القدس العربي : أسر المفقودين تعيش أوضاعا مأسوية… وتحذير أممي من الذخائر المتفجرة

الخرطوم ـ «القدس العربي»: كشفت مبادرة «مفقود» السودانية عن فقدان 153 شخصا منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش و«الدعم السريع» حيث عثر على 13 منهم وعادوا إلى أسرهم، بينما وجدت 3 جثامين تعرف ذووهم عليها، ليتبقى 137 شخصا مجهولي المكان والمصير، في حين حذرت الأمم المتحدة من الاستخدام المكثف للذخائر المتفجرة خلال النزاع الحالي في السودان.
وأوضحت مسؤولة المبادرة «مفقود» سارة حمدان لـ«القدس العربي» أن 136 من المفقودين هم مدنيون، في حين أن هناك 17 مفقودا من العسكريين، لافتة في الوقت نفسه إلى أن هذه الأرقام قابلة للزيادة لأن هناك كثيرا من الأسر لم تتواصل معهم نسبة لسوء الاتصالات وانقطاع شبكات الإنترنت في أجزاء واسعة في البلاد.
وأشارت إلى أن عددا من المفقودين الذين عثر عليهم أخبروهم أنهم كانوا معتقلين لدى قوات «الدعم السريع» مبينة أن المبادرة لم تتواصل بعد طرفي مع القتال بشأن المفقودين أو المعتقلين المحتملين من المدنيين أو العسكريين.
وتعيش أسر المفقودين أوضاعا مأسوية وحالات قلق مفزعة خوفاً من مصائر سيئة قد تحيط بأبنائها، خاصة في ظل روايات استهداف المدنيين والرصاصات الطائشة وجثث متناثرة في الطرقات.
ووفقاً للمبادرة تعاني عائلات المفقودين من آلام الابتعاد عن أحبائهم وعدم قدرتهم على رؤيتهم أو على الأقل معرفة مصيرهم. كما يعيشون في مفارقة يومية من «الشعور بالذنب حول ما إذا كان عليهم التمسك بأدنى أمل أو التخلي وتقبل الاحتمال الأكبر بأنهم لن يعودوا أبداً»
وتضيف: «تقبل ذلك غير مجد مع عدم وجود جثة الشخص لدفنها ولا قبر لزيارته ولا مراسم لتلقي العزاء».
أسرة المفقود سعد عبد السلام التني، أوضحت في بيان لها، أنها فقدت الاتصال بأبنها يوم الثلاثاء 18 أبريل/نيسان الماضي، حوالى الساعة الخامسة عصراً في مكان إقامته في الخرطوم 2 في شارع حلواني العبد، كاشفة أنه في ذلك التوقيت كانت تقع المنطقة تحت سيطرة قوات الدعم السريع التي قامت بالدخول إلى مقر إقامة التني وأبلغت أسرته بوجوده معهم، ومنذ ذلك التوقيت، لا تمتلك أي معلومة عن مكان وجوده أو حالته الصحية.
وناشدت المواطنين والمؤسسات المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان بالمساعدة في العثور على أبنها.
يشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي في السودان تحولت إلى منصات للبحث عن المفقودين في ظل غياب الشرطة والأجهزة الأمنية وصعوبة البحث والتحرك على الأرض نسبة لاحتدام القتال. ويمضي العمل في الوسائط عبر رفع ذوي المفقودين صور وصفات أبنائهم على صفحات الناشطين وصفحة مبادرة «مفقود» ليتدخل المتفاعلون في تدوين شهاداتهم، بالإضافة لعمل الفرق الميدانية للمبادرة والتي تواجه هي الأخرى صعوبات ومخاطر جمة.
وقالت مسؤولة مبادرة «مفقود» سارة حمدان «لا يوجد حل غير العمل مهما كانت الظروف، ليس لدينا رفاهية اختيار الظروف في قضية المفقودين والمختفين قسرياً». وأضافت: «التحديات تمكن في إجلاء الجثامين في الشوارع إلى أماكن آمنة لمواراتها تحت التراب ودفنها».
وتضم قائمة المفقودين كل الفئات العمرية من الجنسين الأطفال، اليافعين، الشباب، الشيوخ، كما تضم أشخاصا من دول أخرى، مثل الشابة المصرية إيمان جابر التي فقد ذووها الاتصال معها في معبر أرقين عند الحدود السودانية مع مصر. كما أن قائمة المفقودين وسط العسكريين من طرفي الصراع ستكون ضخمة، حسب مراقبين بسبب اشتداد القتال وحجم الجثامين الملقاة على الطرقات حتى الآن في الخرطوم، وبعض الأسر أنزل بيانات للتعرف على بعض الجنود من الطرفين، وقالوا إنهم شاهدوهم ضمن الفيديوهات المتداولة في المعارك وانقطع الاتصال معهم.
