لندن –نقلا عن “القدس العربي”:
كشف موقع “بوليتكو” في تحقيق مطول عن محاولات المسؤولين الأمريكيين والغربيين وقف تمدد جماعة مرتزقة روسية تقوم اليوم بالقتال في أوكرانيا والسيطرة على المناطق لصالح الرئيس فلاديمير بوتين وإلى جانب توسيع بصمات التأثير الروسي في القارة الأفريقية وحول العالم.
وكشف الموقع عن برقيات للدبلوماسيين الأمريكيين ووثائق تقدم تفاصيل عن توسع قوة ميليشيا وشبكة دولية يقودها حليف للرئيس بوتين.
وبعشرات الآلاف من المقاتلين، الكثير منهم لديه خبرة قتالية فإن ظهور مجموعة فاغنر، كقوى عسكرية مارقة هو تحد عالمي خطير ولسنوات قادمة، حسبما يقول المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون.
وقدمت المجموعة التي يتزعمها حليف بوتين، يفغيني بريغوجين، تدريبا لمقاتلين ونفذت عمليات مهمة نيابة عن النظام السوداني وفي جمهورية أفريقيا الوسطى ودول أخرى، وسجلت في برقيات الحكومة الأمريكية ووثائق داخلية لمؤسس المجموعة بريغوجين وتم التأكد من صحة المعلومات فيها. ودفع نمو تأثير بريغوجين ضمن الحلقة الضيقة التي تتقلص حول بوتين المسؤولين في الغرب والولايات المتحدة للعمل على إحباط خطر مجموعة المرتزقة التي قد تصبح في السنوات المقبلة تهديدا محليا وعلى السياسة الخارجية في السنوات المقبلة. والتقى المسؤولون الأفارقة والغربيون خلف الأبواب المغلقة في لندن ولشبونة وبانغي وكيغالي لمناقشة طرق وقف تأثير المجموعة عالميا. بل وأعدوا مسودة استراتيجية للحد من تأثيرها في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث أرسلت جنودها للسيطرة على منجم ذهب وحولته إلى مجمع كبير، حسب البرقيات.
ويفكر الدبلوماسيون الأمريكيون بتصنيف فاغنر كمنظمة إرهابية عالمية. وجندت فاغنر آلاف المقاتلين في أوكرانيا حيث ساعدوها للسيطرة على مناطق في دونباس بما فيها سوليدار. واعترف بريغوجين الذي ظل ينفي أية علاقة بالمجموعة بأنه مؤسسها وظهر في أشرطة فيديو العام الماضي ومنشورات تواصل اجتماعي وهو يحفز جنوده كأبطال ويستهزئ بالعقوبات الغربية.
وتعتبر فاغنر قطعة واحدة من شبكات التأثير التابعة لبريغوجين والتي تشمل شركات بل واعترف بالتدخل في انتخابات دول. واعترف بعلاقته بجيش ذباب إلكتروني حاول التأثير على الانتخابات الأمريكية وأنه يدير وكالة بحث في الإنترنت، وتم تسجيل انتهاكات المجموعة في أفريقيا من قبل منظمات حقوق الإنسان. وبعد شهر من التحقيق لبوليتكو كشف عن التوسع الذي حدث على فاغنر وحولها إلى عملية تأثير عسكرية وسياسية دولية. وكشف التحقيق عن معلومات جديدة حول محاولات أمريكا وحلفائها وقف نشاطات فاغنر وتحديدا في أفريقيا. وقال مسؤول أمريكي “كان بريغوجين مجرما طوال حياته. ولم تتغير طبيعة نشاطاته كثيرا. ولكنها تطورت فقط”. و”في الحقيقة نمت في أوكرانيا أكثر من أي مكان آخر”.
وتعبر نشاطات المجموعة عن طموحات بريغوجين نفسه المتهم بتنظيم انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في جمهورية إفريقيا الوسطى وتهجيرهم إلى جانب عمليات مماثلة في دول أخرى. وقال مسؤول أمريكي ثان “فاغنر هي ذراع مهم للكرملين. ويستخدمه بوتين كواحد من أدواته في أفريقيا والعالم” و”هناك قلق يتعلق بسياستنا في أفريقيا، وبالنسبة لنا فهذه مشكلة حول كيفية خلط روسيا بين العمل العسكري السري والتأثير السياسي”.
