أكثر من 800 قتيل مدني… وطائرات تقصف منزل «حميدتي»

قصفت طائرات عسكرية، أمس الخميس، منزل زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» في حي جبرة جنوب الخرطوم، وسط تواصل المعارك بين قوات الأخير والجيش، وتزامناً مع تأكيدات على اقتراب توصل الطرفين لاتفاق وقف إطلاق نار تحت رقابة دولية. في حين بدا بارزاً تصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، الذي قال فيه إن انتصار «حميدتي» سيكون «مكسباً كبيراً» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وشهدت منطقة جنوب الخرطوم أعمال نهب واسعة بالتزامن مع القصف المتبادل، بالطائرات ومضادات الطائرات والأسلحة الثقيلة.
وقال شهود عيان تحدثوا لـ«القدس العربي» إن «قوات الدعم السريع انتشرت صبيحة الأمس في منطقة الصحافة ومحطة كهرباء جبرة، وصولا إلى مناطق قريبة من قاعدة المدرعات التابعة للجيش، ومناطق أخرى في حي جبرة قريبة من منزل قائد قوات الدعم السريع، إلا أن تلك القوات تحركت من مناطق ارتكازها لاحقا، وسط مخاوف من المواطنين من أن تكون تلك التحركات في إطار محاولة التموضع من جديد وتمهيداً لمعارك أخرى في المنطقة بعد قصف منزل حميدتي في منطقة جبرة».

نداء استغاثة

في الأثناء واصلت العصابات أعمال النهب المسلح في المنطقة، فيما أطلق مركز «سيتي بلازا» التجاري جنوب الخرطوم، نداء استغاثة، مشيرا إلى أن عشرات المتفلتين هاجموا المركز وشرعوا في أعمال نهب وتدمير واسعة للمحال التجارية والبضائع في داخله، في ظل الانفلات الأمني الراهن في البلاد
فيما نددت إذاعة هلا 96 باقتحام قوات «الدعم السريع» مقرها في الخرطوم، مشيرة إلى أنه «في انتهاك صارخ لحرية الكلمة والتعبير نشر أفراد من الدعم السريع مقطع فيديو مصورا من داخل استديوهات هلا96 حيث يزعمون أن أشخاصا في الإذاعة يؤججون الصراعات القبلية»
وزادت في بيان أن «تلك المزاعم أمر لا يصدقه عاقل وأن خطها الإعلامي واضح وداعم لوحدة البلاد ورفض الخطاب القبلي ودعم الانتقال الديمقراطي والثورة السودانية».
وأكدت أن موقفها من هذه الحرب «ثابت» وأنها «ضدها ومع حياة الشعب وليست طرفاً فيها» مشيرة إلى «رفضها تصرف أفراد قوات الدعم السريع وتحميلهم مسؤولية أمان وسلامة المحطة بالكامل».
واعتبرت خطاب تلك القوات من داخل المحطة المغلقة منذ صبيحة 15 أبريل/ نيسان «تحريضيا وغير مقبول».
في الموازاة، قال الجيش إنه اشتبك مع قوات «الدعم السريع» في شارع النيل، وسط الخرطوم، و«استحوذ على أسلحة تركتها تلك القوات بعد فرارها» حسب بيان للقوات المسلحة.
ونشر الجيش مقطعا مصورا لعضو المجلس السيادي، الرجل الثالث في الجيش السوداني ياسر العطا، وسط مجموعة من الجنود، بعد يوم من نشر مقطع لرئيس المجلس السيادي القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في مباني القيادة العامة للقوات المسلحة.
أيضاً أعلن الجيش تخريج مئات الجنود في إقليم النيل الأزرق، فيما بدأت تعزيزات عسكرية ضخمة من مدينة عطبرة شمالاً بالدخول إلى الخرطوم.
وحسب نقابة أطباء السودان، فقد ارتفع عدد القتلى المدنيين إلى 832 جراء الاشتباكات. وقالت النقابة (غير حكومية) في بيان، إن «استمرار الاشتباكات أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات».

بومبيو: انتصار قائد «الدعم السريع» سيكون مكسباً لبوتين

وعن الحصيلة الجديدة، أفادت بأن «عدد الوفيات بين المدنيين ارتفع منذ بداية الاشتباكات إلى 832 حالة وفاة و3 آلاف و329 إصابة».
وأضافت أنه يوجد الكثير من الإصابات والوفيات غير مشمولة في هذا الحصر؛ لعدم التمكن من الوصول إلى المستشفيات بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني.
ووفقا لأحدث التقديرات، نزح أكثر من 840 ألف شخص داخل السودان، وفر ما يربو على 220 ألفا إلى دول الجوار.

