صحيفة القدس العربي :ضياع السودان تهديد لمصالح مصر المباشرة… والسودانيون لا يجدون من يعينهم على البقاء أحياء

القاهرة ـ «القدس العربي» : يظل السؤال حول الدائرة الجهنمية للغلاء، والمسؤول عند الدفع بالأغلبية لتدهس تحت عجلاتها هو الاستفهام الذي يصر عليه الرأي العام، ويتهرب من الإجابة عليه أصحاب مهنة البحث عن المتاعب، أولئك الذين يوقنون بأن الوقت غير مناسب بالمرة لقول الحقيقة كاملة في الأسباب التي وصلت بالبلاد لأن تواجه مصاعب اقتصادية غير مسبوقة. وبدورها احتفت صحف أمس الجمعة 9 يونيو/حزيران بتصريحات الرئيس السيسي في قمة الكوميسا في زامبيا، حيث ركز في كلمته على حل الصراعات و«التكامل القاري» وشدد السيسي على أن الاستقرار أمر بالغ الأهمية لدول القارة الافريقية، مشيرا إلى أنه عاصر الكثير من الصراعات، سواء على المستوى الوطني داخل مصر، أو على مستوى الأحداث الإقليمية، مشددا على أن كل يوم يمرّ على دول القارة دون تنمية، يمثل خسارة كبيرة لشعوب تلك الدول. وكشف السيسي عن أن سياسة مصر تعتمد على الحرص الدائم على إيجاد صيغة للحوار والتفاوض والتعامل بصبر كبير مع المشكلات، مبينا أن التجربة أثبتت أن الحلول السلمية والأمن والاستقرار من أجل البناء والتنمية والإعمار أفضل كثيرا من الصراعات والاقتتال والحروب، وأشار إلى تطلع مصر لتعزيز العلاقات الثنائية التاريخية بين مصر وزامبيا، وتفعيل أطر التعاون المشترك في شتى المجالات، خاصة ما يتعلق بزيادة التبادل التجاري، واستكشاف فرص الاستثمار المتبادلة، بما يحقق المصالح المشتركة، إلى جانب مواصلة تقديم مختلف أوجه الدعم، وبناء القدرات للأشقاء في زامبيا، بالإضافة إلى التنسيق بشأن قضايا المنطقة والقارة الافريقية. ومن أخبار الحوادث: لقي ضابط مباحث مصرعه وأصيب شرطي آخر، في اشتباكات بين الشرطة وتجار المخدرات المطلوبين على ذمة قضايا في قرية عرب الكلابات في أسيوط. وشنت قوات أمن أسيوط برئاسة اللواء توفيق جاد مدير المباحث، والعميد هشام أبو الفضل رئيس فرع الأمن العام، حملة أمنية مكبرة لضبط المطلوبين على ذمة قضايا وأحكام في قرية عرب الكلابات في مركز الفتح. ومن حوادث السياحة: علق الدكتور محمد سالم رئيس قطاع حماية الطبيعة في وزارة البيئة، على حادث مصرع سائح روسي في البحر الأحمر إثر تعرضه لهجوم سمكة قرش أثناء رحلته في الغردقة، قائلا، إن وزارة البيئة استطاعت جلب 60 جهاز تتبع متخصص في دراسة سلوكيات القرش. وأضاف، أن الهدف من الأجهزة؛ هو استيضاح الأسباب المؤدية إلى تلك الحوادث، مشيرا إلى تمكن أجهزة التتبع من إرسال البيانات التحليلية لمسارات وقياس أعماق غوص الأسماك عن طريق القمر الصناعي إلى جهاز شؤون البيئة، ونجحت الأجهزة المختصة في تحييد سمكة القرش لتكون بمنأى عن السياح والغواصين.