من نتائج التحقيق أن بريغوجين وشبكته مرتبطان بالدولة الروسية، بشكل يسمح لها بالقيام بعمليات حول العالم. ويتصل الموظفون والمقاتلون فيها وبشكل منتظم مع المسؤولين الروس، في الأمن والجيش ووزارة الدفاع
ومن نتائج التحقيق أن بريغوجين وشبكته مرتبطان بالدولة الروسية، بشكل يسمح لها بالقيام بعمليات حول العالم. ويتصل الموظفون والمقاتلون فيها وبشكل منتظم مع المسؤولين الروس، في الأمن والجيش ووزارة الدفاع. وحاول بريغوجين التدخل في الشؤون الداخلية في الدول الأفريقية وتوسيع شبكة التضليل لأوروبا وبخاصة إلى إستونيا من خلال نشر المشاعر المضادة للغرب والناتو، كما حاول توسيعها إلى المكسيك، إلا أن وباء كوفيد أوقف العملية.
وواصلت فاغنر حضورها العسكري في دول القارة الأفريقية ومنها الدول التي اعتمدت ولسنوات على الدعم الغربي والأمريكي. واعتمد الموقع في تحقيقه على برقيات الحكومة الأمريكية ووثائق تم الحصول عليها من المراسلات الداخلية لفاغنر وكتب بالروسية تم الوصول إليها من خلال التعاون مع مؤسسات صحافية دولية.
وحصلت صحيفة فيلت على الوثائق أولا، وشاركت صحفا ومؤسسات إعلامية بها، ومنها مؤسسات تملكها أكسيل سبرينغر التي تملك أيضا بوليتكو. وتقدم الوثائق رؤية من الداخل حول عمل المجموعة، وكيف تنفق المال وتضبط العناصر العاملة فيها، إلى جانب كيفية التعامل مع الحكومات التي تتعاون معها حول العالم. وتغطي الوثائق ثماني سنوات، ما بين 2014- 2021 وترتبط بالشبكة الدولية الواسعة التي يسيطر عليها بريغوجين. وتقول كانديس رونديو، مديرة جبهات المستقبل في معهد “نيو أمريكا” إنه يجب فهم أن تأثير إمبراطورية بريغوجين واسع ولكن ليس من صنعه، فهناك جيوش تأثير إلكتروني وفاغنر وشركات وهمية وغير ذلك.
واستعانت المجلة وشركاؤها بمعرفة الخبراء للتحقق من صحة الوثائق، وحددوا أن شركتي بحث تابعتين لبريغوجين متخصصتين بالتضليل تعتمدان على وزارة الدفاع الروسية وبشكل كبير. واعترف الباحثون بصعوبة التأكد من صحة كل الوثائق في الكنز الذي عثر عليه نظرا للطريقة الغامضة التي يعمل من خلالها بريغوجين. ولم تنشر الصحيفة سوى الوثائق التي استطاعت التأكد من صحتها وإجراء مقابلات أخرى مع مسؤولين حول طبيعتها. وأجرى الموقع مقابلات مع مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين كلهم طلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم. ولم يعلق متحدث باسم بريغوجين حيث قال “أجبنا على هذا عدة مرات ومن المحرج تكرار هذا في كل مرة”، كما ولم يعلق مجلس الأمن القومي الأمريكي أو الاستخبارات الأمريكية والأوروبية.
ولد بريغوجين في ليننغراد، حيث قضى فترة في سجون الاتحاد السوفييتي بتهمة السرقة، ولكنه استفاد من روسيا الجديدة وطور تجارة توفير الوجبات بما في ذلك لبوتين. ورفض بريغوجين الاعتراف بأي دور بإنشاء المجموعة، مع أن اسمه ورد في تقارير المخابرات الغربية التي وثقتها حول محاولة روسيا دعم الأنظمة ذات السجل السيئ. ولكنه غير موقفه وقال إنه وراء المجموعة التي شكلت عام 2014 لحماية المصالح الروسية في منطقة دونباس، شرق أوكرانيا.
وزاد غزو أوكرانيا العام الماضي من جهود التجنيد والتأثير داخل الدائرة المقربة من بوتين، كما تظهر البرقيات. وخلال التسعة أشهر الماضية، عملت الدول الغربية والولايات المتحدة على وقف تقدم مجموعة فاغنر التي أصبحت تقاتل إلى جانب القوات الروسية ومنع حدوث سيناريو مشابه لما حدث في دول أخرى حول العالم. وفرضت عليها عقوبات قاسية لمنع حصولها على السلاح. وفي برقية للحكومة الأمريكية كشفت عن المركز البارز الذي بات يحتله بريغوجين. وجاء في البرقية أن الزعيم بريغوجين قد “استفاد من دوره كأمير حرب لزيادة منافذه وتأثيره على بوتين والتكسب ماليا من الحرب”.