المفاوضات في جدة

وبخصوص المفاوضات، قالت تقارير صحافية إن ممثلي الجانبين في المباحثات الجارية بوساطة سعودية أمريكية في جدة، وصلا إلى تفاهمات أولية قد تفضي إلى توقيع إتفاق وقف إطلاق نار مؤقت خلال 48 ساعة.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ«القدس العربي» أن الوساطة دفعت بمقترح يتضمن إيقاف إطلاق النار لمدة عشرة أيام بشكل مبدئي لفتح الممرات الإنسانية والسماح بتقديم المساعدات الإنسانية، تمهيدا لاتفاق وقف إطلاق نار شامل والمضي في تسوية بمشاركة الأطراف السياسية المدنية لإنهاء الأزمة الراهنة في البلاد.
وتأتي مباحثات جدة وسط تحركات إقليمية ودولية واسعة لدفع الأطراف السودانية لوقف إطلاق النار والمضي في تسوية سياسية.
وقال السكرتير التنفيذي لمنظمة «الإيغاد» ورقيني قبهو، أمس، في تغريدة على حسابه في تويتر، إنه «انخرط خلال اليومين الماضيين في اجتماعات مع رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت وعدد من المسؤولين هناك لتنسيق جهود الوساطة بين الأطراف السودانية».
وأضاف: «اتفقنا على العمل معاً لتنفيذ قرارات القمة الاستثنائية الأربعين لجمعية الإيغاد التي كلفت فخامة الرئيس كير بقيادة جهود الوساطة».
وبين أن «إيغاد» تحضر لعقد اجتماع في جيبوتي في 12 يونيو/ حزيران المقبل للحديث عن تقدم جهود السلام في السودان ومسار العمل المقبل. ويتزامن ذلك مع بحث الملف السوداني خلال القمة العربية التي تعقد في مدينة جدة السعودية اليوم الجمعة.
والأربعاء، عقد أول اجتماعات لجنة الاتصال العربية الخاصة في السودان، في الجامعة العربية، المعنية بإجراء الاتصالات الضرورية بغرض التوصل إلى وقف كامل ومستدام لإطلاق النار ومعالجة أسباب الأزمة السودانية.
وحسب المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية جمال رشدي، استمع الاجتماع لتنوير من وزير الخارجية السعودي حول تطورات المحادثات التي ترعاها بلاده في جدة بهدف تحقيق الهدنة وتثبيتها بين الطرفين المتقاتلين، ومن أجل إعطاء الفرصة للمدنيين خاصة في الخرطوم، لالتقاط الأنفاس والحصول على المساعدات الضرورية.
وخلال مخاطبته الاجتماع الذي انعقد على هامش الأعمال التحضيرية للقمة العربية في جدة، أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط على أهمية التزام الأطراف بالهدنة توطئة لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار، بما يسمح بالعودة إلى مربع السياسة لمعالجة الأزمة في السودان من كافة جوانبها.
وتشكلت لجنة الاتصال العربية الخاصة في السودان، التي تضم كلا من السعودية ومصر، بالإضافة إلى أبو الغيط بقرار المجلس الوزاري للجامعة العربية في 7 مايو/ أيار الجاري.
وفي حين قال وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، إن انتصار «حميدتي» سيكون «مكسباً كبيراً» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، عن استعداد روسيا للمساعدة في حل الأزمة في السودان، وإن لزم الأمر توفير منصة للمفاوضات.
جاء ذلك في تصريحات لبوغدانوف على هامش قمة روسيا والعالم الإسلامي في قازان، نقلتها وكالة «نوفوستي» حيث تابع: «نحن نعارض التدخل الأجنبي في الشؤون السودانية. يجب على السودانيين حل مشكلاتهم بأنفسهم، ونحن مستعدون للمساعدة في ذلك».
وتعليقا على استعداد روسيا لتوفير منصة للمفاوضات بين أطراف النزاع في السودان، أشار الدبلوماسي الروسي إلى أن روسيا «لا تفرض نفسها على أحد» إلا أن القضية تتعلق بنوع المفاوضات التي يمكن الشروع فيها، حيث إن هناك توجهات مختلفة بين السودانيين.