فرص ضائعة

أمنية غالية عبرت عنها سكينة فؤاد في “الأهرام”: ليت ما قيل أن ما حدث في مصر 2011 كلفها 45 مليار دولار أن يكون دعوة للحوار الوطني لفتح ما حدث في مصر من سرقات وفساد وأخرج منها من مليارات وأن يتولى المحور نفسه بالحوار الوطني وبالأمانة وبالمصداقية الكاملة، توثيق ما تحقق وما لم يتحقق، وما زال المصريون يتطلعون إلى تحقيقه من أهداف ثورتهم، وكيف أن إهدار مقومات قوتهم واعتمادهم على صناعتهم وزراعتهم وثرواتهم القومية البشرية والطبيعية، التي يفيض بها بلدهم لا يقل تأثيراته الخطيرة عما يرتكب بحق مشاركتهم الواجبة في ما يتخذ في بلادهم من قرارات وقوانين وسياسات، وفي إطار ما أواصل الكتابة عنه من هذه المقومات، بما لا يحمّل المواطنين مزيدا من أعباء تكاليف الحياة، يجعلني أتساءل قبل بعض الزيادات الأخيرة التي فرضت على المواطن، لماذا لم يذهب بها الدكتور محمد معيط وزير المالية إلى خبراء المحور الاقتصادي من جميع التوجهات الوطنية، لتوفير التمويل من المصادر التي لا تحمّل المواطن أعباء جديدة، وكيف يتحقق ما قيل إن الزيادات لا تمس السلع الأساسية والضرورية للمواطنين، بينما ارتفاع سعر سلعة واحدة يؤدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع، وهو ما انتقده بعض النواب. وعلى ذكر النواب، هل شارك نواب الشعب في التخفيف عنه بالتنازل عن جزء من مكافآتهم؟ تحضرني أمثلة من مصادر الغنى ودعم الدخل، التي يمتلئ بها هذا الوطن، وتغني عن اللجوء لجيوب المواطنين، خاصة الأكثر ألما واحتياجا والذين انضمت اليهم بعض فئات الطبقة الوسطى وأثق أن التخفيف عنهم يتفق والأهداف الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والإيمانية لمصارف مليارات الأوقاف التي تجدد الحديث عن زيادة عوائدها وأرباحها وأحيى دراسة صحيفة “الوطن” 25/5/2023 بعنوان « مال الله في خدمة المجتمع» وأنها بلغت مليارا و842 مليون جنيه خلال الشهور العشرة الأخيرة.

لا أحد يهتم

تساءلت سكينة فؤاد عن كيف تدار هذه الأملاك والأموال والأراضي الاستثمارية والممتلكات داخل مصر وخارجها، والتي قال رئيس الهيئة إنها جمعت في 92 مجلدا أطلق عليها “أطلس الأوقاف” وكتبت عنها “الوطن” بعنوان، “جهود الدولة لإعادة الوقف المنهوب”، وفي رد المالية على هجوم النواب على الزيادات وتعديل قانون الدمغة، كان أهم ما دافع به الوزير هو عدم زيادة أسعار رغيف العيش، رغم ما يلوح في الأفق من حدوث لتخفيض ما يستورد من قمح، ويُدفع فيه من عملة صعبة من خلال ما ظهر أخيرا، وأرجو أن يكون صحيحا وهو بداية استجابات الحكومة للدعوة التي لم أتوقف عنها في العامين الأخيرين بزيادة المزروع من محصول الشعير كما ونوعا، وكما ظهر في أحدث استراتيجيات وزارة الزراعة وما أثبته علماء وأساتذة الزراعة وفى مقدمتهم الدكتور نادر نورالدين عن نجاح زراعته في الأراضي المستصلحة ووفرة ما يحتاجه من مياه، بالإضافة إلى جهود مؤسسة الدكتورة وفاء ميرة، لتحويل عيش ومخبوزات الشعير إلى مشروع قومي في إطار تحقيق أمننا الغذائي وتحت عنوان: الشعير مستقبلنا، لدعم زراعة الشعير وبعد نجاح فريق محترم من الهيئة العربية للتصنيع في تصنيع ماكينة لتقشيره. إنني أضرب أمثلة فقط من مقومات الغنى والاستغناء التي تخفف أزماتنا الاقتصادية، بعيدا عن فرض أعباء جديدة على المواطن، ومن أهمها ما يقدمه وبدراسات اقتصادية المستشار حسن عمر الخبير القانوني الدولي عن الحلول غير التقليدية للأزمات الاقتصادية ومضاعفة دخل قناة السويس، برفع رسوم ما تقوم به من خدمات متكاملة لجميع السفن العابرة، وقد نشر هذه الاقتراحات من 30 عاما وكيف يتحول شرق بورسعيد إلى داعم ومنقذ للاقتصاد المصري، وأن يحقق لها يوميا خمسة مليارات دولار إلى جانب إقامة السوق العربية المشتركة، منذ أول اجتماع للقمة في قصر الملك فاروق في أنشاص، الذي لم يتحقق حتى القمة الأخيرة في جدة منذ أيام قليلة.

