اشتباكات في الخرطوم ونيالا… وسودانيون يروون لـ «القدس العربي» تفاصيل احتلال بيوتهم

الخرطوم ـ «القدس العربي» : تواصلت المعارك في السودان، حيث مددت الهدنة بين طرفي النزاع 5 أيام إضافية، وذلك وسط استمرار الانتهاكات ضد المدنيين لا سيما احتلال البيوت من قبل «الدعم السريع».
وأفاد أحد سكان العاصمة بوقوع «اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة في جنوب الخرطوم. كما أكد أخرون استمرار الاشتباكات في نيالا في إقليم دارفور في غرب البلاد.
وكتب المحلل المتخصص في القرن الأفريقي رشيد عبدي على حسابه على موقع «تويتر» الثلاثاء «لا يوجد وقف إطلاق نار في السودان» في إشارة إلى تواصل القتال. وأَضاف «هناك فجوة عميقة بين الواقع على الأرض في السودان والدبلوماسية في جدة».
وحسب تقرير الثلاثاء للمجلس النرويجي للاجئين، فقد انتشرت أعمال «النهب والسرقة في الخرطوم، وجردت بعض المناطق بالكامل من الممتلكات».

انهيار النظام المصرفي

وأشار إلى محاولته القيام بعمليات توزيع للمواد الغذائية، «لكننا نواجه تحديات بسبب انهيار النظام المصرفي وعقبات لوجستية أخرى» مثل انقطاع الاتصالات وندرة النقد لشراء الإمدادات.
وأكد في تقريره «لا تزال القصة كما هي. يواجه الناس في السودان مرة أخرى العنف والنزوح».
وأعلن وسطاء الأزمة في السودان، السعودية وأمريكا، إن طرفي النزاع المسلح اتفقا بعد إعلان هدنة لـ5 أيام جديدة على مناقشة وقف إطلاق النار طويل الأجل يمكن أن يستتبع بإخلاء القوات من المناطق الحضرية بما في ذلك منازل المدنيين ومواصلة إزالة العقبات التي تحول دون حرية تنقل المدنيين والمساعدات الإنسانية وتمكين الموظفين الحكوميين من استئناف مهامهم العادية.
وتزايد سخط المواطنين في السودان خلال الأيام الماضية من الاقتحامات المتواصلة لمنازلهم من قبل قوات «الدعم السريع» واحتلالها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومكان لمعالجة الجرحى بعد نهبها.
ويطالب الأهالي في المناطق التي تشهدت اشتباكات متواصلة منذ اندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بأن تشمل الهدنة الحالية واللاحقة، تحركات جادة لإخلاء المنازل والمستشفيات، وإبعاد القوات العسكرية عن الأحياء السكنية وبقية المرافق العامة.
وشكا العديد من الناشطين والمتفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي من تكرار حوادث احتلال المنازل وتحويلها إلى نقطة ارتكاز للقناصة بعد إخراجهم منها. وطالت الاعتداءات منازل بعض الفنانين ورموز المجتمع مثل منزل رئيس الوزراء الأسبق الراحل عبد الله خليل، ومنزل أسرة اللواء ركن الراحل حسن بشير نصر الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس إبان حكم الرئيس الفريق إبراهيم عبود.
وقال جلال (32 عاماً) لـ «القدس العربي»: «قوات الدعم السريع قامت باقتحام بيتنا الواقع قرب من منازل قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) وأشقائه في ضاحية جبرة. كنا قد غادرنا المنزل مع بداية المعارك. قبل أيام ذهبت إلى هناك وجدت أفراد الدعم السريع فتحوا المنزل ومكثوا فيه.
أوقفوني واستفسروا عن هويتي، أخبرتهم أنني صاحب المنزل وأتيت لأخذ بعض الأوراق المهمة، سمحوا لي بالدخول لأن أحدهم كان معروفا بالنسبة لنا باعتباره كان ضمن الحراسات القديمة لمنازل قائد الدعم السريع».

الاعتداءات طالبت منازل حزبيين وفنانين… و«الدعم السريع» ينفي صلته

وأضاف: «داخل فناء المنزل وجد نحو 7 أشخاص افترشوا الأسرة، أحدهم سألني مرة أخرى عن، من أكون، قلت له صاحب المنزل، قال لي نحن ضيوف في بيتكم أحضر لنا شايا، أحضرت الشاي، اعتذروا لي أن ظروف الحرب هي التي دفعتهم لاقتحام منزلي وأنهم سيحافظون عليه».
ويبدو أن حكاية جلال هي الأقل عنفا من روايات وأعمال تخريب طالت منازل أخرى، إذ كشفت المغنية السودانية المعروفة، ندى القلعة، عن قيام مجموعة من قوات «الدعم السريع» ومتفلتين باقتحام منزلها ومركز التجميل التابع لها في الخرطوم. وقالت إن «المجموعة مكونة من (12) من أفراد الدعم السريع وخمسة بملابس مدنية اقتحموا منزلها بحجة وجود قناصين».
وأضافت في تدوينة لها عبر صفحتها في «فيسبوك»: «المهاجمون أتوا بعربة وبحوزتهم أدوات لكسر الأبواب والخزن. سرقوا المنزل بالكامل وخربوه تحت تهديد السلاح للأشخاص الموجودين هناك». وتابعت: «تكرر الموقف نفسه في مركز ندى العنبر بحجة وجود أسلحة داخل المبنى».

