اعتقلوا وهددوا بالقتل واقتحمت منازلهم وقصفت.. من يريد إسكات الصحافيين في السودان؟

كشف صحافيون سودانيون حاورهم  الموقع الاخباري الفرنسي (فرانس24) عن واقع مزر ومأساوي لحال السلطة الرابعة في السودان منذ اندلاع الحرب قبل نحو ثماني أسابيع. حيث بات الصحافيون في هذا البلد الغارق في دوامة العنف بين العسكريين، يقبعون تحت التهديد والتخويف والضرب والاعتداء واقتحام المنازل ومصادرة الأجهزة وحتى “قصف” منازلهم… فيما لا يزال صحافيون وعمال آخرون محتجزين من قبل قوات الدعم السريع في مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون بالخرطوم. هذا، وتعمل مجموعة من الصحافيين على مبادرة تدعو لوقف الحرب.

لا تزال المعارك في السودان مستمرة منذ نحو ثماني أسابيع على اندلاعها بين الجيش وقوات الدعم السريع حيث سمع دوي الانفجارات وأصوات الاشتباكات الثلاثاء في الخرطوم، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن شهود عيان، عبروا عن تخوفاتهم من وقوع العاصمة السودانية تحت “حصار كامل”.

وفيما لا صوت يعلو على أصوات البنادق والمدافع، تشهد وسائل الإعلام حملة تضييق واستهداف للصحافيين منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل/نيسان الماضي، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة، حسب نقابة الصحافيين السودانيين، التي تندد في بيانات تنشرها يوميا، بـ”حملة شرسة” تستهدف السلطة الرابعة.

تثير هذه الاعتداءات مخاوف من تعتيم شامل على المصادر الصحفية والإخبارية الموثوقة في السودان، ما سيمهد حتما لانتشار الأخبار المفبركة والمضللة في هذا البلد.

  • “اعتقال وتهديد بالقتل واقتحام منازل وقصفها”

في السياق، تحدثت نقابة الصحافيين السودانيين في بيان الأحد 4 يونيو/حزيران عن تسجيل العديد من الانتهاكات بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية من قبل طرفي النزاع منددة باعتقال صحافيين، وتهديدات بالقتل طالت آخرين والاعتداء على منازلهم ونهبها وتخريبها، وسجلت أيضا إصابة العديد منهم بجراح خلال المعارك أو إثر الاعتداء المباشر عليهم، إضافة إلى اختفاء الإعلامي “محمد حسين علي بعد خروجه من منزله بمدينة أم درمان يوم 6/5/2023 متوجها للخرطوم ولم يعد حتى اللحظة”.

وقالت النقابة: “منذ اندلاع الحرب (…) لم يتوقف استهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، من قبل طرفي النزاع، ما يعد تعديا صارخا على حرية العمل الصحفي وانتهاكا للقوانين والمواثيق الدولية التي تحمي الإعلام”.

ومن الأمثلة عن الاعتداءات بحق الصحافيين التي وثقتها نقابة الصحافيين السودانيين في هذا الإطار، اقتحام “قوة تابعة لقوات الدعم السريع منزل البروفيسور علي شمو (أبرز الصحافيين الرياضيين في السودان)، لثلاث مرات الأمر الذي يعد استهدافا خطيرا”، مدينة: “اقتحام منزل.. أحد القامات الإعلامية السودانية، وتعريض حياته وحياة أسرته للخطر”. 

مثال آخر رصدته النقابة أيضا ويتعلق باقتحام “قوة مسلحة تابعة للدعم السريع شقة أحمد فضل الصحافي بمكتب قناة الجزيرة بالخرطوم، وعضو نقابة الصحافيين السودانيين، بمنطقة شمبات بالخرطوم بحري، والذي كان وقتها برفقة بعض أقاربه، وأيضًا المصور المتعاون بمكتب القناة راشد جبريل. تعرض الزميل أحمد للضرب هو ورفاقه، وتحت تهديد السلاح قام عناصر الدعم السريع بنهب هواتفهم النقالة، وكل ما يملكون من مال وملابس، كما نهبوا سيارته الخاصة”.