واجب اللحظة

الهوية هي القضية المهمة التي ركز على وجودها الحوار الوطني، ضمن 19 قضية مركزية يناقشها، وهي تدخل ضمن قضايا المحور المجتمعي، إلى جانب قضايا أخرى كالتعليم والصحة والسكان.. ولمن يدرك قيمة الهوية يعلم علم اليقين، وفق ما أكده عمرو هاشم ربيع في “الشروق”، أنها ترتبط مباشرة بمجموعة القيم التي تربى عليها هذا المجتمع، وهي قيم متأثرة بعديد المناحي الإسلامية والعربية والمصرية القديمة (الفرعونية)، وهذه القيم تتعلق بالأساس بالانتماء، والنجدة، والكرم، واحترام الكبير، والإيثار، والمثابرة، والصدق، والنخوة، وتقدير مكانة الجار، والشجاعة، ونبذ العنف، واحترام الرأي، ومساعدة الضعيف والمحتاج، إضافة إلى التعامل بشكل محدد يتعلق بتقدير لغة البلاد الرسمية ولسانها (العربية)، وعلمها، وكذلك نوع الزي والمأكل، وقيادة المركبة، ومعرفة العدو الحقيقي للأمة، إلخ. ولا شك أن أحد العوامل الرئيسية لغرس تلك القيم هي الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع، وكذلك مؤسسات التعليم الرسمية، وأجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، إضافة إلى الأحزاب والمجتمع المدني في البلاد. قد يقول قائل إن الكثير من القيم السابقة هي قيم عالمية، هذا صحيح، باعتبار الإنسان كائنا مرد على حب الخير، لكن الكثير من تفاصيل القيم السابقة وسبل تنفيذها، يختلف من بيئة لأخرى. من هنا تأتي الخصوصية، المتصلة في حالتنا بالبيئة المصرية، وهي متعلقة بالتراث والعادات والتقاليد الذي يتمسك بها المجتمع، وأحد أبرز عوامل تشويه تلك القيم المناخ العولمي الذي يرتبط بالأساس بالهواتف الخلوية، والإنترنت، والفضائيات. فتلك الوسائل الثلاث إذا لم يحسن استخدامها فإنها تجلب النكبات في تأثيرها في نمط القيم والتقاليد، إضافة إلى ذلك فإن مناهج التعليم الرسمية قد تكون هي الأخرى سببا لكثير من مشكلات الهوية، ما لم يحددها عقلاء الأمة وقادة رأيها.

شرور المهرولين

شريحة الشباب تصل نسبتهم في مصر إلى الثلثين، ومن ثم فهم عماد المجتمع، والمستهدف الرئيس من أهله لرخائه، ومن عدوه لإفقاره، هم كما أوضح عمرو هاشم ربيع، في مرمى الاتهام، فهم الأكثر اتصالا بهذا المناخ العولمي. فمن خلال تطبيقات الهواتف، ومن خلال الفضائيات التي تنقل صيحات الموضة ومحامد أو مساخر السلوك، والسينما وكليبات الطرب وسلوك الفنانين والممثلين التي تنقل الغث والسمين، وعبر أشكال ومضمون مناهج التعليم الرسمي، إلخ. كل ذلك يؤثر في نمط القيم، والتحول والحراك الثقافي المجتمعي إلى أسفل أو وإلى أعلى، وإن كان أغلبه الآن هو إلى الأسفل. لأن ما هو ظاهر اليوم هو دعاوى الانسحاب، والصمت عن الحق، ونشر الإباحية، وعدم الاكتراث بالقانون الوضعي كقيمة، وتبرير الكذب، ورمى البريء، والتحرش والتنمر، إلخ. خذ على سبيل المثال دعاوى المثلية الجنسية التي تلقى رواجا كبيرا في عالم اليوم، ويشاهدها شبابنا اليوم جهارا، وتبث في وسائل التخريب الاجتماعي عبر هواتفهم، وهي دعاوى يروج لها المناخ المعولم في جميع البلدان الغربية تقريبا، التي لا تستحي أن تدعو لها، وتعاقب كل من يتصدى أو حتى يمتنع عن المشاركة فيها، رغم كونها ضد الفطرة التي نشأت عليها الإنسانية منذ الخليقة، وهي تكوين الأسرة نواة المجتمع الأولى من الذكر والأنثى. أنظر مثلا إلى تأثر مصر والبلاد المشابهة لها في القيم، بهذه الحملة الضروس لطمس الأسرة وتخريب الجيل، تحت دعاوى قيم المدنية والحداثة ومحاربة التخلف. وكلها قيم سامية، بريئة من دعاوى الرذيلة، لأنها في الأساس هي التخلف والوضاعة والحقارة التي تعف الحيوانات عن فعلها. خذ أيضا قيمة معرفة العدو الذي ما برحت مناهج التعليم المصرية والعربية أن تصونه وتحافظ عليه لعقود، لكن لوحظ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حدوث بعض التغير. فوفقا لدراسة في موقع إمباكت الإسرائيلي، فإن مناهج خليجية تغيرت لصالح التطبيع. وببحث حقيقة ذلك مصريا، لاحظ منذ أيام قليلة الدكتور محمد سليم بجامعة بورسعيد، وجود تغير في بعض مناهج الصف الخامس الابتدائي، وقد يدعم ذلك الأحداث الجارية التي تدعم مسألة غرس القيم، والمتصلة بممارسات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والعنف الصهيوني اليوم وأمس ضد شعبها.

