السودان يقترب من الاتفاق بعد انسداد الطرق أمام الانقلابيين

نيويورك (الأمم المتحدة) ـ «القدس العربي»: أخيرًا هناك تقدم وتفاؤل وأمل بإخراج السودان من أزمته المستعصية لأكثر من ثلاث سنوات ونصف، حيث بدا مؤخرا أن البلاد تحرز تقدمًا ولو بطيئا نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي يسعى فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى التنازل عن جزء كبير من ديون الدولة البالغة 60 مليار دولار. هناك بصيص أمل بانتقال السودان إلى الديمقراطية بعد انتفاضة 2019 التي أطاحت بحكومة البشير العسكرية التي جلست على خناق البلاد 30 سنة ثم ما لبث العسكر أن استحوذوا على منجزات الانتفاضة وشكلوا حكومة عسكرية ومدنية مشتركة سرعان ما أسقطوا جانبها المدني في انقلاب تشرين الأول/أكتوبر2021. لكن رفض انقلاب البرهان- حميدتي على مستوى العالم وضع الانقلابيين في مأزق وجودي تركهم بدون خيارات أو هامش للمناورة، فاضطروا صاغرين أن يقبلوا توقيع الاتفاق الإطاري في كانون الأول/ديسمبر 2022 من أجل الانتقال السلمي للسلطة وإقامة دولة يقودها المدنيون، لكن هذا لا يعني أن الأزمة قد تحل غدا أو بعد غد.

الموقف الدولي وجرعة التفاؤل

في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، يوم 20 آذار/مارس، أعرب الممثل الخاص للأمين العام في السودان، فولكر بيرثس، عن تفاؤله إزاء فرص تحقيق التقدم على مسار العملية السياسية، وقال أمام مجلس الأمن الدولي «اليوم نحن أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى حل، على الرغم من استمرار التحديات». يأتي هذا التفاؤل جليا لأن بعثة الأمم المتحدة تشعر أن أطراف النزاع أقرب ما تكون للتوصل إلى تسوية والعودة إلى الحكم المدني بعد توقيع الأطراف الرئيسية والجيش السوداني على الاتفاق الإطارى للعمل السياسي في 5 كانون الأول/ديسمبر. وأكد بيرثس أمام مجلس الأمن أن هذه الاتفاقية كانت لحظة مهمة أذنت بمرحلة جديدة للعملية السياسية التي تهدف إلى التحول إلى فترة انتقالية جديدة.

الاتفاق الإطاري

لقد بدأت نقطة التحول في العمل السياسي في السودان عندما تم توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بالقصر الجمهوري بالخرطوم يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2022 بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير والمجلس المركزي وعدد من الأحزاب والتنظيمات والتجمعات المهنية والحركات المسلحة. وتم التوقيع وسط حضور إقليمي ودولي كبيرين وبحضور الآلية الثلاثية للسودان وهي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية الحكومية للقرن الأفريقي المعروفة باسم «إيغاد».
لقد فتح ذلك الاتفاق الطريق أمام السودان للخروج من أزمته المستعصية، إذ أكد حصر المدة الانتقالية في سنتين يبقى فيها رئيس الدولة هو القائد العام للجيش ويتم اختيار رئيس وزراء انتقالي من قبل قوى الثورة، كما يتم تنظيم انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بعامين. كما اتفق على إطلاق عملية شاملة لكشف الجرائم التي ارتكبت أثتاء الحراك وبعده ومحاسبة مرتكبيها. وشمل الاتفاق الإطاري بنودا تدعو لدمج قوات الدعم السريع مع قوات الجيش وتجريم الانقلابات العسكرية ومنع الجيش والأمن من ممارسة الاستثمار. كما تم التوافق على تنفيذ اتفاق جوبا واعتماد سياسة خارجية متوازنة ووقف التدهور الاقتصادي في البلاد.
من المهم أن نلاحظ في هذا الاتفاق الإطاري أن سبعة من الأطراف المعنية لم توقع على اتفاقية الإطار ورفضوا شروطها. كما أن الضغوط الخارجية للدفع المصطنع بالعملية السياسية الحالية، سيكون غير نافع، فمن غير المجدي وغير المقبول ممارسة أي ضغط خارجي على السودان الذي ينبغي أن يحل مشاكله الداخلية بنفسه.

تنفيذ الاتفاق

يعد هذا الاتفاق الهام الذي أطلقته بعثة الأمم المتحدة منجزا كبيرا خاصة في الظروف التي تم التوقيع فيها. حيث عقدت جلسة مشاورات ضمت مئات النساء والرجال السودانيين، الذين جاء معظمهم من خارج العاصمة ممثلين لطيف اجتماعي ومهني وسياسي واسع. وتمكنت هذه الورشة من تقريب مجموعة واسعة وجامعة من الأطراف، وخاصة السلطات العسكرية والأحزاب المعارضة المدنية، من الاتفاق. كما تم عقد ورشة حول العدالة الانتقالية.

