أفادت صحيفة سودانية بأن قوات إثيوبية شنّت في 18 أبريل/نيسان الجاري هجوما بريا على منطقة الفشقة في السودان، بعد ثلاثة أيام فقط على اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ونفى رئيس الوزراء الإثيوبي شن قواته توغلا عبر الحدود، الأمر الذي أكدته لفرانس24 مصادر سودانية مشيرة إلى أن ميليشيات مسلحة هي من تقف وراء الهجوم على المنطقة الزراعية الهامة المتنازع عليها بين البلدين الجارين، اللذين يؤكدان أنها داخل حدودهما الدولية ويتبادلان الاتهامات حيالها بانتهاك سيادة أراضي الطرف الآخر.
تحقيق أمين زرواطي فرانس24
نشرت يومية “السوداني” في 19 أبريل/نيسان خبرا مفاده أن قوات إثيوبية نفّذت ثلاثة أيام بعد اندلاع الاشتباكات في السودان “غزوا وهجوما على الفشقة الصغرى.. معززة بالدبابات والعربات المصفحة وحشود كبيرة من المشاة”. مضيفة بأن وحدات الجيش السوداني تعاملت على الفور معها “بمنظوماتها النيرانية المختلفة والبعيدة المدى فكبّدتها خسائر فادحة في الأفراد والعتاد”.
وأوضحت الصحيفة ومقرها الخرطوم بأن القوات السودانية المتمركزة على الحدود الشرقية رصدت “حركة استنفار ونشاطا غير عادي لدى القوات الإثيوبية ومعسكراتها، كما رصدت عمليات الاستطلاع والرقابة الكثيفة التي تقوم بها القوات الإثيوبية”، وذلك منذ اندلاع المعارك بين الجيش السودان و قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان.
-
“إثيوبيا لا تريد استغلال الظروف الحالية في السودان”
في المقابل، دان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي في بيان نشره على منصات التواصل هذه الأنباء، محذرا “الجهات التي تعمل في التحريض والوقيعة بينها (بلاده) وبين السودان الشقيق”. وقال إن هناك جهات تدعي “بأن إثيوبيا أدخلت قواتها داخل المناطق الحدودية السودانية. فنحن ندين بشدة هذه الادعاءات، التي تصبوا إلى تشويه علاقات حسن الجوار بين إثيوبيا والسودان”.
وأضاف آبي أحمد: “نحن نؤمن إيمانا راسخا بأن قضية الحدود بين بلدينا الشقيقين ستحل عبر الحوار والمناقشات حيث تثمن إثيوبيا الأخوة، وحسن الجوار بين بلدينا، ولا ترغب بتاتا في انتهاز الظروف الحالية التي يمر بها السودان الشقيق”.
كما قال المسؤول الإثيوبي: “لا ترغب إثيوبيا بتاتا استغلال الظروف الحالية التي يمر بها السودان الشقيق. بل كل ما تتمناه هو أن يعود السلام والاستقرار في السودان”.
-
“ميليشيات تتحرك بدون علم إثيوبيا”
في نفس السياق، أوضح اللواء أمين مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات الدولية بالخرطوم، بأن “من الواضح أن بعض ميليشيات الفانو (مجموعة مسلحة من إقليم أمهرة الإثيوبي) تتحرك في هذه المنطقة بدون علم السلطات الإثيوبية. وربما تحاول استغلال الاضطرابات في الداخل السوداني لتجد لها موطئ قدم في هذه المنطقة. هذه الأحداث المتعددة والمتكررة تتصدى لها القوات المسلحة السودانية وتنتهي بشكل فوري، أي أنها لا تؤثر على الأمن الداخلي بالمنطقة الشرقية ولا تؤثر على ما يدور في الخرطوم الآن من صراع بين القوات المسلحة والدعم السريع”.
وأضاف محدثنا: “أعتقد أنها مليشيات الفانو التي تتبع لأمهرة (إقليم يقع شمال غرب إثيوبيا). كما أن القيادة الإثيوبية أكدت قبل يومين أنها لن تستغل ما يحدث في السودان للتمدد في هذه المنطقة التي تحكمها اتفاقيات. ليس من مصلحة إثيوبيا التورط في هذا الأمر لأنها تحتاج إلى السودان في ملفات عديدة منها سد النهضة والجالية الإثيوبية في السودان والتجارة الحدودية، وأيضا استخدام ميناء بورتسودان. بالتالي أعتقد أنها تصرفات فردية”.
