شهر على حرب السودان: معارك ونهب وحرق وقنّاصة يرعبون المدنيين

الخرطوم ـ «القدس العربي» : مضى شهر على الصراع بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في السودان، دون أي أفق لحل يوقف الحرب التي تسببت بمقتل المئات وفرار مئات الآلاف، إذ تواصلت المعارك أمس الإثنين، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بالمسؤولية عن استهداف أماكن عبادة.
واندلعت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل/ نيسان الماضي، والتي اتخذت من العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى ساحة لها، والتي راح ضحيتها أكثر من 600 قتيل و4000 جريح من المدنيين، وفق الإحصاءات الأولية لوزارة الصحة السودانية، بينما لحقت أضرار فادحة بالبنية التحتية للعاصمة ومنشآتها الرئيسية. ويقدر عدد الفارين من المعارك بنحو 700 ألف نازح و200 ألف لاجئ، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من توقيع الجانبين، الأسبوع الماضي، على إعلان مبادئ في جدة، نص على حماية المدنيين، إلا أن المعارك لا تزال تتصاعد في الشوارع وداخل الأحياء السكنية والمستشفيات والمؤسسات الخدمية.
وبين أليكس روندوس ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الأفريقي إن «الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع».
وقال محمد عثمان من «هيومن رايتس ووتش» «نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته». وأضاف أن «أشخاصا جرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم» لأنهم لا يستطيعون الخروج منها.

قصف جوي

وأفاد شاهد عيان في العاصمة بتعرض منطقة «شرق النيل في شرق الخرطوم لقصف جوي» فيما أكد آخر في جنوب العاصمة يبلغ من العمر 37 عاما أن «قصف الطيران وضرب المضادات له يجري منذ الثامنة والنصف صباحا. لم يتغير شيء منذ بداية النزاع».
وأضاف «الأوضاع تتجه إلى الأسوأ رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس تتزايد كل يوم».
وشهد محيط منازل قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» في حي جبرة جنوب الخرطوم، قصفا مدفعيا كثيفا، كما نفذ الطيران عسكري طلعات حول منطقة الطائف شرق الخرطوم. وشهد سوق أمدرمان، أحد الأسواق السودانية العريقة، أعمال نهب مسلح وحرق واسعة، فيما أكد شهود عيان لـ«القدس العربي» أن قوات الدعم السريع المتمركزة منذ أيام في منطقة ود البشير في مدينة أمدرمان، غرب العاصمة الخرطوم، انسحبت من المنطقة.
وبعد تواتر أنباء عن مقتل «حميدتي» بثت المنصات الخاصة بقوات الدعم، ليل الأحد، خطابا مسجلا لقائدها قال خلاله إنه «موجود على رأس قواته في مدن العاصمة السودانية الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان، مهددا القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، بالاعتقال والمحاكمة، «عاجلا أم آجلا».
ووصف من يقومون بنشر أنباء عن مقتله، بـ «الإنقلابيين، أصحاب النشاط الهدام والدعايات الكاذبة» مضيفا: إنهم «يروجون لمقتلي، وهذه دعايات وأكاذيب تدل على أنهم مغلوبون لذلك هم ينشرون هذه الدعايات» في إشارة لقادة الجيش.

تبادل اتهامات بالهجوم على كنيسة… «حميدتي» يتوعد البرهان… و«كارثة إنسانية» في الجنينة

وطالب من وصفهم بـ«شرفاء القوات المسلحة، بعدم الانصياع لقيادة الجيش» مضيفا:» «البرهان لن ينفعكم».
كما اتهم قادة الجيش بـ «تصفية» ضباط وجنود، داخل مقر القيادة العامة للجيش بسبب معارضتهم أو محاولتهم الانضمام إلى قوات الدعم السريع، التي قال إنها «تحارب الانقلابات وتعمل من أجل الديمقراطية» على حد قوله.

