سبوتنيك– مع اقتراب أسبوع الحرب الثالث من نهايته بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان، لا تزال طلقات الرصاص وقصف المدافع وطلعات الطيران هي الأجواء المسيطرة على المشهد، ورغم الإعلان عن هدنات متكررة في الخرطوم إلا أن الاقتتال والصراع لم يتوقف، تتزامن معه عمليات الفرار والنزوح من المناطق الملتهبة.
في تلك السطور نرصد جانبا من معاناة الفارين من جحيم الحرب إلى المناطق البعيدة عن القتال وكيف تمر عليهم الساعات والجهات التي تساعدهم.
بداية يقول فضل عبد المطلب، مسؤول التطوع بالهلال الأحمر السوداني في الولاية الشمالية (دنقلا)، إن الولاية الشمالية تبعد عن الخرطوم العاصمة مئات الكيلومترات، ونظرا لبعدها عن
المواجهات العسكرية الدائرة تحولت إلى ملاذ آمن للنازحين من العاصمة والمناطق القريبة من الصراع.
الدعم النفسي
وقال في اتصال مع “سبوتنيك”، نقوم في الهلال الأحمر باستقبال النازحين عبر الطرق البرية وغيرها ونقدم لهم المواد الغذائية والدعم النفسي، كما نقوم بمساعدتهم على توفير أماكن الإيواء سواء عن طريق مساعدتهم في تأجير منازل لمن يمتلكون المال، أو تدبير الاستضافات لهم عن طريق أهل الخير في الولاية، حيث أن جميع الجهود الإغاثية محلية ولم نتلق أي دعم خارجي.
وأشار عبد المطلب إلى أن هناك نسبة من النازحين هم في الأساس من أبناء الولاية والذين يقطنون في الخرطوم والباقي من الفارين من جحيم الحرب نتيجة اشتداد عمليات القتال في المدن والأحياء، وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم أو حتى الوصول إلى الصيدليات أو المستشفيات، والتي أغلق غالبيتها أبوابه نتيجة نقص الإمدادات، وفق الروايات التي نسمعها من العائلات النازحة إلى الولاية الشمالية.
وأكد مسؤول الهلال الأحمر أن الدعم النفسي والمواد الغذائية هو أو ما نقوم بتقديمه للنازحين، حيث يمثل الدعم النفسي عامل هام جدا لإخراج الأطفال والنساء من حالة الرعب والخوف التي عاشوها تحت القصف وسببت لهم صدمات نفسية قد تحتاج إلى أوقات طويلة للعلاج، أضف إلى ذلك هناك الكثير من الحالات الفارة من جحيم الحرب تعاني من بعض الإصابات، لذا نقدم لهم الاسعافات الأولية والمعلومات التي يرغبون في معرفتها عن المنطقة.
صوت الرصاص
من جانبها تقول د.نواره بافلي، خبيرة التنمية الريفية المستدامة والعلوم البيئية شرق السودان، إن المأساة تكمن في استمرار الحرب في الخرطوم التي روعت المواطنين لاسيما الأمهات والأطفال الذين بدأوا اختباراتهم النهائية لإعلان الأجازة الصيفية وبداية عام دراسي جديد.
وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك”: “ضاعت آمال الأطفال بمجرد سماع صوت الرصاص وضاع عامهم الدراسي، حيث تم استبدال نشيدهم الصباحي وتحية العلم بأصوات القنابل والرصاصات القاتلة للأمهات والأطفال حتى إن الجميع يعاني ويتحين الفرصة للفرار من الخرطوم بعد أن تحولت الشوارع إلى مقابر مفتوحة و وأصبحت كل المرافق والخدمات نادرة”.
حالة هيستيرية
وتحكي بافلي عن صديقتها التي تقول إن ابنها كاد أن يصاب بالجنون ودخل في حالة هيستيرية نتيجة لسماع طلقات المدافع والرصاص، لذا كان الخيار الأوحد للأسر بالخرطوم هو النزوح إلى الولايات أو خارج السودان، ولكن هذا الخيار لاقى مالاقى من المعاناة أولها كيفية الخروج من البيوت بطريقة آمنة للوصول إلى المواصلات التي تؤدي إلى مناطق بعيدة عن صوت الدانات المرعبة.
وتابعت بافلي أن المشكلة الأصعب من النزوح هي استغلال أصحاب المركبات لهذه الأزمة بزيادة أسعار التذاكر بأضعاف مضاعفة، ومثال ذلك تذكرة السفر من الخرطوم زادت من 12 دولارا تقريبا إلى 120 دولارا أو ما يزيد عن ذلك، وكان التأثير أكبر على الأسر والأطفال الذين عانو الأمرين، نار الحرب ونار الأسعار المتزايدة دون مراعاة للوضع والألم الذي يعيشه الناس.
المعابر الآمنة
وأشارت خبيرة التنمية الريفية إلى أن مدينة بورتسودان التي تنتمي لها تعد من المعابر الآمنة لإجلاء الأجانب إلى الخارج عبر المملكة العربية السعودية ومنها إلى دول العالم المتفرقة عبر ميناء بورتسودان إلى ميناء جدة.
ولفتت بافلي إلى أن منظمات المجتمع المدني السودانية لعبت وما زالت تلعب دورا كبيرا عن طريق طرح المبادرات الشعبية،
باستضافة الفارين من الحرب إلى إيوائهم وتقديم الخدمات لهم من مأكل ومشرب ومسكن إلى حين اجلائهم خارج البلاد أو البقاء إلى حين تنجلي هذه الكارثة والحروب الطاحنة.
واستبعد مبعوث الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، اليوم الأربعاء، أن يشهد العالم نهاية لموجة النزوح من السودان للدول المجاورة قريبا.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده غريفيث لدى وصوله إلى السودان.
وأكد غريفيث أن الأمم المتحدة تسعى لتقديم المساعدة للنازحين في السودان ومنع خروجهم إلى دول الجوار.
وقال المبعوث الأممي إن المنظمة الدولية تسعى للحصول على ضمانات من كافة الأطراف لحماية المساعدات الإنسانية، بعدما تم سرقة شاحنات المساعدات الإنسانية التي كانت متجهة إلى إقليم دارفور.
وأضاف أن المنظمات الإنسانية تعمل وسط ظروف صعبة في السودان، ويجب توفير الحماية لها.
وأشار إلى أنه يتم العمل على نشر مزيد من الموظفين لإيصال المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررا في البلاد.
كما دعا غريفيث المجتمع الدولي لبذل المزيد لإرسال المساعدات إلى السودان.
ووصل غريفيث، اليوم الأربعاء، إلى السودان وذلك في اليوم الأخير من الهدنة التي من المفترض أن تنتهي عند منتصف الليل، ولم يكن لها تأثير يذكر لوقف القتال.
وتأتي الزيارة وسط قلق متزايد بشأن الوضع الإنساني في السودان، بسبب القتال الناجم عن الصراع على السلطة في البلاد.