الخرطوم ـ نقلا عن صحيفة «القدس العربي» : في منطقة العشرة، جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، بدأت المساكن تخلو من ساكنيها، الذين فر معظمهم نحو المجهول، مثلما فعل الآلاف من سكان الخرطوم، التي تبدو مثل مدينة مهجورة، بعدما بلغت المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» ذروتها. لقد دمر القصف خمسة منازل في حي واحد، وقتلت سيدة في الحي المجاور، بينما أشارت لجان المقاومة، إلى إصابة القذائف لتسعة منازل، والتي تسببت في تدميرها بشكل بالغ، كما أصابت الشظايا منازل في 5 أحياء أخرى.
أسوأ الكوابيس
وحسب اللجان، «تعيش المنطقة أسوأ الكوابيس نتاج الحرب العبثية التي يتبارى فيها جنرالات الدم من أجل السلطة والنفوذ، تعرضت العشرة لوابل من القذائف والدانات والرصاص الطائش مما أدى إلى خسائر مادية مهولة وفاضت روح بريئة إلى بارئها».
ومنذ اليوم الأول للعيد يتصاعد القصف في المنطقة، على نحو مريع، والتي تتوسط مقر المدرعات التابع للجيش ومعسكر المدينة الرياضية التابعة لـ«الدعم السريع» ومقار أخرى في منطقة جنوب حي جبرة والصحافة، والتي يبدو أن الطيران العسكري التابع للجيش يطلق في محيطها صواريخ، بينما يرد عليه «الدعم السريع» بمضادات الصواريخ.
كما يتبادل الجنود من الجانبين، والمدرعات العسكرية، داخل الأحياء، إطلاق الرصاص ومقذوفات «الدوشكا» والمدافع الثنائية والرباعية، وتتعالى أصوات انفجارات مدوية، وأسلحة متباينة الأصوات، وسط حالة من الرعب والهلع بين المواطنين الذين يمضون ساعات طويلة مستلقين على الأرض، بينما تخترق الصواريخ والرصاص المنازل على نحو مفزع. يأتي ذلك، بينما يؤكد قادة الجيش و«الدعم السريع» عدم استهداف المناطق السكنية، ويتبادلان الاتهامات بخرق الهدنة المعلنة منذ اليوم الأول للعيد، والتي من المتفق أن تستمر لثلاثة أيام.
مقلاة ملطخة بالدم
شادية زكريا ـ ربة منزل ـ 55 عاما، تسكن في حي العشرة، جنوب الخرطوم، قالت لـ«القدس العربي» «في اليوم الأول للعيد، قتلت القذائف جارتنا، وهي تغسل الأواني داخل منزلها، لعلها كانت تحاول أن تشغل نفسها بالأعمال المنزلية، على الرغم من أن منازلنا كانت تهتز تحت القصف، لا أستطيع محو صورة المقلاة الملطخة بدمها أو ربما بعض أشلائها، من رأسي، أنا غير قادرة على التنفس من شدة الرعب، نستلقي لساعات طويلة على الأرض، في ظل قصف متواصل على الرغم من إعلان الأطراف العسكرية الهدنة عدة مرات».
وأضافت: « لم أعد أسمع صوت أحفاد جارتي، أو ضجيج عائلتها، ربما حاولوا الفرار إلى مكان آخر آمن، هواتفهم جميعها مغلقة، أتمنى أن يكونوا بخير».
شادية، كانت تتحدث لـ«القدس العربي» فيما أصوات الرصاص تتعالى من جهة مبنى جامعة السودان الواقع شمال منزلها، وسط أنباء عن تمركز قناصين هناك، الأمر الذي يجعل بقاءها وأسرتها في المنزل أو فرارهم أمر في غاية الخطورة.
وأكملت: « أنا مذعورة، لا أريد أن ينتهي الأمر بي وأفراد أسرتي، مثل عشرات الجثث المتعفنة في شوارع الخرطوم، ربما كان معظمهم يحاولون الفرار إلى مكان آمن أو يبحثون عن الطعام والماء».
وفي ظل القتال الذي لا يبدو له نهاية قريبة، تشهد البلاد انهيار في الأوضاع الإنسانية على نحو كارثي، حيث خرجت 70٪ من المستشفيات في العاصمة الخرطوم، عن الخدمة، والتي لم تنج من القصف وأعمال الإخلاء بأوامر عسكرية وذلك في ظل نقص حاد في الكوادر الطبية والمعينات الصحية والأدوية.
ارتفاع أسعار المحروقات وتذاكر السفر… وضعف في شبكات الانترنت والهاتف المحمول
فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي عن عدة مناطق الخرطوم، بعضها يمضي نحو يومه العاشر، بعد تدمير عدد من المحطات الرئيسية خلال المعارك المحتدمة بين الأطراف العسكرية.
