حرب التضليل في السودان بيانات وبيانات مضادة وغارات من ألعاب إلكترونية..

لقطات وفيديوهات عدة، تناقلتها مواقع وحسابات على مواقع التواصل، تزعم أنها ترصد ما حدث من تطورات في السودان خلال الأيام الأخيرة، وقد حظيت بمشاهدات واسعة، وردود أفعال عدة. لكن الكثير من تلك الفيديوهات والصور ثبت سريعا عدم صحتها، إذ تم نشرها عمدا لتزييف حقائق على الأرض، أو لدعم توجهات بعينها.

الخرطوم – انتشرت في اليومين الأخيرين على مواقع إخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو ادعى ناشروها أنّها تصوّر اشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، إلا أنّ الادعاءات خاطئة.

آخر المقاطع المنتشرة يوم الاثنين فيديو ملتقط قبل شهرين على أنّه لمداهمة عصابة مخدّرات في ليبيا. يصوّر الفيديو آليات عسكريّة في شارع ليلا ويسمع صوت إطلاق نار. وكتب في التعليق المرافق “اشتباكات بالأسلحة الثقيلة وسط شوارع العاصمة السودانية الخرطوم”.

يأتي انتشار هذا الفيديو في وقت تتواصل فيه المعارك بالأسلحة الثقيلة في الخرطوم بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي أدت إلى مقتل حوالي مئة مدني.

وتغرق العاصمة منذ السبت في رائحة البارود، وترتفع منها أعمدة دخان أسود كثيف. كما لازم السكان منازلهم، وسط انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن المنازل.

طرفا الصراع يستخدمان البيانات في ظل غياب المعلومات في إطار الحرب النفسية على مواقع التواصل الاجتماعي

وينتشر مقاتلون باللباس العسكري وهم مدجّجون بالأسلحة في شوارع العاصمة التي تملأها أيضا الآليات العسكرية، إلا أنّ الفيديو المتداول والمنتشر على نطاق واسع لا يمتّ لهذه التطوّرات بصلة.

فقد أظهر البحث عنه بعد تقطيعه إلى مشاهد ثابتة أنّه منشور قبل نحو شهرين في الثالث عشر من فبراير 2023، على أنّه لاشتباك مع عصابات المخدّرات والخمور في منطقة الوحيشي في ليبيا. ونشرت آنذاك القوات المسلّحة مقطع فيديو لتفاصيل هذه العمليّة.

وعقب اندلاع المعارك بين الجيش وقوّات الدعم السريع، السبت، تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي صورة قيل إنّها تُظهر سيطرة الجيش على مطار الخرطوم الذي دارت فيه اشتباكات مساء السبت، لكن هذه الصورة قديمة. وجاء في التعليقات المرافقة “القوات الخاصّة تقوم بتنظيف مطار الخرطوم من المرتزقة”.

وحصدت هذه المنشورات العشرات من المشاركات والآلاف من التفاعلات بعد ساعات على اندلاع معارك صباح السبت، لكن الصورة المتداولة لا شأن لها بهذه التطوّرات. فقد أشار عدد من المستخدمين في خانة التعليقات إلى أن الصورة قديمة، وأنّها من تدريبات على عمليات مكافحة الإرهاب.

إثر ذلك، أظهر التفتيش عنها على محرّكات البحث أنها منشورة مطلع شهر أبريل الجاري، مما ينفي أن تكون على علاقة بالأحداث الأخيرة.

كما ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قيل إنّه يُظهر غارات جويّة في الولاية الشمالية، شمال السودان. لكن هذه المشاهد في الحقيقة هي من لعبة إلكترونية وليست مشاهد حقيقية. ويظهر في الفيديو ما يبدو أنّه طائرتان حربيتان تغيران على شارع عريض.

وكتب ناشرو الفيديو على مواقع التواصل “القوات الجويّة تواصل عمليّاتها النوعيّة وتقوم بمطاردة الهاربين من الولاية الشمالية”.