كفاية حرام

قضيتان لا ثالث لهما تؤرقان مضاجع المصريين من النخبة والعامة على حد السواء واهتم بهما رمضان عبد العال في “فيتو”، ألا وهما استمرار أزمة جنون الأسعار في الأسواق المحلية، وكذا أزمة تفاقم حجم الدين العام وأعباء خدمته من أقساط وفوائد. ومع كل صباح يترقب الناس ما تدفع به حكومتنا الرشيدة في أخبارها الجديدة، يمنحها أملا أو بصيص أمل، في أن غدا أو بعد غد سيتوقف الصعود الصارخ لمصر بزيادة الأسعار لجميع السلع الاستهلاكية أو المعمرة، والحقيقة أنه لا جديد يذكر، ولا قديم يعاد ولهيب الأسعار التهم ما في الجيوب والخزائن، والحكومة تتفرج طويلا وتسكب الزيت على النار كل صباح أو مساء. تارة بزيادة أسعار البنزين والسولار، وأخرى بزيادات في أسعار الضرائب والجمارك والرسوم، وثالثة عن طريق إتاوات وبلطجة تفرضها المحليات على كل الخدمات الجماهيرية، والمواطن المصدوم من الضربات المتلاحقة من حكومته الميمونة فقد قدرته على الكلام أو حتى الصراخ.. كفاية حرام. وما بين الأمس واليوم تمثل أزمة الديون بشقيها المحلي والخارجي أم الأزمات ومصدرها الرئيسي، وما نعيشه الآن من أزمة خطيرة بسبب تفاقم حجم الدين العام، ليصل إلى نسبة غير مسبوقة مقدر أن تبلغ في نهاية السنة المالية الحالية نحو 96% من الناتج المحلي بعد أن ارتفع حجم الدين الخارجي، إلى ما يتراوح بين 156 إلى 158 مليار دولار. مقابل نحو 45 مليار دولار فقط حجم هذا الدين قبل تفجر الأزمة وبأعباء خدمة دين من أقساط وفوائد باتت تلتهم نحو 54% من حجم الموازنة العامة مقابل 23% إلى 26% قبل بداية الأزمة، الأمر الذي خلق ضغوطا رهيبة على مجالات الإنفاق العام الأخرى بالطبع، من أجور وخدمات صحة وتعليم واستثمارات ومصروفات تشغيل لدولاب العمل الحكومي وصيانة أصول الثروة القومية وخلافه. لتصحو الحكومة فتجد نفسها بين مطالب شعبية تتصاعد لزيادة نفقات الأجور والدعم السلعي، ومعاشات الضمان، وأيضا استمرار الإنفاق على مشروعات برنامجها الإصلاحي، للحفاظ على استثماراتها الضخمة في مجالات الخدمات العامة والبنية الأساسية والتحتية. ولا سبيل لذلك إلا بمزيد من القروض الجديدة وبالتالي تفاقم أزمة الديون.

