قتلى وجرحى في تجدد للعنف القبلي في دارفور

اليراع- صحيفة (القدس العربي)– قتل 5 سودانيين وجرح العشرات، إثر تجدد الاشتباكات ذات الطابع القبلي في بلدة تندلتي الواقعة على بعد (45) كلم متر شمال غرب مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وشن مسلحون يستقلون دراجات نارية وخيولا وعربات مكتملة العتاد الحربي هجوماً عنيفاً على البلدة على خلفية مقتل شخصين أول أمس الخميس على أيدي أهالي المنطقة.
وأطلقت منظمات حقوقية وكيانات أهلية نداءات للسلطات للتدخل وحماية المواطنين من الهجوم الذي ظل مندلعاً طيلة يوم أمس والذي تزامن مع إجراءات احترازية اتخذتها حكومة الولاية بقطع شبكة الاتصالات والإنترنت.
ويعد هذا الهجوم هو الثاني من نوعه خلال الـ24 ساعة الماضية. وحسب المتابعات، بدأت الأحداث عقب تسلل شخصين مسلحين الى منزل التاجر المعروف مصطفى أدم، وقاما بإطلاق الرصاص عليه فتوفي في الحال، مما دفع ذويه لملاحقة الجانيين حتى تم القبض عليهما في منطقة البان جديد.
وكشفت هيئة محامي دارفور، عن امتناع الشرطة عن استلام الشخصين المتهمين بقتل التاجر وتدوين بلاغات ضدهما، وكذلك فعل الجيش، ما دفع الأهالي للخروج في مظاهرات احتجاجية.
وقالت إنه في «هذه الظروف تم قتل المقبوض عليهما، ونتيجة لذلك هاجم أهالي ذوي القتيلين منطقة تندلتي بالسلاح».
وأدانت «بأشد العبارات أخذ القانون باليد من الطرفين». كما أشارت الى أن «الدولة هي المسؤول الأساسي عن الأحداث، وذلك لغيابها وعدم تطبيقها للقانون». وناشدت الأطراف «الاحتكام لصوت العقل وإيقاف التصعيد واللجوء إلى أجهزة القانون» فضلاً عن مطالبتها للسلطات بـ«عدم التقاعس والقيام بواجباتها في حفظ الأمن والسلامة العامة».
وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع «فيديو» يوثق لحظة قتل الشخصين المقبوض عليهما، والتمثيل بجثتيهما، ووجد هذا المقطع استنكارا واسعا من السودانيين.

مهلة قبل الهجوم

ووفق مصادر فإن ذوي القتيلين كانوا قد أمهلوا السلطات الأمنية في الولاية حتى العاشرة صباحاً من صباح (الجمعة) للقبض على المشتبه بهم في جريمة القتل والتمثيل بالجثامين، وبانتهاء المهلة بدقائق شنت أعداد كبيرة منهم هجوماً على المنطقة من الجهة الشرقية.
يشار إلى أن عدم استلام المقبوض عليهما قبل قتلهما من الشرطة وجد هو أيضا استنكارا من الناشطين والحقوقيين وبعض القيادات الأهلية. وقال البعض إن الشرطة رفضت الاستلام بدواعي عدم إصدار أمر قبض رسمي في مواجهتهما، بينما أوضح آخرون أن المقبوض عليهما كانا في حالة يرثى لها بسبب التعذيب وهو ما أدى إلى رفض إدخالهما حراسات الشرطة.
ووفق الصحافي المهتم بقضايا الصراع والتنمية في دارفور، عزالدين دهب، فإن عدم استلام شرطة تندلتي للمقبوض عليهما قبل قتلهما، موقف غريب، لأنها هي الجهة المسؤولة بصورة مباشرة عن حفظ الأمن في والمنطقة».

«خطأ فادح»

وزاد: « كان عليها اتخاذ الإجراءات الروتينية المتبعة في مثل هذه الأحداث وتحويل المقبوض عليهما إلى المستشفى لتلقي العلاج إذا كانا تعرضا للتعذيب والضرب».
وأكد أن «رفض الشرطة استلام المتهمين قبل قتلهما خطأ فادح وأمر يستوجب التحقيق لمعرفة أسباب تنصل الشرطة من القيام بدورها».
وأوضح أن «ما حدث في تندلتي هو واحد من الأحداث المتكررة بشكل عام في دارفور والتي تبدأ بمثل هذه السيناريوهات وسرعان ما تنتهي بمعركة كبيرة يموت فيها العشرات أو المئات من الضحايا».
وتأتي هذه الأحداث بعد أيام قليلة من تخريج أول دفعة من القوات المشتركة لحماية المدنيين والتي جاءت في إطار الترتيبات الأمنية التي تم التوافق في اتفاقية جوبا للسلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلحة.
ووفق دهب «اتفاقية السلام نفسها تعاني الأمرين عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، وفقدها للسند الدولي والمجتمعي في دارفور بسبب مواقف قادة الحركات المسلحة».
ويعتقد أن هذه «القوة الجديدة تحتاج لمزيد من الوقت والمعدات والإجراءات الفنية لمباشرة أعمالها وتدخلها في مهام حفظ الأمن والاستقرار» ملقياً باللائمة بخصوص انفجار الأوضاع في تندلتي على «القوات الموجودة على الأرض إذا كانت الشرطة أو القوات المسلحة التي كان يمكنها أن تحول دون وقوع هذه الأحداث المؤسفة».
وتكررت خلال الثلاثة أعوام الأخيرة أعمال العنف الدامية ذات الطابع القبلي في ولاية غرب دارفور وبعض من ولايات الإقليم الأخرى والتي راح ضحيتها الآلاف من القتلى والمصابين، بالإضافة إلى خسائر فادحة في الممتلكات، وكان آخرها في قرى بليل في ولاية جنوب دارفور في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

