ـ حركات التمرد السابقة في دارفور تتخذ موقفا محايد من الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” لكنها تشارك بشكل غير مباشر في القتال ضمن اللجنة الأمنية المشتركة مع الجيش
ـ يسيطر الجيش على المدن الرئيسية في ثلاث ولايات بدارفور، بينما تبسط قوات الدعم السريع سيطرتها على جنوب دارفور، فيما يشتعل القتال في ولاية غرب دارفور
ـ يرى الجيش أن القتال في غرب دارفور ذو طبيعة قبلية بينما يقول شهود عيان إن قوات الدعم السريع هاجمت وحدات للجيش
مع استمرار المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم، توشك جبهة إقليم دارفور (غرب) أن تشتعل مجددا بعد أعوام قليلة من خمود بركان التمرد فيها.
ووضع دارفور أعقد من الخرطوم، بسبب الحساسيات القبلية والعرقية بين القبائل العربية والقبائل الإفريقية، وانتشار حركات التمرد السابقة بها، وإمكانية انخراطها في الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ـ لمن تنحاز الحركات المسلحة؟
وتحاول حركات التمرد السابقة في دارفور، أخذ موقف محايد من الصراع الدائر بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع (شبه عسكرية) بقيادة محمد حمدان دقلو، المدعو حميدتي.
إلا أن حركات التمرد الدارفورية السابقة شاركت بشكل غير مباشر في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، تحت لواء “اللجنة الأمنية المشتركة”، المشكلة من وحدات من الجيش وقادة حركات التمرد السابقة.
وهذا ما دفع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين، إلى التأكيد بأن “جميع الحركات المسلحة تعمل مع القوات المسلحة النظامية جنبا إلى جنب دفاعا عن الوطن”، الأمر الذي تحفظت عليه الحركات المسلحة التي تحاول أخذ مسافة بينها وبين “اللجنة الأمنية المشتركة” رغم أنها جزء منها، بهدف عدم الزج بالإقليم في أتون الحرب مجددا.
وتشكلت اللجنة الأمنية المشتركة، بعد “اتفاق جوبا للسلام”، الموقع بين الحكومة وبعض حركات التمرد في دافور والجنوب الجديد، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد نحو عام من سقوط نظام البشير.
وهذا ما يفسر عدم سقوط ولاية شمال دارفور ومركزها الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، بيد قوات حميدتي، رغم أنها مسقط رأس الأخير.
بينما سقطت مدينة نيالا، مركز ولاية جنوب دارفور، في حين يشتعل القتال في مدينة الجنينة، مركز غرب دارفور، والتي كانت المعقل الرئيسي للحركات المسلحة في زمن التمرد، خاصة وأنها مفتوحة على الأراضي التشادية.
لكن محاولة قوات حميدتي، السيطرة على كامل إقليم دارفور بولاياته الخمس، من شأنه أن يدفع حركات التمرد الدارفورية السابقة للقتال إلى جانب الجيش، ما سيقلب معادلة التحالف التي كانت قائمة في الحرب التي اندلعت ما بين عامي 2003 و2019.
ويضم إقليم دارفور 5 ولايات تتمثل في: شمال دارفور، وجنوب دارفور وغرب دارفور، وشرق دارفور ومركزها زالينجي، ووسط دارفور ومركزها الضعين، ويترأس الإقليم حاليا مني أركو مناوي، زعيم حركة تحرير السودان (المتمردة سابقا)، والتي يقودها جناحها الآخر عبد الواحد نور.
** المشهد الحالي في دارفور
المشهد السياسي والعسكري في دارفور ملتبس ومعقد، بالنظر إلى تعدد الفاعلين القبليين والعسكريين في الإقليم، ما يهدد بخروج معادلة الصراع من ثنائية الجيش وقوات الدعم السريع، إذا طالت المعارك في الخرطوم وتطايرت شراراتها إلى الأطراف.
فالجيش يسيطر “نسبيا” على ولايات: شمال دارفور، الحدودية مع ليبيا وتشاد، وشرق دارفور، الحدودية مع دولة جنوب السودان، ووسط دارفور، الحدودية مع تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على جنوب دارفور، الحدودية مع دولة جنوب السودان.
