االخرطوم ـ «القدس العربي»:تخذت «لجان المقاومة» منذ بداية الصراع بين الجيش و«الدعم السريع» موقفا رافضا لـ«سيطرة البنادق على الشوارع» واتهمت الطرفين بـ«معادة الثورة». وفي حين أنها لعبت دوراً، ولا تزال، لمساعدة المتضررين من الحرب، فإنها تدفع ثمن اتهامها بالانحياز لأحد طرفي النزاع الحالي. وتعمل لجان المقاومة على رصد الأوضاع على الأرض، ونقل كل ما يجري، كما قام بعض المنتمين إليها بتشكيل غرفة طبية لمعالجة الإصابات وحالات الطوارئ الصحية. كذلك ينشط أعضاء آخرون في بعض الأحياء، بمتابعة أوضاع المواد التموينية والقيام بدوريات ليلية ونهارية للحد من نشاط عصابات النهب. وعقب انتقادات واسعة، أطلق الجيش السوداني سراح اثنين من لجان مقاومة مدينة بحري، كان قد اعتقلهما بتهمة «التعاون والعمل مع قوات الدعم السريع». وبعد أن أعلن الجيش «توقيف عربة إسعاف مسروقة من أحد المستشفيات في مدينة الخرطوم بحري يقودها اثنان من لجان المقاومة متعاونان مع قوات الدعم السريع أو المتمردين» عاد ليؤكد في بيان ثان إطلاق سراحهما، موضحاً أن «اعتقالهما كان في منطقة توجد فيها الدعم السريع». ونبه إلى «ضرورة التنسيق معه في حال التحركات المماثلة لتفادي أي لبس».
ونفذت أجسام مهنية وثورية حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، نددت من خلالها باعتقال أفراد مقاومة، وأطلقت «هاشتاغ» نشط تحت عنوان «لجان المقاومة تمثلني» بينما اعتبر بعضهم أن الخطوة تؤكد «سيطرة فلول النظام البائد على مفاصل الجيش، وسعيهم لتصفية خصومهم السياسيين».
ضغط شعبي
والضغط الكثيف هذا أجبر الجيش أيضاً على سحب البيان الأول مثار الجدل، ونشر مقاطع فيديو على صفحة القوات المسلحة على «فيسبوك» توثق التحام لجان المقاومة وقوى الثورة مع ضباط وجنود الجيش، وهتافاتهم بحل «الدعم السريع» إبان اعتصام القيادة العامة في أبريل/نيسان 2019، وقبل عملية الفض في يونيو/حزيران من العام نفسه.
وأوضحت لجان مقاومة بحري أن محمد أحمد ومحمد جمال، اللذين اعتقلهما الجيش وأطلق سراحهما هما «متطوعان في غرفة طوارئ بحري، وقوة من الجيش اعتقلتهما مساء السبت أثناء عودتهما في عربة إسعاف ظلا يعملان بها منذ 25 أبريل/نسيان الماضي، بعد إيصال الكوادر الطبية في بحري».
وأشارت إلى أن «غرفة الطوارئ في المدينة، أعادت تشغيل مستشفى حاج الصافي في بحري يوم 24 أبريل/نيسان بعد خروجه عن الخدمة بسبب محاصرته من عناصر ميليشيا الدعم السريع، وتسلمت الغرفة، على ضوء ذلك، عربة إسعاف من إدارة الإسعاف المركزي بحري للعمل في الطوارئ وظل المتطوعان المستهدفان لدى الجيش يعملان بعربة الإسعاف منذ استلامها في نقل المرضى والمصابين بين عدد من المستشفيات، ولا علاقة لهما البتة بالدعم السريع».
ضغط شعبي أجبر الجيش على إطلاق اثنين من مناصريها اعتقلهما بتهمة «التعاون مع الدعم السريع»
وأدانت ما تضمنه بيان الجيش الأول «عمداً أو جهلاً من إيحاءات بدعم أعضاء في لجان المقاومة لميليشيا الدعم السريع» مبينة أن «موقفها ظل واضحا من هذه القوات منذ اليوم الأول، بينما كانت قيادة الجيش تتواطأ مع قائد الميليشيا، وتسمح له بالتوسع عسكرياً واقتصادياً وسياسياً». وعبرت عن أسفها من «اندفاع الجيش إلى هذا الدرك السحيق، ورمي التهم جزافاً على من تصدوا لمهام أجهزة الدولة في غيابها ـ من دون تثبت أو تحقق ـ ليزيد الهوة المتسعة سلفاً بينه وبين قوى الثورة».
وشددت في الوقت نفسه على «ضرورة فتح ممرات آمنة للعاملين في المجال الصحي والمتطوعين ليؤدوا عملهم من دون مضايقات».