ومع أن التحديق في الفيديو يظهر أن هذه المشاهد ليست واقعية، إلا أنه جمع المئات من المشاركات من مواقع التواصل في ساعات عدّة على أنّه حقيقي.

كما تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قيل إنّه يظهر قائد الجيش عبدالفتّاح البرهان يتفقّد قوّاته وسط الاشتباكات. لكن هذا الفيديو مصوّر قبل يومين على بدء المعارك. ويظهر في الفيديو المصوّر ليلا البرهان يجول بين جنود ويلقي عليهم التحيّة، وكتب ناشرو الفيديو أنّه يظهر البرهان وهو يتفقّد قوّاته “وسط الاشتباكات”.

وأظهر التفتيش عنه على محرّكات البحث أنه منشور في الرابع عشر من أبريل الجاري، أي قبل يوم على بدء الاشتباكات. ويظهر الفيديو، وفقا للمؤسسات والمواقع الإعلاميّة الناشرة له، زيارة عبدالفتاح البرهان إلى سلاح المدرّعات.

كما تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي مشاهد ادّعى ناشروها أنّها تظهر تحليق مروحيات عسكريّة في سماء الخرطوم خلال المعارك. إلا أنّ الفيديو منشور قبل أشهر على أنّه لاستعراض عسكريّ للقوات الجويّة السودانيّة خلال عيد الجيش في أغسطس الماضي.

وتظهر في الفيديو مجموعة من المروحيات العسكريّة تحلّق في السماء نهارا، وجاء في التعليق المرافق “صقورنا الجوية تحلّق في سماء الخرطوم لتنظيف العاصمة من المرتزقة”.

وبعد تقطيعه إلى مشاهد ثابتة، أرشد البحث عن الفيديو إلى أنه منشور قبل أشهر، مما ينفي صلته بالمعارك الدائرة حاليا. ونشر الفيديو بتاريخ الرابع عشر من أغسطس 2022 في حساب على موقع تيكتوك، إلى جانب مقاطع مصوّرة أخرى نشرت في اليوم نفسه تظهر عرضا عسكريا لقوات سودانيّة.

وفي سياق آخر، عمدت أطراف الصراع في السودان إلى نشر معلومات متباينة وبيانات متضاربة، حول السيطرة العسكرية على مناطق وقواعد واستسلام بعض القادة والجنود من كل جانب وانضمامهم إلى الطرف الآخر.

وفيما استخدمت قوات الدعم السريع حسابها على موقع تويتر لبث بياناتها، لجأ الجيش السوداني إلى حسابه على موقع فيسبوك لنشر بياناته. ويميل الطرفان لاستخدام البيانات في ظل غياب المعلومات وعدم وجود إمكانية لنقل الأحداث من مواقعها في إطار الحرب النفسية والتي يستخدم خلالها مواقع التواصل.

ويشدد معلقون على ضرورة “عدم تصديق” كل البيانات التي يتم بثها.

وسخر مغرد:

وتتواتر البيانات والمعلومات المتضاربة بين الجيش والدعم السريع والنفي والنفي الآخر.

وتتخذ وسائل الإعلام سياسات مختلفة لمعالجة وقوعها في فخّ الأخبار المضللة، وتتخذ أشكالا متنوعة في التعامل مع المعلومات المضللة التي يمكن أن تنشرها. فاختارت بعضها تصحيح المعلومات المضللة، فيما لجأت أخرى إلى سياسة حذف المعلومة الزائفة دون الإشارة إلى عدم صحّتها. والأمر نفسه بالنسبة للمؤثرين والسياسيين الذين يتابعهم الملايين.

إلّا أنّ حذف المحتوى المغلوط بعد النشر، يضعنا أمام إشكالية استمرار تداول المحتوى المضلل في الفضاء الإلكتروني بعد حذفه من قبل المصدر. ولا تكمن الخطورة في قوة تأثير هذا المحتوى فقط، بل في سرعة انتشاره كذلك. ومن تبعات سياسة الاكتفاء بحذف المحتوى المنشور، التنصّل من تحمل مسؤولية نشر المحتوى المضلّل.

Share this post