السودان يضيع

ما يحدث في السودان الآن وصفه عبد المحسن سلامة في “الأهرام” بأنه حالة من الجنون، بعد أن خرجت الأمور على كل الأعراف، والتقاليد العسكرية، وغير العسكرية. اقتحام سفارات، واحتلال مستشفيات، ومدارس، وعمليات سلب، ونهب واسعة، وحالات اغتصاب بالجملة. شيء محزن، ووصمة عار على كل من يشارك في تلك الأفعال المشينة، والشاذة، والبعيدة كل البعد عن الأعراف العسكرية والتقاليد الاجتماعية والدينية والأخلاقية والإنسانية. قبل أيام اتهمت وزارة الخارجية السودانية قوات الدعم السريع باقتحام سفارتي الصين وفلسطين، وكذلك اقتحام منزلي سفيري فلسطين وعمان، ونهب، وسلب محتويات هذه المقار، وسرقة المقتنيات، والسيارات، والمبالغ النقدية الموجودة فيها، في الوقت الذي انتشر فيه الدخان الأسود بكثافة في سماء الخرطوم بعد اشتداد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من الخرطوم، واشتعال حريق ضخم في مصنع للأسلحة والذخيرة هناك بعد محاولة اقتحامه من قوات الدعم السريع. على الجانب الآخر، أعلن الاتحاد الافريقي «خريطة طريق» تضمن مجموعة من الإجراءات لتسوية، وحل الأزمة السودانية، في مقدمتها الوقف الفوري، والدائم لإطلاق النار، إلى جوار 6 بنود أخرى. من أبرز هذه البنود الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه الدول المجاورة المتأثرة بالنزاع، بالإضافة إلى وضع خطوات محددة لاستكمال العملية السياسية الانتقالية الشاملة بمشاركة جميع الأطراف، وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية في البلاد تقود المرحلة الانتقالية. استمرار الأزمة السودانية كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، خاصة على الشعب السوداني الذي يعيش في جحيم لا يُطاق الآن، بالإضافة إلى المخاطر المحتملة التي باتت وشيكة، وتهدد بتفتيت وحدة الأراضي السودانية، وتقسيمها إلى دويلات متصارعة.

امنحوه فرصة

جاء إعلان البنك المركزي المصري عن ارتفاع رصيده من احتياطي النقد الأجنبي إلى 34.660 مليار دولار أمريكي لكي يضع حدا فاصلا وردا ناجزا على حد رأي محمد الشماع في “الأخبار”، على الهجمات الشرسة التي تعرض لها الاقتصاد المصري، والتي حاولت التشكيك في قدرة الاقتصاد المصري على الاستمرار. وسط هذا الضجيج يأتي إعلان البنك المركزي بارتفاع أرصدته مع نهاية شهر مايو/أيار 2023 كنتيجة مباشرة للإجراءات الفاعلة التي اتخذتها القيادة المصرية لتصحيح مسار الاقتصاد ومواجهة محاولات التأثير في تحويلات المصريين المقيمين في الخارج، وبإلغاء الجمارك والرسوم المفروضة على السبائك الذهبية، لكي يعود المصري المغترب إلى وطنه آمنا مطمئنا على أمواله. وجاءت حصيلة كل هذه الإجراءات الاقتصادية لكي ترفع رصيد مصر من النقد الأجنبي، وسط عالم يتداعى ويقتتل ويختصم بعضه مع بعض، لكن السفينة المصرية استطاعت عبور كل هذه العواصف والأمواج المعاكسة، واختارت أن يكون الرد عمليا، فبدلا من الرد الإعلامي على تلك الهجمات التي شككت، والتي روجت والتي أذاعت بين الناس أن مصر مقبلة على إفلاس اقتصادي، والتي تسدد كل التزاماتها الدولية دون تأخير، جاءت أرقام البنك المركزي لكي تثبت أن مصر موفورة العافية مرفوعة الرأس، وأن اقتصادها لن يهتز ولن يتأثر لا بالظروف العالمية المعاكسة، ولا بالدعوات التحريضية المغرضة، وأن الاقتصاد المصري هو حصيلة عمل لشعب لا يعرف الكسل وقيادة لا تمل مسؤولية الواقع وتتطلع إلى المستقبل. إن الذي يسند ظهر مصر هم أبناؤها البررة الذين يعملون في صمت معجز ويتحملون مسؤولية أن تظل مصر رفيعة المقام مرفوعة الرأس، وأن تظل أعلامها خفاقة في السماء.