وبينما يحاول آلاف السودانيين الفرار، من البؤر المحتدمة للمعارك، في العاصمة الخرطوم، أقفلت معظم محطات الوقود، بينما تجاوز سعر جالون البنزين الواحد، في السوق الموازي، 35 ألف جنيه سوداني أي ما يعادل 50 دولارا أمريكيا.
وتشهد أسعار تذاكر الباصات السفرية، الداخلية ارتفاعا جنونيا، والتي أصبح الحصول على مقعد فيه أشبه بـ«الفوز في اليانصيب» حيث بلغ سعر التذكرة، لولاية الجزيرة التي تبعد حوالي 130 كيلومترا عن العاصمة الخرطوم نحو 100 دولار أمريكي للشخص الواحد.
وبات الاتصال أكثر صعوبة، مع الانقطاع الجزئي للاتصال وضعف شبكات الانترنت والهاتف المحمول.
كما أنه، مع اشتداد الحرب، وأعمال النهب المسلح التي طالت العديد من الأسواق والمحال التجارية، تكاد تنعدم المواد التموينية، وسط نذر أزمة غذائية حادة.
«نكاد نموت خوفا» هذا ما قاله سامي حسن ـ 33 عاما ـ موظف يسكن في حي جبرة، جنوب الخرطوم، وأسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين3 و7 أعوام.
وفي حديثه لـ«القدس العربي»: أشار إلى أنه وأسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال، محاصرون في حي جبرة جنوب العاصمة، القريب من مخازن الجيش، مشيرا إلى أنهم كانوا يعتقدون أن تلك المخازن تم إفراغها ونقلها إلى مكان آخر، بعد تنفيذ مشاريع إسكان في محيطها، إلا أنهم مع اندلاع المعارك فوجئوا بإنطلاق الصواريخ من داخلها وخروج العشرات من المدرعات العسكرية والضباط والجنود من داخلها. وأضاف: الطعام لدينا محدود للغاية، وكذلك المياه الصالحة للشرب، لن نستطيع الصمود ليوم آخر».
أما، مي عثمان ـ 25 عاماً، والتي تعيش في حي الصحافة غرب، فقد قالت لـ«القدس العربي»: «منزلي يهتز بشدة بينما تتعالى أصوات مختلفة لأسلحة لا أعرفها تبدو مفزعة للغاية، صوت الرصاص أمام منزلي، أنهم يتقاتلون داخل الأحياء، إنها حرب بين رجلين يريد كل منهما حكم البلاد، بينما يرفضهما الشعب».
وأضافت: «أعاني من صداع حاد منذ اليوم الأول للمعارك، اشتدت حدته مع تعالي أصوات القذائف التي استهدفت الحي، تكاد أذني تصاب بالصمم من دوي الانفجارات، لقد نفذت الأقراص المسكنة في منزلي وتبقى بضع حبات من أدوية أمي وأبي، كلاهما يعاني من أمراض مزمنة، أطفال أختي يبكون طوال اليوم، إنهم مذعورون للغاية، كما أن هاتف واحد في المنزل فقط يعمل ويلتقط الشبكة بصعوبة مما يجعل انقطاعهم عن الاتصال بشكل كامل، أمر مرجح ووشيك».
أما ميداء مبارك ـ 29 عاما، من حي العشرة، فقد حاولت عند إعلان الهدنة ليلة العيد، أن تصنع بعض مخبوزات العيد بكميات قليلة نسبة لشح الموارد، إلا أنها وأسرتها أمضوا أيام العيد مستلقين في الأرض بسبب شدة القصف.
وقالت لـ«القدس العربي»: «استيقظنا صباح العيد على أصوات الرصاص، بلا ملابس جديدة للعيد، لم نستطع حتى أداء صلاة العيد في المسجد القريب من المنزل» مشيرة إلى أنه في تمام الثامنة من صباح الجمعة تصاعد القصف بشكل مروع.
وأضافت: «اخترقت منزلنا عدة رصاصات والشظايا، جارنا أصيب في ظهره، وجار آخر تدمر الطابق الأخير من بيته وتدمرت سيارة وواجهة منزل آخر. كثير من المنازل المجاورة لنا تعرضت إلى هجمات، نحن في نزاع ما بين ترك منزلنا او الصبر لكن للأسف كل الأخبار التي نسمعها متناقضة لا نعرف الحقيقية وما الذي سيحدث».
أما على عادل ـ 40 عاما ـ فقال لـ« القدس العربي» «كنت معتكفا في مسجد قريب من شارع الـ60 شرق الخرطوم، أواخر رمضان وعندما اشتد صوت الانفجارات، السبت الماضي، خرجت ورفاقي من المسجد، وفوجئنا بالمدرعات العسكرية والجثث والدخان في كل مكان، قمنا بتكفين والصلاة على 6 أشخاص في يوم واحد».