كارثة إنسانية

وشهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، غرب السودان، معارك عسكرية وأحداث عنف قبلي عنيفة، تصاعدت منذ الجمعة الماضية، فيما أودت بحياة 280 قتيلا و160 جريحا، وفق الإحصائيات الأولية لنقابة الأطباء السودانيين، التي قالت في بيان أمس الإثنين، إن المدينة تمر بأحداث هي الأسوأ والأعنف منذ بداية الاشتباكات، واصفة الأوضاع بـ «الكارثة الإنسانية التي تحصد أرواح المدنيين العُزّل في ظل نظام صحي منهار تماماً».
وحسب البيان «اجتاحت الجنينة ميليشيات ترتدي زي الدعم السريع وتستقل عرباتها وأخرى على دراجات نارية، وشهدت المدينة معارك شرسة بين هذه القوات ومجموعات مسلحة من مواطني المدينة أدت لسقوط مئات من الضحايا ‏وسط المدنيين ومن الجانبين حتى الآن».
وأشارت إلى «تعرض سوق المدينة لأعمال نهب، بينما قامت المجموعات المسلحة بحرق عشرات المنازل».
ووفق شهود عيان تحدثوا لـ«القدس العربي» هاجمت قوات الدعم السريع، مدينة الرهد في ولاية شمال كردفان غرب السودان، فيما أحرقت تلك القوات قسم الشرطة الرئيسي ومباني جهاز المخابرات والمحكمة. كما اعتقلت عددا من ضباط الشرطة في المدينة.
وأفاد مجلس النرويج للاجئين بأن الوضع في الجنينة ألقى «بنحو مئة ألف نازح داخليا تحت رحمة العنف المستمر، مع تحول المخيمات إلى رماد».
ووفق منظمة «أطباء بلا حدود» فإن نازحي دارفور في المخيمات «باتوا يأكلون وجبة واحدة يوميا بدلا من ثلاث وجبات».

تبادل اتهامات

إلى ذلك، تبادل طرفا الصراع الاتهامات بالهجوم على مقر كنيسة ماري جرجس، في حي المسالمة في مدينة أمدرمان، إذ قال الجيش إن قوات الدعم السريع «أطلقت النار على أعضاء الكنيسة». فيما نددت وزارة الخارجية بـ«الهجوم على الرهبان في أماكن العبادة» من قبل من وصفتهم بـ«متمردي الدعم السريع» مشددة على أن «الهجوم على أماكن العبادة ينتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان والقوانين الدولية».
ودعت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى إدانة هذا السلوك «الهمجي من قبل الميليشيات المتمردة».
في المقابل، أبدت قوات الدعم السريع أسفها لحادثة إطلاق النار على الكنيسة، متهمة «جماعة إرهابية متطرفة «قالت إنها تابعة للجيش، بتنفيذ الهجوم مما تسبب في وقوع إصابات خطيرة وسط المصلين.
ونددت في بيان بما أسمتها بـ«الحملات المضللة التي تستهدف قوات الدعم السريع» مشيرة إلى أنها «تضم بين صفوفها أعدادا مقدرة من الطائفة المسيحية».
وقالت إن «الاتهامات الموجهة للدعم السريع هي في الأساس محاولة للتغطية على فشل القوات الانقلابية والفلول في الميدان وسعيهم لتوسيع دائرة الحرب» مضيفة: أنها «رصدت خطط تسليح الموالين لقادة الجيش بدواعي الدفاع عن النفس، تتزامن مع عمليات تصفيات عرقية لضرب النسيج الاجتماعي ومنها اغتيال مدير الإعلام والعلاقات العامة في الاتحاد العام لكرة القدم أمير حسب الله» متهمة «متطرفين من عناصر الانقلاب» بتصفيته على أساس عنصري بغيض من أجل اثارة الفتنة القبلية، حسب البيان.
وقبل الحرب كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نهبت، كما علق الكثير من هذه المنظمات عملها بعد مقتل 18 من موظفيها.

ارتفاع الأسعار

وأصبحت السيولة نادرة، فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ الخامس عشر من نيسان/ابريل، فيما سجلت الاسعار ارتفاعا حادا وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية و20 ضعفا بالنسبة للوقود.
ويعيش سكان الخرطوم الخمسة ملايين مختبئين في منازلهم في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي تطال حتى المستشفيات والمنازل.
وقال الباحث علي فرجي»مع تدمير معامل للصناعات الغذائية أو مصانع صغيرة، تسببت هذه الحرب بانحسار التصنيع جزئيا في السودان».
وزاد:«هذا يعني أن السودان سيصبح مستقبلا أكثر فقرا ولفترة طويلة». وحذرت الأمم المتحدة من أن الجوع سيطال 19 مليون سوداني في غضون ستة أشهر، إذا استمرت الحرب.

Share this post