع “في ظل مجريات الأحداث على الأرض، واضح أن لا حل عسكريا للأزمة السودانية طالما أن جوهرها سياسي. كما أن الطرفين ومنذ أول أسبوع من اندلاع المعارك وافقا على الجلوس إلى طاولة التفاوض، ونجحت الجهود الدولية والإقليمية في إقامة منبر جدة كمدخل لحل الأزمة”.

وأردف “كما هو متعارف في الحروب، والداخلية منها بالأخص، أنها ومهما تطاول أمدها ستنتهي بالتفاوض”.

وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ السادس من مايو الماضي محادثات بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”، أسفرت في الحادي عشر من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين على الالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات.

Share this post