غير أن الولاية المشتعلة حاليا فهي غرب دارفور الحدودية مع تشاد، والتي كانت المعقل الرئيسي للتمرد، بفضل تضاريسها الصعبة وخاصة جبل مُرة، الذي يوصف بأنه ذو مناخ متوسطي في قلب الصحراء، وينتج أحد ألذ أنواع البرتقال رغم حجمها الصغير.
والغموض في تحديد أطراف النزاع في غرب دارفور، يحمل في طياته مخاطر تجدد الحرب التي اندلعت في 2003، والتي بدأت كنزاع بين الرعاة والمزارعين، ثم تطورت لتصبح صراعا بين القبائل العربية والقبائل ذات الأصول الإفريقية، لتتحول إلى حرب بين الجيش السوداني وحركات مسلحة لها مطالب سياسية واجتماعية بينها رفض تهميش الإقليم.
وشهدت الجنينة، عاصمة ولاية غرب السودان، مؤخرا سقوط عشرات القتلى، في قتال وصفه الجيش بأنه ذو طبيعة “قبلية” بين قبائل عربية وقبيلة المساليت الإفريقية.
غير أن وسائل إعلام، نقلت عن شهود عيان، أن قوات الدعم السريع و”حلفائها”، هاجمت الجنينة، التي يقطنها سكان من المساليت، وقتلت ونهبت المدينة، على طريقة ما كان يفعله “الجنجويد” ما بين 2003 و2019، الأمر الذي نفته قوات حميدتي.
كما تم تداول تقارير تتحدث عن مهاجمة قوات الدعم السريع في ولاية غرب السودان لوحدات من الجيش كانت في طريقها لتنضم إلى القوات المشتركة مع تشاد لتأمين الحدود، ولم يتسن للأناضول التأكد منها.
وفي هذا الصدد، نقلت شبكة بي بي سي، البريطانية، في 28 أبريل، عن والي غرب دارفور خميس أبكر، قوله إن “الاشتباكات بدأت منذ ثلاثة أيام، بعدما وصلت عناصر من القوات المسلحة السودانية إلى قيادة القوات السودانية التشادية المشتركة في مدينة الجنينة، وحينها هاجمتها قوات من الدعم السريع”، وهو ما قاله كذلك شهود عيان لبي بي سي، بينما نفته قوات الدعم السريع.
وبالحديث عن حلفاء قوات الدعم السريع، تحدثت تقارير عن وصول عناصر توصف أنها من “الجنجويد” في مالي والنيجر إلى دارفور للمشاركة في القتال بالإقليم إلى جانب قوات الدعم السريع، وهو ما لم تؤكد مصادر حكومية.
ومن المعروف أن قوات حميدتي، أغلبها تنتمي إلى قبائل الرزيقات العربية، التي لها امتدادات في الصحراء الإفريقية الكبرى من تشاد إلى النيجر ومالي.
ولكن قبيلة الرزيقات، ليست على قلب رجل واحد، فهي منقسمة بين الأبالة (رعاة الإبل) الذين يتحدر منهم حميدتي، والبقارة (رعاة البقر) الذين يتحدر منهم موسى هلال، الذي يوصف بأنه زعيم الجنجويد (أطاح به حميدتي في 2017)، لكنه يقف حاليا إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
وسبق أن شهدت ولاية جنوب دارفور مناوشات قبلية بين الأبالة والبقارة على غرار ما جرى في 2010، رغم أنهما ينحدران من فرع واحد، لكن الصراع على المراعي والسلطة والنفوذ ومناجم الذهب أشعل الخلاف بينهما.
فحبال الصراع تفلت من بين أيدي الجيش وقوات الدعم السريع، وبمجرد حسم معركة الخرطوم لأحد الطرفين، من المرجح أن تتحول دارفور إلى البؤرة الرئيسية للقتال، رغم أنها لم تلملم بعد جراحها، لكن أطرافا ثالثة بعضها محلي والآخر أجنبي تستعد لدخول الحرب لكن وفق أجنداتها الخاصة.