معالجة جذرية

وفي السياق، رأى المحلل السياسي عبد الله رزق في حديثه لـ«القدس العربي» أن استمرار المفاوضات على الرغم من خروقات الهدنة أكثر من ست مرات، يؤكد تصميم الأطراف المتقاتلة في البلاد على الوصول لاتفاق ينهي الحرب، ولا يقف عند وقف إطلاق النار المؤقت، وإنما تسوية سياسية لإنهاء القتال، مشيرا إلى أن ذلك «يقتضي معالجة جذرية للقضايا المسببة للحرب».
وأشار إلى أن «تواتر انتهاك وقف اطلاق النار، هدنة بعد هدنة، وعدم احترام قواعد الاشتباك وفق القانون الإنساني الدولي، التي تؤكد على حماية المدنيين، يجعل أطراف التفاوض حريصة على إحكام اتفاق شامل يؤمن وقفا دائما لإطلاق النار وضمانات حماية أكيدة للمدنيين».
ولفت إلى أن «التصعيد والتصعيد المضاد ظلا سمة بارزة رافقت كل إعلانات الهدنة التي أعقبت الحرب بين الدعم السريع والقوات المسلحة، حيث أصبحت الهدنة التي يتم إعلانها من فترة إلى أخرى مناسبة لتصعيد العمليات العسكرية من هذا الطرف أو ذاك».

تحسين موقفيهما

وبين أن «إعلان الهدنة لم يعد بالنسبة للمواطنين المصطلين بنار الحرب يعني توقفها ولو للحظات ليستردوا أنفاسهم، وإنما يعني جولة شرسة من القتال. استقر في قناعات الناس أن الطرفين يسعيان لتحسين موقف كل منهما على الأرض لتعزيز الموقف التفاوضي، منذ أن بدأت مفاوضات جدة بين الطرفين بتسيير سعودي وأمريكي».
وبين أن «عدم التزام الجانبين بنص وروح الإعلان الإنساني الموقع في جدة تسبب في حالة من السخط الشديد والإحباط لدى السودانيين، وأنه على الرغم من كونه يعمل على تقييد المتحاربين بقواعد الاشتباك وفق القانون الإنساني الدولي، إلا أنه لم يتم إنزاله على الأرض حيث تواصل قصف الأحياء السكنية واستهداف المنشآت المدنية، الأمر الذي يرتقي لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» وفق رزق.
وأضاف: «على الرغم من أن الإعلان الانساني لم يكن اتفاقا لوقف إطلاق النار، إلا أنه كان يتوقع أن يحول دون استمرار القتال داخل العاصمة التي تضم أكبر مجمع سكني وأكبر مجمع صناعي وتجاري في البلاد».
ورأى أن «نزوع كل طرف من طرفي الحرب لاستباق أي اتفاق بتحقيق مكاسب على الأرض على حساب الطرف الآخر بدد أي فرص لتخفيف حدة القتال وتقليص ميادينه لتخفيف معاناة المواطنين، لكن ذلك لم يؤثر على استمرار المفاوضات والتي يتوقع بعد مضي خمسة أيام على بدء المرحلة الثانية منها الأحد الماضي أن تنتهي في أي وقت، باتفاق يعالج بشكل صارم مسألة وقف إطلاق النار بجدول زمني محدد وآلية مراقبة وطنية ودولية».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، فقد رأى في حديثه لـ«القدس العربي» أنه إلى «حين التوقيع على إيقاف إطلاق النار، فإن التصعيد الميداني يشير إلى أن كل طرف يعمل على توسيع نطاق سيطرته. ذلك يمكن أن يمثل كرتا كبيرا للتفاوض، يمكن من خلاله أن يقدم كل طرف تنازلات ويحقق مكاسب على طاولة التفاوض».
وزاد: «ذلك يمكن أن يعرقل المفاوضات الجارية لأن استمرار الحرب يعني استنزاف الجانبين، بالإضافة للأضرار الأخرى المتمثلة في حركة النزوح من الخرطوم إلى الولايات المجاورة لها» لافتا إلى «المبادرات العديدة الدولية والإقليمية الساعية لحل الأزمة السودانية فضلا عن محادثات جدة بوساطة أمريكية سعودية، مثل مبادرة الايغاد وتحركات الجامعة العربية في الصدد» ومشيرا إلى أن ذلك يمكن أن «يحدث اختراقات كبيرة على الواقع».
وأشار إلى أن «إعلان وقف إطلاق نار سيحظى بضمانات أكثر على عكس اتفاقات الهدنة السابقة، لجهة اعتباره مقياسا لرغبة الطرفين الحقيقية في إنهاء الأزمة ويمكن أيضا مراقبته من قبل أطراف المبادرة الأمريكية السعودية».

«القدس العربي»

Share this post