حسب المتابعات تتواصل أسر العسكريين المفقودين بصورة مستمرة مع منظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر السوداني للمساعدة في الوصول إلى أبنائهم الجنود الذين فقدوا في ساحات المعارك.
يذكر أن الجثث لا تزال في طرقات الخرطوم ورغم جهود المبادرة الشعبية وعمل منظمة الهلال الأحمر والهدنة المتواصلة بين الطرفين، إلا أن هناك صعوبات في نقلها من مناطق الاشتباك.
«حسن عبد الرؤوف أحد الناشطين الذين كانوا يقومون منذ اشتعال الحرب بتصوير الجثامين وسترها وتحديد موقعها وتسليمها لذويها، اعتقلته قوات «الدعم السريع» منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي أثناء مشاركته في تسليم جثمان أحد القتلى المدنيين في منطقة السوق العربي وسط الخرطوم.
ووفق حمدان»: اعتقال عبد الرؤوف يؤكد أن «قوات الدعم السريع لا تكتفي بالقتل والتنكيل، بل تعتقل وتخفي وتقتل كل من يحاول أن يكرم تلك الجثامين التي ملأت شوارع العاصمة».
ومفقودو الحرب الحالية في السودان هم أرقام في قائمة طويلة من الأشخاص الذين فقدوا طوال النظام البائد ومفقودي الثورة السودانية ومجزرة فض الاعتصام ونحو (21) شخصا فقدوا أخيراً عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وترتبط في السودان قضية المفقودين بقضية تكدس المشارح بالجثامين مجهولة الهوية والتي تجاوزت أعدادها 3 آلاف جثة، وتسببت في إغلاق جميع المشارح في الخرطوم ماعدا واحدة «مشرحة أمبدة».
وكانت نقابة الأطباء السودانيين قد نشرت توجيهات للتعامل مع الجثث مجهولة الهوية في المستشفيات في أوقات الحرب.
وأوضحت صعوبة عمل فحوصات الحمض النووي، وطالبت بالاكتفاء بأخذ الصور الفوتوغرافية وأخذ بصمات الأصابع، وتخصيص رقم لأي جثة مع كتابة تاريخ الوفاة واسم المستشفى ومن ثم القيام بدفنها في أقرب مقابر مع كتابة التفاصيل السابقة على شاهد القبر. كذلك طالبت لجان المقاومة والأهالي بالقيام بالإجراءات نفسها مع الجثامين في الشوارع والطرقات، مشددة على مراعاة الاحترازات الصحية، على الأقل لبس الكمامة وقفازات في التعامل مع الجثث، داعية إلى عدم غسل الجثامين التي وصلت إلى درجة بعيدة من التحلل واستخدام كيس الجثث أو المشمع وحفظ مقتنيات الجثامين مجهولة الهوية في أماكن معروفة وإرسال التفاصيل إلى مركز المعلومات الرئيسي في المشارح.
إلى ذلك، حذر رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، من الاستخدام المكثف للذخائر المتفجرة خلال النزاع الحالي في السودان، معتبراً إنه يزيد الخطر على حياة المدنيين وخاصةً الأطفال الذين «قد يخطئون في فهم خطورة هذه الأجسام ويعتبرونها ألعابًا فيلهون بها».
وشدد على ضرورة تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في جميع الأوقات.
وحثت «يونيتامس» ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام المواطنين السودانيين على «توخي الحيطة والحذر وعدم لمس أو التقاط أي صنف من هذه الذخائر غير المتفجرة».
وقال بيان لها «يستمر التلوث بالذخائر المتفجرة في تعريض حياة المدنيين للخطر، مما يؤدي إلى القتل والتشويه العشوائي، وإعاقة إعادة تأهيل البنية التحتية العامة، بما في ذلك المدارس والطرق» لافتاً إلى أنه يشكل «عقبة رئيسية أمام الحركة الآمنة للمدنيين وعودة النازحين إلى ديارهم، ويقوض التوزيع الآمن للمساعدات الإنسانية ويقيد الوصول الآمن إلى الخدمات، ويفاقم انعدام الأمن الغذائي.
وأشار البيان إلى النزاعات المسلحة العديدة في السودان منذ 1955، وقال إنها خلفت «إرثًا من المخاطر المتفجرة، بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر العنقودية والمتفجرات الأخرى من مخلفات الحرب التي تؤثر على المجتمعات المهمشة في المناطق المتضررة من النزاع».
وأضاف: «النزاع الحالي الذي اندلع في 15 من نيسان/أبريل يزيد الطين بلة».
ونبه إلى أن الاستخدام المكثف للذخائر المتفجرة خلال القتال «يزيد الخطر على حياة المدنيين ولا سيما الأطفال الذين يمكن أن يخطئوا في فهم هذه الذخائر».

Share this post