دعوات للسلطات للتدخل… وانتقادات لسلوك الشرطة

وعقب أحداث بليل، زار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» المنطقة، وعقد مصالحات أهلية، ووعد بعدم تكرار أعمال العنف في الإقليم كافة مع تقديم الجناة للمحاكمات.
وفي فبراير/ شباط الماضي، كشف تقرير معد من فريق الخبراء المعني بالسودان والتابع لمجلس الأمن الدولي، عن هشاشة الأوضاع الأمنية في دارفور، وبطء تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وازدياد معدلات الجريمة والتجنيد وسط الأجهزة الأمنية والحركات المسلحة.
وقلل من المصالحات التي أجراها «حميدتي» في زياراته الأخيرة لدارفور، مبيناً أنه من غير المؤكد أن تفلح لأنها تفتقر في نظر الكثيرين إلى الشرعية، لذلك لن تحقق استقراراً طويل الأجل.
بينما قال رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان «يونتيامس» فولكر بيرتس، في إحاطة قدمها قبل أيام لمجلس الأمن الدولي، إن النزاعات المحلية لاسيما في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ما زالت قائمة وتدور بشكل أساسي حول الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها وتؤدي إلى مقتل المدنيين وإصابتهم وتشريدهم.

غياب الدولة والقانون

ويعزي الأمين العام لهيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، تكرار الهجوم على المدنيين والاشتباكات الدامية ذات الطابع القبلي في دارفور، لغياب دولة الدولة والقانون وأخذ القانون باليد بواسطة الأفراد والمجموعات من كافة الأطراف وفي الولايات التي تشهد الحراك المسلح مثل ولايات دارفور.
وأشار إلى أن «الدولة نفسها صارت ضالعة في ممارسة الإنتهاكات، كما سادت ثقافة القتل الجزافي والانتقام وقد تراجعت مفاهيم الدولة وسادت القبلية لذلك ظلت الأوضاع في تردي مستمر» لافتاً إلى «وجود حالات متعددة انحاز فيها أفراد القوات العسكرية لقبائلهم، كما وتستخدم الأدوات والسلاح الحكومي في الأحداث والحروبات القبلية».
ولفت إلى أن تطبيق اتفاقية سلام «زاد من حدة النزاعات، بالنظر إلى ما تحققها الأسلحة المرفوعة من مكاسب لحامليها، ومن حولهم، لذلك هنالك مثالب أيضا برزت من اتفاقيات السلام بحصول الموقعين عليها على حصص السلطة واستفرادهم بها لأنفسهم».
وبين أن «مثل هذه القضايا لا تعالج بتخريج المزيد من العناصر العسكرية، وإنما بإنهاء استخدامات السلاح وتقوية الدولة المدنية وأجهزة القانون المناط بها تحقيق الردع الخاص والعام ومنع الإفلات من العقاب».
ونوه أن التحقيق في مثل هذه الأحداث «يندرج ضمن سلطات النائب العام وهو صاحب الولاية الإشرافية الحصرية على الشرعية الإجرائية في الدولة».

قتل الحقيقة

واستدرك: «اختلاط الأمور والتخبط عقب كل حدث وإزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة والتهجير القسري الحكومة ممثلة في أجهزة الدولة السيادية والتنفيذية هي من تتولى تشكيل لجان التحقيق، وفي غالبية هذه الأحداث والجرائم المرتكبة تشير الأصابع لضلوع قيادات في الدولة وتصبح لجان التحقيق التي تشكلها السلطة التنفيذية لامتصاص الغضب الجماهيري اللحظي وإسدال الستار على الأحداث بصورة هادئة، لذلك صارت لجان التحقيق وكأنها لقتل الحقيقة». ورأى أن منع تكرار هذه الأحداث يبدأ بـ«التخلص من النظام القائم والذي يتشارك في قيادته البرهان وحميدتي، كما يبدأ الإنصاف بمساءلتهما معا».

Share this post