كنوز منسية

يجمع بين موزمبيق وزامبيا وأنغولا أنها تقع في شرق وجنوب القارة السمراء، ويجمع بينها أيضا أنها أعضاء في مجموعة «الكوميسا» التي تضم دول جنوب وشرق القارة كلها. والدول الثلاث التي زارها السيسي حاليا، كما اشار سليمان جودة في “المصري اليوم”، تتجاور في شكل شريط عرضي على خريطة افريقيا، وتمتد إلى جوار بعضها بعضا من الشرق إلى الغرب في موقعها على الخريطة. ومنذ فترة لا تهتم القوى الكبرى في العالم بقارة من قارات الدنيا الست، كما تهتم بالقارة السمراء، وكانت الصين هي الأسبق إلى القارة، ومن بعدها جاءت روسيا، ثم جاء الأمريكيون من بعد الروس والصينيين.. وفي أيام الرئيس ترامب كان مستشاره للأمن القومي جون بولتون، قد عقد مؤتمرا صحافيا قال فيه، إن بلاده وضعت استراتيجية تحاصر بها الوجود الروسي والصيني بين الأفارقة. وليس أدل على شدة السباق إلى قارتنا من حديث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أثناء زيارة له إلى الخرطوم قبل أيام من اشتعال حربها الحالية، عن أنه لما زارها وجد فيها ستة من المبعوثين الدوليين ينتظرونه على أرضها، وكان تفسيره لوجودهم يومها، أن الغرب يلاحق روسيا في كل مكان تذهب إليه. وفي كل وقت كانت القاهرة تعرف أن لها انتماء عربيا تدور فيه سياستها الخارجية، وأن هذا لا يُنسيها أن لها انتماء آخر هو الانتماء الافريقي، ولا أن لها انتماء ثالثا هو الانتماء إلى عالمها الإسلامي الممتد من إندونيسيا في أقصى الشرق إلى موريتانيا والسنغال في أقصى الغرب.. وما بين هذه الدوائر الثلاث من الانتماء كانت السياسة الخارجية تتحرك وتسعى. وكان هناك دائما مَنْ يضيف دائرة رابعة تربطنا بالعالم الغربي، وكانت هذه الدائرة هي الانتماء المتوسطي، وكانت إطلالتنا التي تمتد لألف كيلومتر على البحر المتوسط ترتب هذا الانتماء، ثم تفرض علينا أن يكون ميدانا للحركة والتفاعل، بالتوازي مع الحركة في الميادين الثلاثة الأخرى.. فهذا البحر الذي يصل عرضه بين شاطئيه الجنوبي العربي الافريقي والشمالي الأوروبي إلى 500 كيلومتر، هو مساحة للاتصال لا للبعد ولا للانفصال عما يجري في أوروبا وفي ما وراءها.

فقه المحبة

خبر لو تعلمون جميل، وفق ما أوضح حمدي رزق في “المصري اليوم”: اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني التابعة في اجتماعها الأسبوع الماضي وافقت على تقنين أوضاع 216 كنيسة ومبنى تابعا.. لجنة متحضرة منجزة، وترؤس المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أعمالها، يعطيها «الوقود الحيوي» الضروري لإنجاز هذا الملف المزمن والمعطل منذ عقود مضت. لمن لا يعلم، عدد الكنائس والمباني التي تمت الموافقة على تقنين أوضاعها منذ بدء عمل اللجنة وحتى الآن 2815 كنيسة ومبنى تابعا. هل من مزيد من الطيبات، يحدونا الأمل في المزيد من الموافقات، حتى لا تبقى كنيسة واحدة في بر مصر مغلقة على ما فيها من أحزان، فتح الكنائس مثل فتح المساجد نور ومحبة، جميعها لله، وحرية العبادة في أرض الأديان مكفولة، وكما قال الرئيس السيسي في سماحة مفطور عليها «لو هناك يهود سنبني لهم معابد». الإرادة السياسية والحمد لله، متجسدة على الأرض في ملف حرية العبادة، وقانون بناء الكنائس رقم (80 لسنة 2016) الذي كان محلا للرفض من البعض (وأنا منهم) وقت صدوره، بالتنفيذ الأمين، وروح المواطنة تسري، آتى أكله، وصار نموذجا للقوانين التي تنفع الناس. قرار الرئيس السيسي بترفيع مستوى لجنة الموافقات التي تم تشكيلها في يناير/كانون الثاني 2017، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية (6 وزراء)، كان قرارا رئاسيا سديدا، تكليفا رئاسيا واجبا، ما مكن اللجنة من اتخاذ ما يلزم من قرارات واجبة التنفيذ، وإزالة العكوسات البيروقراطية التي عطلت سريان نهر المحبة طويلا. كل اجتماع للجنة مدبولي إنجاز في الملف، ورقم 3000 كنيسة ليس ببعيد، نراه قريبا، وسيحل علينا عيد الميلاد المجيد والرقم متحقق، وزيادة، وكل مطالبات الكنائس الثلاث، الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والبروتستانتية، محل نظر، وبتفاهمات وطنية تسودها الروح الطيبة، والألسنة تلهج بالشكر. هذا الملف تحديدا يدخل في باب «فقه المحبة» وهو من وجوه «فقه المواطنة»، وبابه الواسع «فقه الأولويات» ومشتق منه «فقه المقاصد الوطنية»، وتحكيم فقه الأولويات في هذا الملف من صالح الأعمال الوطنية.