وفي السياق، اعتبرت مجموعة «محامو الطوارئ» أن اعتقال أعضاء المقاومة من قبل الجيش اثناء تقديمهم للمساعدة وتصنيفهم كجزء من طرفي الاقتتال هو تطور مخيف في سلسلة الانتهاكات التي أفرزتها الحرب المشؤومة.
ودعت كذلك إلى «ضرورة الالتزام بالهدنة المعلنة من جانب طرفي الاقتتال وفتح الممرات الآمنة السماح للمواطنين بقضاء حوائجهم وتلقي الخدمات الانسانية بقدر المستطاع».
وأكدت أنه «منذ صبيحة إندلاع الحرب، رصدت انتهاكات متواصلة للقانون الدولي والإنساني والأعراف وحقوق الإنسان جراء الحرب وما سببته من قتل ودمار وخراب ونهب».
قلق شديد
كما أبدت قلقها الشديد من «الحملات الإعلامية ضد لجنة الأطباء المركزية ولجان المقاومة الذين يقومون بأدوار عظيمة منذ اندلاع الحرب، عبر غرف الطوارئ في مدن السودان المختلفة والمساعدة وتلبية حاجات المواطنين في ظل تردي الأوضاع الإنسانية والخدمية».
ويشار أن اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء ولجنة الأطباء المركزية، واجهتا حملات إعلامية شرسة قادها فلول النظام السابق، وبعض المحسوبين على الجيش، في مسألة عدم تسميتها بصورة مباشرة الانتهاكات التي تقوم بها قوات «الدعم السريع» بعد احتلالها للمستشفيات وسط تلميحات واتهامات بدعمها الطرف الآخر ضد الجيش.
وظلت النقابة تدافع عن موقفها، مؤكدة التزامها «بقيم وتقاليد مهنة الطب وبالبروتوكولات الصحية والعلاجية وسط انهيار شبه كامل للقطاع الصحي الذي صار مسرحا لساحات المعارك والقتال».
وأوضحت أن «البروتوكولات والمواثيق الدولية تلزم النقابة في أوقات الحرب بعدم الإدلاء بأيّ ما من شأنه تعريض حياة الأطباء العاملين والمرضى والمدنيين من طالبي الخدمات الطبية للخطر، وتحويلهم لأهداف لأطراف النزاع المسلح».
اتهامات للنظام السابق
في الموازاة، اتهم المتحدث باسم قوى «الحرية والتغيير» شهاب إبراهيم، فلول النظام البائد بإشعال الحرب ومحاولة تصفية قوى الثورة، وقال: «استهدفوا المبعوثين الإقليميين والدوليين واتهموهم بالمؤامرات، فحشدوا لهم تظاهرة أمام (بعثة الأمم المتحدة) ظنا منهم أنها سترعب المجتمع والإقليمي والدولي».
«الدعم السريع» بدوره حاول الاستناد على اتهامات الجيش للجان المقاومة، لتأكيد ما كان يقوله بأن «فلول النظام هم من قاموا بإشعال الحرب» وقال: «استمر الانقلابيون ـ الجيش ـ في حملة الأكاذيب والتضليل المفضوحة باتهامهم لعناصر من لجان المقاومة وغيرهم من شرفاء شعبنا بمساندة الدعم السريع بعدما انكشفت ادعاءاتهم البائسة باستعانة قواتنا بمقاتلين من دول الجوار، وربما نشهد غداً تسمية مساندين من جهات جديدة من نسج خيالهم المريض».
وحذر من «عناصر النظام البائد المتطرفة والإرهابية التي تدعو قيادة الانقلاب ـ الجيش ـ وبشكل مباشر، إلى التحول لسياسة الأرض المحروقة وتنفيذ إبادة جماعية ضد الشعب السوداني بقصف جميع مدن ولاية الخرطوم بالطيران والمدافع، بما في ذلك المواقع التي يوجد فيها محتجزو القوات المسلحة لديهم».
يشار إلى أن لجان المقاومة وعددا من قوى الثورة السياسية والمهنية في السودان رفعوا شعار «لا للحرب» تجاه الاشتباكات الدائرة بين الجيش و«الدعم السريع».
وقال بيان لتنسيقيات المقاومة: «لسنا على الحياد لأننا في معركة سلمية منذ عهد المخلوع البشير وحتى الآن ضد عسكرة البلاد وسيطرة البنادق على الشوارع، بدأنا بسلميتنا وسنواصل بها لتحقيق أهدافنا ضد كل أطراف الحرب الجارية الآن في شوارع البلاد».
واتهمت طرفي النزاع بـ«عداوتهما للثورة والثوار» مؤكدة في الوقت نفسه أنها «ضد الحرب وضد أي نتيجةٍ تُسفرُ عنها، لان كلا المتحاربين لا يهمهم أمن وسلامة الشعب لذا ندعوهما لعدم تصفية حساباتهم وسط المواطنين الأبرياء».