تستعد بريطانيا لحفل تتويج الملك الجديد، تشارلز الثالث، في أيار/مايو المقبل، وسط أزمات سياسة واقتصادية واجتماعية تفرضها التغيرات الطارئة على محيطها. مع ذلك، حمل حفل التتويج المزيد من المفاجآت للبريطانيين عموما، كان على رأسها قرار الملك السماح لأشخاص “غير مسيحيين” حضور حفل التتويج، ما شكل خرقا لتقليد عمره عشرات القرون، وأحدث نوعا من التشنج مع رأس الكنيسة الأنغليكانية.
في السادس من أيار/مايو المقبل سيتم تتويج الملك تشارلز الثالث ملكا لبريطانيا، في حفل يتوقع أن يتم تنظيمه بمراسم ملكية ضخمة. الحدث الأول من نوعه منذ 70 عاما، طغت عليه عناوين وأزمات كبرى (التضخم، أزمة الطاقة، الحرب في أوكرانيا…) جعلت المنظمين يتجهون إلى تخفيض التكاليف مع الحفاظ على التقاليد الإمبراطورية.
الكثير من التكهنات رافقت عملية الإعداد للاحتفال الذي ستشهده البلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار شخصية الملك الجديد (74 عاما) واستعداده لتولي مهماته بسرعة قياسية. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية منذ توليه العرش، سعى تشارلز للقاء ممثلي الديانات المختلفة في بريطانيا، وأمر بإدخال تعديلات عصرية على المساكن الملكية، ثم فاجأ الجميع بقراره فتح الأرشيف الملكي للباحثين الذين يحققون في علاقة العائلة المالكة بـ”الإتجار بالبشر”.
وحسب المؤرخ الملكي روبرت لاسي “… في الواقع، أصبح ملكا أسرع مما توقعه الناس”.
“إظهار للقواسم المشتركة بين الأديان”
ومن القرارات التي اتخذها تشارلز والتي تدل على سعيه “للتغيير”، إشراك أعضاء “غير مسيحيين” في احتفال التتويج المرتقب، حيث سيشارك أعضاء في مجلس اللوردات البريطاني من الديانات الإسلامية والهندوسية والسيخ واليهودية، في سابقة تطرأ على التقليد المتبع منذ قرون.
وكان قرار تشارلز قد أثار خلافا مع الكنيسة الأنغليكانية، المشرفة على حفل التتويج لقرون مضت، والتي اعتبرت أن إشراك أشخاص من ديانات أخرى في حفل التتويج يتعارض مع القانون الكنسي والتقليد المتبع في مثل تلك المناسبات منذ ألف عام.
وكانت صحيفة الغارديان قد ذكرت أن أساقفة كانتربري ويورك نشروا رسالة تذكر رجال الدين بأن حفل التنصيب هو حدث ديني “من خلاله نتلقى من يسوع”، في إشارة إلى البعد الديني للحفل كونه يثبت سلطة الملك السياسية على البلاد والدينة على رأس الكنيسة.
ولن يتحدث أي من اللوردات خلال حفل التتويج، لكنهم سيشاركون في موكب تقديم “عناصر الملك”.
وسيحمل اللورد كمال، 56 عاما، وهو مسلم من حزب المحافظين، الذراعين (مجموعة من الدعامات المزخرفة بالذهب) إلى الملك، وسيتبعه البارون ميرون وهو من الديانة اليهودية واللورد سينغ من السيخ واللورد باتيل من الهندوس، ليقدموا رداء وقفازا وخاتما على التوالي.
وقال اللورد سينغ لصحيفة التايمز إن خطط الاحتفال هي “إظهار للقواسم المشتركة بين الأديان… إنها تؤكد على النقطة التي قالها (الملك) مرارا وتكرارا بأنه مدافع عن العقيدة المسيحية بشكل كامل، بما يشمل احترام جميع الأديان الأخرى”.
الأزمات تخيم على العهد الجديد
ولطالما كان لتشارلز أثر في الحياة العامة في المملكة، حيث أسس في سبعينيات القرن الماضي (كان حينها أميرا لويلز) “صندوق الأمير، الذي تمكن بحلول 2020 من مساعدة نحو مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 11 و30 عاما يأتون من خلفيات محرومة. كما كان له آراء في مناسبات متعددة، بعكس العرف القائم بضرورة حياد أفراد العائلة المالكة، بقضايا بيئية ومناخية وسياسية أحيانا.
لكن مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد وارتفاع معدلات التضخم، بات المزيد من البريطانيين، خاصة الشباب، يرون في العائلة المالكة عبئا اقتصاديا إضافيا، يضاف إلى أعبائهم اليومية.
وبدأت الأصوات تتعالى بشأن التكلفة المادية لحفل التتويج، التي ستتكبدها الحكومة، خاصة وأن ميزانية أحداث مماثلة لا يتم الإعلان عنها قبل انتهائها. لكن بالمقارنة، كلف آخر حفل تتويج (الملكة إليزابيث عام 1953)، ما يعادل 21 مليون جنيه إسترليني.
وبعد تتوجه في أيار/مايو القادم، سيصبح تشارلز الملك الجديد للمملكة المتحدة ومعها 14 مملكة أخرى بينها كندا وأستراليا وجزر البهاماس.
وبهذا، يصبح تشارلز الثالث الملك البريطاني الأربعين الذي يتوج في كنيسة ويستمنستر منذ وليام الفاتح عام 1066.