البرغوث يغزو أمريكا

كانت آخر مرة جذب فيها الدوري الأمريكي لاعبا يحظى بمثل نجومية وشهرة ميسي عندما انضم دافيد بيكهام إلى لوس أنجلس جالاكسي في عام 2007.. وسبق أن تكررت عملية عبور الأطلنطي، كما أشار حسن المستكاوي في “الشروق”، من أجل كرة القدم في حقبة السبعينيات من القرن الماضي عندما سافر العديد من النجوم إلى الولايات المتحدة من أجل المساهمة في نشر اللعبة، وكان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق ومستشار الرئيس للأمن القومي أحد الذين أثروا في إغراء نجوم مثل بيليه وبيكنباور وشيناجاليا وجورج بيست وغيرهم، على الهجرة إلى بعض الأندية الأمريكية، لاسيما نيويورك كوزموس، الذي ودع فيه بيليه ملاعب كرة القدم وقرر الاعتزال. اختار ميسي الاتجاه إلى إنتر ميامي لعدة أسباب كما قال، وفي مقدمتها «راحة البال، والابتعاد عن ضغوط المنافسات الأوروبية والأضواء المسلطة عليها، بجانب أنه من عشاق دافيد بيكهام مالك النادي الأمريكي، كما أن ميسي يمتلك عقارات في ميامي، ووجد عرضا مغريا لأن يكون شريكا مع شركات ومحطة تلفزيون لنقل المباريات، وأنه فعل تلك الخطوة من أجل أسرته، وهو يرى الولايات المتحدة فرصة للراحة الذهنية. ويلعب فريق ميسي الجديد مبارياته على ملعب مؤقت سعته 18 ألف متفرج في فورت لودرديل. عاطفيا كان ميسي يتمنى العودة إلى برشلونة، ولكنه وجد أن عودته تفرض على النادي الإسباني، الذي نشأ فيه وأصبح نجما وأسطورة تخفيض رواتب لاعبيه والاستغناء عن بعض اللاعبين الآخرين، وقال ميسي إنه رفض ذلك، حتى لا يكون سببا في إيذاء أي لاعب، كما أنه يفضل أن يكون مصيره بيده وليس بيد أي نادٍ أو شخص آخر. وأكد ميسي أنه تلقى عروضا من السعودية، وبعضها وصل إلى 400 مليون يورو، لكنه اتخذ قراره بعيدا عن الفرص المالية التي عرضت عليه.

بحثا عن راحة

هناك تقارير اهتم بها حسن المستكاوي تفيد بأن ميسي، مثل بيكهام، ستُعرض عليه فرصة لامتلاك فريق في الدوري الأمريكي عندما يقرر الاعتزال، بحيث يمتلك ويمارس إدارة اللعبة التي عشقها وتألق فيها، وأصبح أحد أساطيرها. ويذكر أن إنتر ميامي كان أقال مدربه السابق فيل نيفيل بسبب سوء النتائج، حيث يتأخر بفارق ست نقاط عن المركز التاسع. لكن انتقال ميسي إلى إنتر ميامي سوف يساهم في تعزيز شعبية النادي، الذي سيتابعه ملايين المهاجرين من أمريكا الجنوبية، لاسيما من الأرجنتين أو من الإسبان وأصحاب الأصول الإسبانية، ومعروف أن جماهير المهاجرين هم وراء تسجيل كأس العالم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 أعلى معدل حضور جماهيري في تاريخ البطولة، التي حضر مبارياتها 3.6 مليون متفرج، رغم أنها شهدت مشاركة 24 منتخبا للمرة الأخيرة، قبل أن يرتفع العدد ليصبح 32 منتخبا بداية من عام 1998. كذلك سجلت بطولة أمريكا رقما قياسيا جديدا في معدل الحضور للمباراة الواحدة، الذي بلغ ما يقارب 69 ألفا لكل لقاء، محطما بذلك الرقم السابق، الذي بلغ 51 ألفا في كأس العالم 1966. وتلك أرقام لم تحققها أي بطولة بعد. هكذا هاجر النجم الأرجنتيني البالغ من العمر 35 عاما إلى الحلم الأمريكي بحثا عن راحة البال والراحة الذهنية، والاستقرار والحياة هناك من أجل أسرته وبعيدا عن ضغوط وأضواء كرة القدم في أوروبا.

