«الإخوان المسلمون» يُخطئون لكنهم لا يتعلمون–محمد عايش (القدس العربي)

لا شك في أن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت من المكونات الأساسية للحياة السياسية في المنطقة العربية خلال التسعين عاماً الأخيرة، ولا شك بأنها لعبت دوراً مهماً في تشكيل هذه المنطقة خلال مرحلة ما بعد الاستعمار، ومع تشكل الدول الحديثة في المنطقة، كما أنها توشك على الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا، ما يجعلها أمام واجب إجراء مراجعة استراتيجية شاملة لمسارها.
ومع اعترافنا بأن جماعة الإخوان شكّلت حركة مهمة أضافت الكثير من الإيجابيات للحياة السياسية في العالم العربي، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأنها ارتكبت العديد من الأخطاء السياسية، التي أدت بها إلى أن تدفع ثمناً سياسياً باهظاً، بل ثمناً دينياً أيضاً، إذ إن الإخفاقات التي منيت بها في أكثر من تجربة شكلت ضربة للصحوة الإسلامية، التي كانت تجتاح المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما يُفسر جزئياً موجة الردة عن الدين التي بدأ العالم العربي يشهدها في السنوات العشر الأخيرة.

جماعة الإخوان حركة مهمة أضافت الكثير من الإيجابيات للحياة السياسية في العالم العربي، إلا أنها ارتكبت أخطاء سياسية، أدت بها إلى دفع ثمن سياسي وديني باهظ

خلال السنوات الأخيرة ارتكب الإخوان المسلمون أخطاءً مكررة، وارتكاب الأخطاء هو ظاهرة طبيعية في السياسة، فمن يعمل يُخطئ، ومن المعروف أن البشر أصلاً ليسوا معصومين من الخطأ، ولا يعيبهم أن يرتكبوا الخطأ في مواضع الاجتهاد، لكن المصيبة هي في تكرار الخطأ ذاته. وفي الحديث النبوي الصحيح: «لا يُلدغُ المؤمن من جحرٍ مرتين»، إذ لا ضير في ارتكاب الخطأ ودفع ثمنه، لكن العيب كل العيب أن ترتكب الخطأ ذاته أكثر من مرة وتدفع ثمن ذلك الخطأ مرات ومرات، وأن لا تتعلم من التجربة. في الأسابيع الأخيرة أطل الإخوان المسلمون في السودان ببيان رسمي كارثي يعلنون فيه تأييدهم للجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي دخل في صراع دموي مسلح مع جنرال آخر هو محمد حمدان دقلو المعروف باسم «حميدتي»، وكل منهما يحاول طحن الآخر بعيداً عن الحياة السياسية، من أجل السيطرة على البلاد والعباد، في صراعٍ عسكري لا ناقة للسودانيين فيه ولا جمل، وإنما يدفع الشعب السوداني ثمناً له. انحاز الإخوان المسلمون في السودان إلى جانب الجنرال البرهان (الذي أبرم اتفاق التطبيع مع إسرائيل)، وأعلنوا أن البرهان يريد استعادة «الشرعية»، وهناك بعض المصادر التي تتحدث عن أن عناصر من الإخوان يقاتلون إلى جانبه. وانحياز الإخوان للجيش في السودان سبق أن جربوه في البلد نفسه وفي بلدان أخرى، وفي كل مرة كانوا يدفعون وحدهم الثمن الأغلى للصراع، وفي كل مرة يتخلى عنهم الجنرال الذي انحازوا اليه ومن ثم يبدأ سحقهم. في السودان ذاتها كان المفكر الإسلامي الرائع وزعيم جماعة الإخوان المسلمين حسن الترابي، يقف وراء زمرة من الجيش نفذت انقلاباً عسكرياً في يونيو عام 1989، وهو الانقلاب الذي أطاح بالصادق المهدي ودفع بالرئيس عمر البشير إلى سدة الحُكم، فما كان من هذا الأخير (الجنرال البشير) إلا أن انقلب على شريكه الترابي، وألقى به في السجن لسنوات، واستولى على السلطة منفرداً لنحو ثلاثين عاماً لاحقة. والتجربة في مصر لا تختلف كثيراً، إذ في عام 1952 تحالف الإخوان المسلمون مع «الضباط الأحرار»، الذين أطاحوا بالملك فاروق، وبعدها أيد الإخوان الرئيس جمال عبد الناصر، ضد اللواء محمد نجيب، وما إن استقر الحُكم لعبد الناصر، حتى افتعل «حادثة المنصة»، ومن ثم ألقى بهم جميعاً في السجون، أو على أعواد المشانق. والمشهد ذاته تكرر في عام 2012 عندما كان «الإخوان المسلمون» التيار المدني الوحيد الذي انحاز للمجلس العسكري، وبينما كان المصريون يهتفون «يسقط يسقط حكم العسكر»، كان الإخوان يقدمون الدعم والتأييد للمشير محمد حسين طنطاوي، ولم يكد يمر عامٌ واحد فقط على تلك الأحداث حتى استعاد الجيش حُكم مصر، وألقى بقادة الإخوان من جديد في السجون.
في الأردن ثمة تجربة شبيهة إلى حد كبير، وإن كانت أقل عنفاً وقمعاً ودموية، وأكثر نعومة من التجارب الأخرى، إذ تحالف الإخوان مع النظام ودافعوا عنه عند محاولة الانقلاب التي كادت أن تطيح بالملك حسين في أبريل 1957، وما هي إلا عقود قليلة وإذ بجماعة الإخوان المسلمين تجد نفسها تنظيماً خارجاً عن القانون، وتم إغلاق مقراتهم ومصادرة ممتلكاتهم، وما زالوا حتى اليوم ملاحقين، على اعتبار أنهم «جماعة غير مرخصة»، وذهب تحالفهم مع النظام ودفاعهم عنه أدراج الرياح.
وفي اليمن حارب الإخوان المسلمون جماعة «أنصار الله» الحوثية، وتحالفوا مع دول تُدرجهم على قوائم الإرهاب، وبعد مرور سنوات من هذه الحرب وهذا الانحياز تصالح المتحاربون، فإذا بجماعة الإخوان تُصبح خارج اللعبة، فلا استفادوا من قتال الحوثيين ولا حصلوا على الرضا والقبول من أعدائهم! والحقيقة أن ثمة شواهد كثيرة يطول الحديث فيها ويصعب استعراضها في مقال صحافي عابر، وليست المشكلة في أن ترتكب أي حركة سياسية الخطأ، وإنما المصيبة في تكراره وعدم التعلم من الأخطاء السابقة. وموقف الإخوان من الحرب الدائرة الآن في السودان هو خطأ جديد ارتكبوه مراراً في السابق لكنهم – للأسف – لم يتعلموا.
كاتب فلسطيني

Share this post