ضرب فنان

وفي السياق، تعرض المغني ياسر تمتام، للضرب الشديد في منزله بعدما هجمت عليه قوات من «الدعم السريع» وقامت بنهب مقتنياته وتحطيم الزجاج والأثاث وإطلاق الرصاص الذي أصيب على إثره في أقدامه قبل أن يتم إسعافه من قبل أبنائه. كذلك أكدت لجان مقاومة حلفايا، في الخرطوم بحري أن «قوة من الدعم السريع «قامت بالتعدي السافر على مواطني الحلفايا، وأسفرت الانتهاكات الجارية على استشهاد أحد المواطنين العزل ووجود إصابات وسط السكان».
واعتبرت ان « استباحة منطقة الحلفايا والتعرض لبيوتها وممتلكات مواطنيها كان ديدن الميليشيا خلال الأيام السابقة، حيث سُرقت السيارات وتم اجتياح المنازل والسيطرة التامة على الأحياء، إلا أن استخدام الرصاص والتصويب المباشر على المواطنين بغرض السرقة هو خطر جديد يحدق بالكل».
وحملت الدعم السريع «كافة المسؤولية عن استشهاد ابن الحلفايا الذي يجري العمل على التأكد من هويته وكافة الإصابات التي وقعت بين مواطني الحلفايا العزل الآمنين في منازلهم».
ودعت مواطني الحلفايا لـ «أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، والتحلي بالقدر الكافي من الحكمة في هذه اللحظات حتى تنجلي هذا الغمة بأقل الخسائر».
اعتداءات «الدعم السريع» شملت كذلك منازل قيادات سياسية، إذ قال حزب «الأمة القومي» إن قوات من الدعم اقتحمت منزل رئيس الحزب المكلف اللواء برمة ناصر، واستفسرت عن صاحب المنزل وبررت موقفها بأنها تبحث عن أحد قيادات القوات المسلحة قبل ثم غادرت المنزل دون أن تمسه بأي أضرار.
يذكر أن هذا الاعتداء هو الثاني من نوعه المتعلق بمنازل قيادات الحزب، ففي وقت سابق أيضا قال حزب «الأمة القومي» إن قوات زعمت أنها تتبع للدعم السريع قامت باقتحام منزل الأمام الراحل الصادق المهدي. وكان ميسرو المحادثات بين الأطراف السودانية ـ السعودية وأمريكا ـ قد تحدثوا في بيان الإثنين عن انتهاكات القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للهدنة المعلنة، وأن الأخيرة تعتدي على المناطق المدنية وتحتل المنازل والشركات الخاصة والمباني العامة، ولفتوا إلى أن هناك حالات مؤكدة لنهب المساكن والشركات من قوات الدعم السريع. ويقول مراقبون إن احتلال «الدعم السريع» للمنازل يأتي لعدة أسباب، أولها النهب من قبل الأفراد غير المنضبطين من تلك القوات، والثانية اتخاذها منصات لتمركز القناصة وإدارة معاركتهم، بالإضافة إلى الاحتماء بها من قصف الطيران الحربي التابع للجيش.
في المقابل، نفى «الدعم السريع» أي صلة له بقوات تقتحم المنازل في الخرطوم.
وقال المستشار السياسي لـ»حميدتي» يوسف عزت، إن الفوضويين الذين يقتحمون منازل المواطنين لا صلة لهم بالدعم السريع.
وبين في تصريحات لـ»قناة الجزيرة» أنه «لا وقت للدعم السريع ليستريح في منازل وبيوت المواطنين» مشيراً إلى أن «هناك قوة تتبع لأحد القادة المحليين في دارفور قوامها (2700) جندي أتت منذ فترة إلى الخرطوم ويرتدون زي الدعم السريع ويمتطون سيارات عليها لوحات الدعم السريع، هم من يقومون باقتحام منازل المواطنين بقيادة ضابط استخبارات يتبع للجيش».
وأشار إلى هذه القوات أدخلت قبل فترة إلى العاصمة من قبل المجموعة التي خطط للحرب، واستهدفت في الأيام الأولى للقتال منازل الدبلوماسيين والسفراء الأجانب. وفي الموازة، اعتبر وزير التجارة والقيادي السابق في قوى «الحرية والتغيير» مدني عباس مدني، إن «احتلال البيوت والمستشفيات من قبل قوات الدعم السريع والنهب المستمر لا يمكن التعامل معه كتجاوزات فردية بل أخطاء منهجية مقصودة واستباحة لا يمكن تبريرها.
ولفت بأن هذه التصرفات تباعد بينها والوجدان الشعبي وتضاف إلى سلسلة انتهاكات تجعل أي تشدق بشعارات الديمقراطية والعدالة ومحاربة الإسلام السياسي فاقدا للقيمة. وفي سياق متصل، رأى رئيس حزب «الأمة» مبارك المهدي الذي تعرض منزله لاقتحام ونهب من قوات الدعم السريع، أن الموافقة على هدنة ثالثة دون إخراج ما تبقى من عساكر الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات وفقاً لإعلان المبادئ، تعني فقط إطالة معاناة المواطنين وتعريض حياتهم للخطر والاستمرار في نهب ممتلكاتهم وإطالة أمد الأزمة.

Share this post