وجلبت المجموعة آلاف السجناء من روسيا للقتال في الجزء الشرقي من أوكرانيا وبخاصة مدينة باخموت. وتكشف الوثائق عن الطريقة التي تستهدف فيها المجموعة الأحياء الفقيرة في روسيا وكيف تقوم بمراقبة الانضباط في صفوفها ومعاقبة من يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وتخزين الصور التي تكشف عن معلومات حساسة بل وتعريض العناصر لفحص الكذب.
وفي حادث معروف عام 2017 صور عناصر فاغنر في سوريا وهم يعذبون شخصا ثم قطعوا رأسه، ورفعت العائلة قضية ضد فاغنر. وتؤكد الوثائق الحادث حيث تم التحقيق في كيفية بث الشريط ومن صوره ووضعه على منصات التواصل بما في ذلك فحص الكذب على عناصر من الفرقة القتالية الرابعة.
ورغم الفوضى داخل إمبراطوريته واصل بريغوجين توسيعها وإرسال العناصر لمناطق في الشرق الأوسط لتعزيز التأثير، منها مناطق تعتبر تقليديا من الموالية لأمريكا. وفي عام 2020 حاول أشخاص على علاقة مع بريغوجين فتح مكتب في المكسيك قبل انتشار كورونا، وكذا في بوركينا فاسو وإستونيا. وعبر مسؤولون عن قلقهم من وصول فاغنر إلى كوسوفو ووجود عناصر منها في جمهورية الكونغو الديمقراطية مع أن المسؤولين المحليين هناك أنكروا هذا. ولمساعدة المهمة أرسلت فاغنر الأسلحة والعربات إلى مناطق تأثيرها وعثرت على طرق لنقلها بوسائل الشحن الدولية رغم العقوبات. ويبدو أن الحرب في أوكرانيا جرأت بريغوجين وبخاصة بعد التقدم الذي حققه المقاتلون في أيلول/سبتمبر 2022، وعندها أعلن عن مسؤولية تأسيسها عام 2014، لكن هناك أسئلة حول كيفية التمويل ومن له الكلمة الأخيرة في القرارات.
ويقع مقر المجموعة في مالكينو وعلى شكل قاعدة قريبة من كتيبة الأهداف الخاصة المنفصلة التابعة للاستخبارات العسكرية جي أر يو. وتكشف الوثائق عن صلة مباشرة بين المجموعة والدولة الروسية، مع أن الكرملين أنكر أي صلة بها. وهناك عدة وثائق تربط ما بين جهاز الاستخبارات الفدرالي أف أس بي ومجموعة فاغنر. ورغم الأدلة حول علاقة فاغنر بالدولة وحصولها على دعم إلا أن بريغوجين لم يكن على علاقة تامة مع الكرملين، بطريقة أثارت تكهنات صحافية حول محاولته الاستفادة من الحرب والحصول على موقع سياسي يؤهله للوصول إلى التأثير والتمويل.
وتكشف الوثائق عن الدور المهم الذي لعبه بريغوجين ومؤسساته بالترويج وتعزيز صورة بوتين في الانتخابات الروسية وحول العالم مثل غانا ونيجيريا ومدغشقر. وأدارت المجموعة حملة فاشلة للتأثير في الأخيرة. ورغم فشل الفريق في مدغشقر إلا أنه أرسل إلى السودان والكونغو وجنوب أفريقيا، حيث خططت فاغنر لعملية تضليل في السودان من خلال حسابات تويتر وفيسبوك تستهدف الناشطين والصحافيين.
إلا أن المسؤولين الأمريكيين عبروا عن قلقهم من الدور الذي تلعبه فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، فقد أنشأت المجموعة مركزا ثقافيا في العاصمة بانغي عام 2017 وقادت حملات تضليل مع أن تركيزها الأساسي هو الأمن والمناجم ولديها 13 قاعدة حول البلاد. وحذرت رواندا في اجتماع الشهر الماضي من تأثير فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى وأنها يجب ألا تكون الوحيدة في القارة التي تحذر رئيس الجمهورية من تزايد اعتماده على فاغنر.