كما أوضح مجذوب بأن نقل القوات السودانية إلى الخرطوم بعد اندلاع المعارك لا يعني إخلاء منطقة الفشقة من القوات، وقال في هذا الشأن: “نقل القوات إلى الخرطوم لا يعني نقل كافة القوات، بل مجرد تعزيزات تراعي الإبقاء على توازن القوى سواء بين تلك المنشورة في العاصمة أو في الفشقة. وفي الأصل تم نقل تلك القوات من مواقعها في الخرطوم وفي الشمال إلى منطقة الفشقة والآن جاءت الفرصة لإعادتها إلى مواقعها والمشاركة في الصراع لتنظيف العاصمة. أعتقد أن إثيوبيا لن تكون طرفا في هذا الصراع مثلما كان السودان محايدا في صراع تيغراي حيث لم يتدخل لصالح أي طرف. إثيوبيا تعلم أن الوضع لا يتحمل وأنها يمكن أن تتضرر هي الأخرى”.
من جانبه، أكد اللواء المتقاعد الرشيد المعتصم، الباحث في مركز الخرطوم للحوار، بأن الجيش الإثيوبي لم يتورط في الهجوم الأخير على منطقة الفشقة السودانية، واتهم المعتصم: “مجموعات مسلحة قبلية في إقليم أمهرة الإثيوبي لديها حاليا بعض الخلافات مع الحكومة المركزية الإثيوبية فيما يتعلق بملف الحرب في إقليم تيغراي، ولها موقف من اتفاقية السلام مع جبهة تحرير تيغراي. سبق وأن تم ضم الأراضي الإثيوبية المتاخمة لمنطقة الفشقة في الداخل الإثيوبي إلى إقليم تيغراي في عهد الرئيس الإثيوبي الراحل ملس زيناوي. لكن ميليشيات الفانو في أمهرة ترفض هذا التقسيم وتعتبر هذه الأراضي جزءا من هذا الإقليم”.
وتابع المعتصم: “كما أن المزارعين من إقليم أمهرة الإثيوبى تاريخيا يعملون في موسم الحصاد في هذه الأراضي ويأخذون الأجر. وفي موسم الخريف عادة ما يتطلع المزارعين في الجانب الإثيوبي للاستثمار في هذه الأراضي الخصبة التي تجري فيها عدة أنهر تصب في أفرع نهر النيل، منها باسلام (بحر السلام). في مراحل لاحقة بدأ بعضهم يستأجر الأراضي في موسم الخريف، ويزرع مع السودانيين لمواسم طويلة استمرت لعقود، بين سكان المناطق الحدودية في ولاية القضارف السودانية ومنطقة القلابات وإقليم أمهرة الإثيوبي. مع مرور الوقت، وفي ظل حرب الحكومة المركزية مع المتمردين في جنوب السودان حينها، وانشغال الحكومة السودانية في جبهات القتال الواسعة في جنوب السودان ودارفور، بدأت عصابات تسمى الشفتة لفترة طويلة تعتدى على المزارعين السودانيين. تجدر الإشارة إلى أن هناك لجانا حدودية مشتركة وصلت إلى مراحل متقدمة في حسم هذا الملف إبان حكومة ملس زيناوي، لكن ووجهت بضغوط كبيرة من البرلمان الإقليمي لأمهرة”.
-
ما أهمية الفشقة ومتى اندلع النزاع عليها؟
قال الصحافي إسلام عبد الرحمن، مراسل إذاعة مونت كارلو الدولية في الخرطوم، إن الفشقة “هي منطقة سودانية في الأساس رغم وجود تنازع من الناحية القانونية (مع إثيوبيا)، لكنها معروفة في كل المواثيق القديمة كأرض سودانية باعتراف الإثيوبيين. رغم ذلك يبقى لإثيوبيا أطماع في هذه الأراضي لأنها تعد من أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة على مستوى السودان والوطن العربي وربما عالميا”.