أقساط فواتير

لا نختلف مع ما ذهب إليه أسامة غريب في “المصري اليوم”، من أن الجوائز تُسعد الكاتب الذي يحصل عليها، دون شك.. وفي الغرب، تكون القيمة المادية للجائزة بمثابة تحصيل حاصل، إذ لا تساعد الأديب على شراء شقة أو سيارة، كما لا تسهم في دفع ثمن عملية جراحية يحتاجها هو أو أحد أفراد أسرته، وفي الغالب لا يصل الكاتب إلى المستوى المؤهل للحصول على الجوائز الأدبية إلا وتكون كتاباته قد وفرت له دخلا كبيرا، الأمر الذي يجعله يتطلع للتقدير الأدبي أكثر من انتظار قيمة الجائزة المادية. لكن الأمر في عالمنا العربي مختلف تماما، فالأديب مهما رفعته موهبته الأدبية، فإن دخله من الكتابة لا يفي بحاجاته الإنسانية، ولا بد من أن يظل معتمدا على مصادر أخرى كالوظيفة، أو مساعدة الأهل حتى يضمن الطعام والكساء والمأوى، لذلك فإن الحصول على جائزة أدبية يكون خبرا مفرحا للغاية.. ومن أسفٍ أن الفرحة بالتقدير الأدبي تتوارى وتأتي في آخر صف مسببات السعادة، لكن تسبق ذلك بمراحل فرحة الحصول على قرشين قد يكون في أمسّ الحاجة إليها لتزويج البنت، أو دفع مصاريف الجامعة للولد، أو التفريج عن الزوجة بثلاجة جديدة، مع تغيير فرش الأنتريه. لذلك وبسبب هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمبدع في بلادنا، فإننا نلاحظ أن الأديب أو الكاتب يقمع موهبته، ويكبت إبداعه ويتحاشى الانطلاق في فضاء الكتابة العريض، بما قد يغضب السلطة الحاكمة في هذه الدولة العربية أو تلك، كما يتفادى تناول الكثير من الموضوعات التي تثير حفيظة مؤسسات وأفراد نافذين في القطاعات والهيئات التي ترشح للجوائز، وبذلك يخسر الأدب العربي كنوزا تنغلق دونها الصدور، وتظل حبيسة حتى يموت أصحابها دون أن تخرج للنور.

فلسطيني الهوى

كعادته في هواية اصطياد الجواهر ذكّرنا صلاح صيام في “الوفد” بأحد رموز الإبداع في السماء العربية: علي أحمد باكثير المولود في إندونيسيا عام 1910 لأبوين من حضرموت، أصبح أديبا مصريا بعد حصوله على الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في 22 أغسطس/آب 1951، وقلده الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون عام 1963، وبلغت شهرته الآفاق لدرجة أنه تقاسم جائزة الدولة التقديرية مع نجيب محفوظ، وكان سباقا في الشعر والرواية والمسرح، فهو أول كاتب عربي يرمز للحركة الإسلامية برمز إيجابي في الرواية التاريخية العربية، وأول من عالج قضية فلسطين في المسرح العربي، وأول من كتب مسرحية شعرية بالشعر المرسل في اللغة العربية مثل مسرحية «إخناتون ونفرتيتي»، وأول من نشر مسرحية شعرية اجتماعية، وكانت المسرحيات الشعرية قبله ذات مواضيع تاريخية. أبدع باكثير في إنتاج سلسلة أعماله الشهيرة ومنها، رواية «وا إسلاماه»، ومسرحية «دار ابن لقمان» التي أهلته للحصول على جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وتدور أحداث المسرحية في مدينة المنصورة وسكن حي «ميت حدر» في المدينة، ومنذ ذلك الحين أصبحت ملهمته، وكان يمر يوميا بشارع بورسعيد حيث «دار بن لقمان» التي أصبحت متحفا قوميا. يحكى الكاتب الفلسطيني محمد علي الطاهر عن فترة إقامة باكثير في المنصورة، التي قادته الظروف للإقامة فيها ولقاء كاتبنا الكبير، قائلا: تعرضت للاعتقال في حياتي 4 مرات، إحداها كانت عام 1940 لأسباب تتعلق بآرائي المناهضة للاستعمار، وتمكنت من الهرب والتنكر بزي شيخ ريفي، ومن بين البلاد التي مكثت فيها متخفيا المنصورة، وهناك تعرفت على باكثير، الذي دبّر لي مسكنا باسم مستعار في زقاق ضيق في حي «ميت حدر»، وبعد أن وثقت به كلفته بمهمة سرية لزيارة زوجت في شقتها في شارع شبرا، وتوصيل رسالة إليها للاطمئنان عليّ فكان سرورها عظيما لأنها لم تكن تعلم عني شيئا فترة شهرين، وما زلت أحتفظ بلقطة تجمعني به في المنصورة عام 1942 أمام كوبري طلخا.

Share this post