توقع أبو بكر الديب، الباحث المصري في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أن يؤدي الصراع العسكري الدائرحاليا بالسودان إلى هروب أو خروج ما يفوق مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد.
وقال في اتصال هاتفي مع ” الوكالة الروسية
سبوتنيك “، امس الثلاثاء، إن المواجهات العنيفة التي تدور رحاها بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، قد تكبد الاقتصاد السوداني ما يقارب نصف مليار دولار يوميا حال استمرارها، وستكون لها نتائج شديدة السلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية، وكذلك على صعيد مستوى الحياة اليومية للمواطن الذي يرزح تحت وطأة الضغوطات وتداعيات الأزمات المحلية والدولية وزيادة معدلات الفقر والتضخم وانقطاع التيار الكهربائي ونقص إمدادات المياه.
وأضاف الديب، الاقتصاد السوداني يعاني منذ سنوات من مشكلات هيكلية وضعف في الإنتاج والتهريب والفساد، ما انعكس على تدهور الاقتصاد، وفي حال استمرار التصعيد المسلح بين
الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإن مؤسسات التمويل الدولية لن تفرج عن أي مساعدات وكان السودان قد خسر من التدفقات المالية غير المشروعة حوالى 5.4 مليار دولار بشكل سنوي بسبب غسل الأموال والتهرب من الجمارك والضرائب والتلاعب في الأسعار وفواتير عمليات الصادر والوارد.
هذا بجانب تحويل عائدات جرائم الفساد الكبيرة إلى حسابات في الخارج، كما أن حجم الخسائر التي تعرض لها السودان جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من الولايات المتحدة الأمريكية، تجاوزت 40 مليارا و531 مليون دولار.
وذكر الباحث الاقتصادي، أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ 34.3 مليار دولار في نهاية عام 2021، وفق تقديرات البنك الدولي، كما أن معدل النمو الاقتصادي بلغ 0.3 في المئة في نهاية 2022، وفق تقديرات البنك المركزي بالسودان، ومن شأن تصاعد الحرب الحالية أن تؤثر بالسلب على الناتج المحلي الإجمالي و تدفعه للتراجع، فضلا عن تعطل عمل برنامج الغذاء العالمي، والإضرار بملايين السودانيين بعد أن كانت توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في السودان تشير إلى 1.2في المئة في عام 2023، بعد انكماش 2.5 في المئة في العام السابق، وهذه التوقعات كانت قبل اندلاع الصراع الأخير ووفق تقديرات البنك الدولي.
وأشار إلى أن السودان يعتبر واحدا من أفقر دول العالم، رغم كونه ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لكن إنتاجه من المعدن الأصفر يعتمد على قطاع التعدين الأهلي بنحو 80 في المئة وهذا القطاع غالبا ما يهرب أكثر من 70 بالمئة من إنتاجه، وحذرت وكالات الإغاثة من ارتفاع مستويات الجوع، حيث عانى أكثر من ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد العام الماضي.
وتابع الديب، أن خفض قيمة الجنيه السوداني
كان من أبرز وأصعب الخطوات التي اتخذتها البلاد في إطار سلسلة إصلاحات نفَذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي، ويرزح الاقتصاد السوداني منذ عامين تحت ركود تضخمي، فخلال 2022 ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 154 بالمئة، وفي يناير الماضي بلغ التضخم السنوي نحو 83 بالمئة، مشيرا إلى أن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والاضطرابات أدى إلى زيادة معدلات التضخم والفقر والجوع والبطالة، وفي عام 2021 استفادت السودان من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وتم تخفيض ديونها الخارجية من 77.2 مليار دولار في عام 2020 إلى 62.4 مليار دولار في عام 2021، إلا أن تدهور الأوضاع السياسية في البلاد في نهاية عام 2021 عطلت نتائج هذه المبادرة، كما جمدت المفاوضات مع دول أعضاء نادي باريس ما أوصل معدل الفقر لـ 46.5 بالمئة، وبلغ معدل البطالة وفق تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، 19.8 بالمئة في عام 2021.
وحذر الباحث الاقتصادي، من أن استمرار الصراع المسلح في السودان، من شأنه أن يؤثر على سعر صرف العملة المحلية، التي تعاني من مشكلات أصلا وازدهار السوق السوداء، وتعتمد ميزانية السودان بنحو 60 بالمئة على عائدات الضرائب والرسوم مع توقف المساعدات الدولية لعقود، لكن هذه العائدات باتت مهددة أيضا، وسط توقعات بمزيد من الركود الاقتصادي، ورغم تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بالعملة المحلية 5 مرات خلال الخمس سنوات الأخيرة، إلا أن القوة الشرائية للعملة المحلية تراجعت كثيرا كما ارتفع عجز الميزان التجاري خلال الخمسة سنوات الماضية إلى 4.568 مليار دولار، وطبقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الاحتياجات الإنسانية في السودان وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهناك حاجة لأكثر من1.7 مليار دولار لتقديم المساعدات الإنسانية والحماية لـ 12.5 مليون شخص.
وأكد الديب أن الدولة اتخذت إجراءات عدة لدعم اقتصادها وموازنتها العامة، إلا أن الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع فاقم الأوضاع وينذر بتراجع النمو وفقدان الاستثمارات الأجنبية، وتضرر المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء والمياه والبنية التحتية بشكل عام، وحياة المواطنين وهروب الاستثمارات، متوقعا خروج ما يفوق مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد فهي تحتاج إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وتدور منذ يوم السبت الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم والولاية الشمالية، حيث يحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية، بينها القصر الجمهوري في الخرطوم ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع وعدد من المطارات العسكرية والمدنية.
ويواصل الجانبان، طوال الأيام الماضية، نشر البيانات عن الانتصارات التي يحرزها والخسائر التي يوقعها في صفوف الطرف الآخر.
وخرجت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني
وقائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن، بعد توقيع “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.