حادثة أخرى وثقتها النقابة تتعلق بسقوط “دانة (قذيفة مدفعية) على منزل الزميل خالد شرف الدين مراسل الإذاعة السودانية بجنوب دارفور، ضمن سلسلة أحداث العنف التي تشهدها الولاية، أسفرت هذه الحادثة عن إصابته في رجله ويده”، لافتة إلى أنه “يتلقى العلاج حاليًا بعد إجلائه إلى منطقةٍ آمنة”. صحافية أخرى تعرض منزلها للقصف حسب نفس المصدر هي إنعام النور آدم (من صحيفة التيار السودانية) بمدينة الجنينة والذي أسفر عن مقتل 3 من أفراد أسرتها.

كذلك “تعرض الصحافي عيسى دفع الله للاعتداء بالضرب ونهب هاتفه وأمواله من مجموعة تابعة للدعم السريع أثناء عمله في توثيق أحداث حرق ونهب متاجر بسوق الملجة بنيالا. وتم اقتياده قسرا بعد اتهامه بالعمل لصالح الاستخبارات العسكرية، وتواصلت انتهاكات قوة الدعم السريع رغم إشهار هويته الصحفية. ولاحقا أطلق سراحه..” تضيف نفس النقابة.

  • “معظم الصحافيين توقفوا عن العمل”

للوقوف على أوضاع الصحافيين في السودان، حاورت فرانس24 مروة الحاج صحافية سودانية مقيمة في لندن، والتي سجلت من جانبها وقوع “حالات تعد ونهب لمنزل الإعلاميين إسراء زين العابدين وطارق كبلو بمنطقة كافوري وتهديد أمن وسلامة أبنائهما. وقع اعتداء على الصحافي وليد النور وتم نهب هاتفه. تعرض الزميل الصحافي السنوسي إلى نهب عدد من أجهزة الكمبيوتر والهواتف من منزله”. وأوضحت الحاج أيضا: “تقوم مجموعات مسلحة بنهب منازل المواطنين وترويعهم، ومن الثابت في معظم الحالات أن من يقوم باقتحام المنازل ونهبها وتحطيم ما تبقى منها أو احتلالها هي قوات تابعة لقوات الدعم السريع”.

وبالنسبة إلى المتابعات القضائية بحق المعتدين على الصحافيين في السودان، أوضحت الصحافية مروة الحاج وهي عضو اتحاد الصحافيين البريطانيين بأنه ورغم الاعتداءات التي تستهدفهم “لم تقم أي جهة بإيداع شكاوى لأن البلد في حالة فوضى وهناك شلل تام لكافة مؤسسات الدولة القانونية والعدلية. السائد الآن هو قانون الحرب فقط. ربما عندما يسكت صوت الرصاص فبإمكان صوت القانون أن يعلو حينها. نعمل أنا ومجموعة من الصحافيين الآن على مبادرة للدعوة إلى وقف الحرب وتغليب الصوت الداعي إلى السلام”.

وبالنسبة إلى حالة القطاع الصحفي والإعلامي في السودان اليوم، قالت الحاج: “لا توجد الآن مؤسسة صحفية تعمل في السودان عدا بعض المواقع الإلكترونية وهو ما يعني توقف معظم الصحافيين عن العمل”.

من جانبه، قال الصحافي السوداني فتح الرحمن يوسف سيد أحمد كاتب: “الصحافيون مثل المواطنين باتوا يمكثون في منازلهم حيث لا يوجد عمل عدا بعض الصحف الإلكترونية. لا يتم إصدار الصحف الورقية كما لا يوجد بث للقنوات التلفزيونية ما عدا التلفزيون القومي الذي يبث من خارج مقره الرئيسي. أعتقد أن هذه الحرب فاقمت من الظروف الصعبة التي أصلا كان يعاني منها الصحافيون، كانت رواتبهم زهيدة جدا لكن الآن حتى هذه العائدات المالية بات يستحيل تحصيلها”.

  • “صحافيون رهائن داخل مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون”

وفيما يتعلق بوضع الصحافيين والإعلاميين المحتجزين في هيئة الإذاعة والتلفزيون بأم درمان، والتي لا تزال متوقفة عن البث، فيما يعود آخر تحديث لموقعها الإلكتروني الرسمي إلى 15 أبريل/نيسان أي تاريخ اندلاع المعارك، قالت الحاج: “منذ اندلاع شرارة الحرب تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون، من المؤكد أنها لم تبذل جهدا كبيرا في هذا الأمر إذ أنها كانت المكلفة بحماية هذه المؤسسة الاستراتيجية. الآن، تحاول القوات المسلحة استرجاع هذا المرفق الاستراتيجي بشن عمليات عسكرية نوعية لكنها لم تنجح في استعادتها، وفي المقابل لم تتمكن قوات الدعم السريع من تشغيل هذه المؤسسة”.