التحديات

لكن التحديات كبيرة وواسعة وتشمل قطاعات كبيرة. ونود أن نورد هنا بعض تلك التحديات التي تتطلب مجهودا دوليا وإقليميا لتذليلها:
– من المهم أن تبذل جهود جماعية من المجتمع الدولي لدعم السودان، وضرورة مساعدة الحكومة المقبلة لتتمكن من التعامل مع القضايا الكامنة المتمثلة في معالجة أسباب الصراع وتطبيق التدابير الأمنية وتحسين حياة النساء والرجال السودانيين والتحضير للانتخابات الحرة والنزيهة.
– ضرورة معالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية الملحة وضمان الأمن والعدالة واحترام حقوق الإنسان وصنع السلام والنهوض بالانتقال الديمقراطي.
– لقد دخل الاقتصاد السوداني في حالة ركود عام 2022 ولا يزال التضخم متصاعدا، ويقدر العاملون في المجال الإنساني أن ثلث سكان السودان، 15.8 مليون شخص، يحتاجون إلى مساعدات عام 2023 وهو ما يمثل زيادة قدرها 1.5 مليون مقارنة بالعام السابق. في غضون ذلك، بلغ عدد المتضررين من الفيضانات هذا العام 349 ألفا. ويحتاج السودان إلى دعم دولي لتطوير قدرته على الاستجابة لحالات الطوارئ وتوجيه الموارد الحيوية من أجل تحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
– تفاقمت مشاكل السودان الإنسانية منذ انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021 فقد نزح أكثر من 260 ألف شخص في جميع أنحاء السودان بسبب الصراع منذ كانون الثاني/يناير 2022. وكما قال بيرثس: «هذه كوارث من صنع الإنسان، وغالبًا ما تسببها الخلافات حول الوصول إلى الموارد، ويبدو أنها تتفاقم بسبب التلاعب السياسي في أكثر من حالات قليلة».
ومن مظاهر الانفراج السياسي التي شهدها السودان إطلاق سراح 300 رجل اعتُقلوا دون توجيه اتهامات لهم بناء على أوامر ولايتي شمال وغرب دارفور في عامي 2021 و 2022 كما شمل الإطلاق 122 طفلاً مرتبطين بالجماعات المسلحة خلال الشهرين الماضيين. ويدور الحوار بين الأطراف السودانية بهدف التوصل لاتفاق نهائي لفترة انتقالية بقيادة حكومة مدنية بالكامل. وأشار بيرثس إلى أن الموقعين المدنيين بدأوا في تنفيذ خطة لتحقيق التوافق الوطني وإعدادها للتوقيع النهائي، مشيرا إلى أن الخطة تحدد إقامة المشاورات بما في ذلك المؤتمرات وورش العمل. علاوة على ذلك قال إن اجتماعاً لرئيس ونائب رئيس مجلس السيادة والموقعين المدنيين والآلية الثلاثية وأصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين، ركز على العملية السياسية. وأسفر الاجتماع عن اختتام المناقشات حول العدالة الانتقالية، والإصلاحات الأمنية والعسكرية، وإنشاء آلية ثلاثية واجتماع الموقعين وغير الموقعين لوضع مسودة اتفاقية نهائية. وأكد مبعوث الأمين العام لأعضاء مجلس الأمن أن الحكومة الانتقالية وقعت على جدول زمني لتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وقال إنه أدى إلى تحديث مصفوفة التنفيذ بدعم من الحكومة والشركاء في عملية السلام. علاوة على ذلك تم التوقيع على المصفوفة من قبل رئيس مجلس السيادة ورئيس جنوب السودان. «يظل السلام هو المفتاح والأولوية البارزة للبلاد». لقد حان الوقت الآن لجميع الأطراف لاغتنام الزخم وتسريع مشاركتهم والتوصل إلى اتفاق نهائي في غضون الأسابيع المقبلة. ولكي تنجح العملية السياسية فعلى الجميع الانخراط في حوار بحسن النية مع ضمان إتاحة الفرصة للنساء والشباب والنازحين والممثلين من جميع أنحاء السودان للمشاركة في تشكيل مستقبل بلادهم. ولكي تنجح هذه العملية، يجب على الأطراف تعزيز بيئة مواتية لمشاركة جميع أصحاب المصلحة، والتي يجب أن توفر حرية التعبير عن الآراء من دون خوف من الانتقام.
من جهتها فقد أكدت الأمم المتحدة أنها ستقوم مع شركائها الدوليين بالتنسيق والتخطيط لضمان توفير الدعم الجماعي لأولويات الحكومة المقبلة ولفترة الانتقال التي ستعقب التوصل إلى الاتفاق السياسي النهائي وهو ما ينتظره المجتمع الدولي خلال هذا العام

Share this post