أضاف عبد الرحمن: “مر أكثر من قرن على النزاع الحدودي في منطقة الفشقة على الحدود الشرقية بين السودان وإثيوبيا، وهو نزاع يتجدد حسب الوضع السياسي. اندلع النزاع تحديدا في عام 1902 بعد توقيع معاهدة ترسيم الحدود بين إمبراطورية إثيوبيا والإدارة الاستعمارية البريطانية سابقا في السودان. منذ خمسينيات القرن الماضي، يتهم الجانب السوداني ما يطلق عليها ميليشيات الشيفتا التي تقوم باعتداءات متكررة على مناطق الفشقة بهدف إخلاء الشريط الحدودي من المزارعين السودانيين ومن ثم الاستيلاء عليها واستيطانها وزراعتها”.
وأوضح مراسل مونت كارلو أنه رغم النفي الإثيوبي الرسمي، فإن “المشكلة الآن هي أن الجيش السوداني في معركته داخل الخرطوم قد استعان بقواته التي كانت متمركزة في منطقة الفشقة، وهي تمثل نقطة ضعف قد تسيل لعاب الإثيوبيين لمحاولة تكرار الهجوم على منطقة الفشقة والسعي إلى احتلالها”.
-
“الأطماع حول الفشقة تظل موجودة”
وقال عبد الرحمن أيضا: “تظل الأطماع حول الفشقة موجودة ويظل الاستيلاء على هذه الأراضي مكسبا إستراتيجيا بالنسبة للإثيوبيين، حيث إنها تؤمن لهم الغذاء بالكامل خصوصا وأنها معروفة بزراعة الذرة والسمسم، ولما لا أيضا تصديره إلى الخارج. ولاية القضارف تحديدا معروفة على المستوى العالمي من حيث صادرات السمسم وعدد من المحاصيل الإستراتيجية كانت تزرع في الفشقة وعلى كامل الشريط الحدودي في ولاية القضارف الكبرى، والتي تضم أخصب الأراضي الزراعية في السودان. وهي تنقسم إلى ثلاث مناطق: الفشقة الكبرى ويحدها نهر سيتيت شمالا وبحر باسلام أو السلام جنوبا وأيضا نهر عطبرة غربا. الفشقة الصغرى ويحدها شمالا بحر باسلام وشرقا نهر عطبرة وشرقا الحدود مع إثيوبيا. والفشقة الثالثة هي المنطقة الجنوبية. مساحتها تبلغ حوالي 2 مليون فدان (حوالي 8093 كلم مربع) منها 168 كلم من الحدود مع إثيوبيا من إجمالي مساحة الشريط الحدودي لولاية القضارف مع إثيوبيا البالغة حوالي 265 كلم”.
وأكد عبد الرحمن على أنه “لا يوجد دخول مباشر للقوات الإثيوبية لكن تظل هذه المخاوف خاصة بالنسبة للمزارعين السودانيين موجودة، فهناك تخوف من اقتحام في أي لحظة من قبل القوات الإثيوبية أو ميليشيات الشيفتا، لكن أعتقد أن الجيش السوداني تفطن لهذه المسألة وهي لن تتم بسهولة خاصة وأنه بذل مجهودا كبيرا في استعادة هذه الأراضي وتأمينها”.
ولا تزال الفشقة محل نزاع حول ملكيتها بين البلدين الجارين، حيث يؤكد كل منهما أن المنطقة داخل حدوده الدولية، كما يتبادلان الاتهامات بانتهاك سيادة أراضي الطرف الآخر. وعلى مدى أكثر من عقدين استقر آلاف المزارعين الإثيوبيين في الفشقة وزرعوا أرضها، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وظلت القوات السودانية، حسب نفس الوكالة، خارج الفشقة حتى اندلاع نزاع تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لتعود إليها من أجل “استعادة الأراضي المسروقة”. وعقد البلدان محادثات عدة على مر السنين، لكنهما لم يتوصلا أبدا إلى اتفاق على ترسيم خط الحدود الفاصل بينهما.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قُتل عدد من العسكريين السودانيين في هجوم للقوات الإثيوبية على منطقة الفشقة حسبما أعلن الجيش السوداني آنذاك في بيان قال فيه: “تعرضت قواتنا التي تعمل في تأمين الحصاد بالفشقة الصغرى في منطقة بركة نورين لاعتداء وهجوم من مجموعات للجيش والمليشيات الإثيوبية استهدفت ترويع المزارعين وإفشال موسم الحصاد والتوغل داخل أراضينا”، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.