في نفس الموضوع، قال فتح الرحمن يوسف، إن قوات الدعم السريع استهدفت منذ اليوم الأول للمعارك هيئة الإذاعة والتلفزيون واحتلتها، وأضاف محدثنا: “الآن تدور معارك حولها، والمؤسف في الأمر أنهم لم يحتلوا المبنى فقط بل خرّبوا حتى الأستوديوهات. لا يزال مذيعون ومخرجون وفنيو صوت ومعدو برامج معتقلين داخل مباني الإذاعة، ولا تستطيع حتى عائلاتهم الاطمئنان عليهم”. وأردف فتح الرحمن يوسف: “تم في 12 مايو/أيار الإفراج على خمسة من الإعلاميين الذين احتجزوا بمقر الهيئة بناء على اتفاق المبادئ في السعودية، وهم كل من عادل فضل المولي، عبد الحميد عبد القادر، سامي عبد الحفيظ، وياسر البث، وصلاح عقيل. وفي حين أفلت اثنان آخران من الاحتجاز في مقر الإذاعة والتلفزيون، تم احتجاز البقية كرهائن”.

من جانبها، قالت نقابة الصحافيين السودانيين في بيان حول مقر الإذاعة والتلفزيون: “ما تزال الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون متوقفة عن العمل والبث، تُكرر النقابة مطالبتها مجددا لقوات الدعم السريع بالخروج الفوري من مباني الهيئة. كما تُدين تحويل المؤسسات الإعلامية ميدانا للمعارك العسكرية، وعدم احترام هذه المؤسسات المدنية..”. وفي بيان آخر، أوضحت النقابة بأن “مهندس البث رشدي الذي يعمل بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لا يزال محتجزا منذ اليوم الأول لتفجر الصراع”.

  • “إذا لم تقتلك الحرب والرصاصة سيقتلك المرض”

ندّد الكاتب الصحافي السوداني فتح الرحمن يوسف بما يتعرض له الصحافيون في بلاده من ترويع وتخويف، داعيا إلى تمكينهم من التواصل مع العالم الخارجي والجهات المعنية للإبلاغ عن الانتهاكات بحقهم، لافتا أيضا إلى حالة مأساوية يعانيها صحافيون مرضى يحتاجون إلى العلاج.

وقال محدثنا: “الصحافيون في السودان في حاجة لإعانة عاجلة شأنهم شأن باقي المواطنين. هم في حاجة خاصة لإيصال صوتهم إلى الجهات العدلية الدولية التي تهتم بمسألة حقوق الصحافيين وحرية التعبير. كثير من الصحافيين لا يملكون حتى شبكة إنترنت للتواصل مع الجهات المعنية وتقديم شكواهم. هم في حالة خوف ورعب من رفع شكاوى ومن مراقبة مكالماتهم الهاتفية وإيذائهم إذا ما تكشف ذلك، أو أيضا إذا ما كتبوا حول التجاوزات المرتكبة بحقهم. حالة مزرية جدا ورعب يعيشهما هؤلاء، حتى إن عددا من الصحافيين وهم معروفون يعانون من المرض وهم لا يجدون من يتكفل بهم ويعالجهم”، وتحفظ محدثنا عن ذكر أسماء الصحافيين الذين هم في حاجة للعلاج “لدواع أمنية”.

للذكر، توفي مؤخرا الصحافي السوداني عبد الكريم قاسم بسبب عدم حصوله على ما يكفيه من جلسات غسيل الكلى حسبما أعلنت شبكة الصحافيين السودانيين. وكان قاسم قد أطلق صرخة استغاثة على صفحته في فيس بوك قبل أيام من وفاته، قال فيها: “غسيل الكلى متوقف. إذا لم تقتلك الحرب والرصاصة سيقتلك عدم الغسيل. من يعرف مكان غسيل فليدلنا عليه”. يجسّد رحيل قاسم الوضع المأساوي الذي بات الصحافي السوداني يتخبط فيه وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.

Share this post