واشنطن (أ ف ب) – مع انتشار روبوتات دردشة تبثّ معلومات خاطئة وتطبيقات تولّد مقاطع فيديو إباحية ملفقة وأصوات مستنسخة تستخدم في عمليات احتيال، بدأت الحكومات تنظم صفوفها للتصدي لتصاعد تقنيات التزوير الفائق الواقعيّة.
وبات انتشار “التزوير الفائق الواقعيّة” يطرح تحديا كبيرا على صعيد التضليل الإعلامي، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي للقيام بواسطة التلاعب الرقمي بتبديل وجه بوجه آخر في فيديو أو تزوير كلام شخصية بصورة واقعيّة إلى حدّ مدهش.
وفي هذا السياق، أعلنت “ميتا”، الشركة الأم لفيسبوك، العام الماضي سحب فيديو ينطوي على “تزوير فائق الواقعية” للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يدعو المواطنين إلى إلقاء السلاح والاستسلام للقوات الروسية.
وروت كايت آيزاكس، البريطانية الناشطة من أجل سحب المحتويات الإباحية المنتجة بدون الحصول على موافقة من موقع “بورنهاب”، متحدثة لبي بي سي في تشرين الأول/أكتوبر، كيف أنها “انهارت” حين نُشر فيديو إباحي “فائق الواقعيّة” يستخدم وجهها على تويتر.
وحذّر خبراء هذا القطاع بأن مبتكري هذه المحتويات تخطّوا أدوات رصدها، موضحين أنهم يعملون بدون كشف هوياتهم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي التي كانت تتطلب في ما مضى مهارات متخصصة غير أنّها باتت متاحة بصورة واسعة وبكلفة متدنية.
“أسلحة بلبلة شاملة”
ويثير شيوع التوليد التلقائي للمحتويات بالنص والتسجيل الصوتي والفيديو، وأخطار استخدامه بصورة ضارّة بهدف الاحتيال المالي أو انتحال الهوية مثلا، مخاوف كبرى عبر العالم.
ووصفت مجموعة “يوراجيا غروب” لتحليل أخطار هذه التقنيات بـ”أسلحة البلبلة الشاملة”.
وأقرت الشركة البريطانية الناشئة “إيليفن لابز” التي تطوّر أداة لاستنساخ الأصوات بفضل الذكاء الاصطناعي، هذا الأسبوع بأنها ترصد “عددا متزايدا من الاستخدامات التعسّفية” لبرنامجها.
ونشر مستخدمون فيديو ولّدوه بواسطة هذه الأداة، يقرأ فيه صوت مستنسخ عن صوت الممثلة إيما واتسون مقطعا من كتاب هيتلر “ماين كامف” (كفاحي).
وقد يقود انتشار التزوير الفائق الواقعية إلى ما وصفته وكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول” بـ”حرب نهاية العالم المعلوماتية”، وفق سيناريو يكون فيه العديد من الأشخاص عاجزين عن التمييز ما بين الواقع والتخييل ومعرفة ما هي مصادر الأنباء الموثوقة.
“ناشر فائق للتضليل الإعلامي “
وأعلنت الصين التي تتصدر الدول على صعيد تنظيم التكنولوجيات الجديدة، مطلع كانون الثاني/يناير دخول قانون جديد حيز التنفيذ ينظم قطاع التزوير الفائق الواقعية، ويفرض على الشركات الصينية التي توفر هذا النوع من الأدوات الحصول على الهوية الحقيقية لمستخدميها.
كما يلزم القانون إدراج إشارة على المحتويات المنتجة بواسطة “التزوير الفائق الواقعية” لتفادي “أي التباس”.
واعتبرت الهيئة الناظمة للانترنت الصينية أن التزوير الفائق الواقعية يطرح “أخطارا على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي” إذا لم يتم ضبطه وتنظيمه.
وفي الولايات المتحدة، يدعو عدد من أعضاء الكونغرس إلى تشكيل مجموعة عمل متخصصة في مراقبة هذا النوع من التزوير، غير أنهم يواجهون معارضة شديدة من ناشطين من أجل الحقوق الرقمية يحذرون من أن هذه التدابير قد تكبح الابتكار أو تحد من حرية التعبير.
أما في أوروبا، فأعلنت الحكومة البريطانية في تشرين الثاني/نوفمبر أنها تعتزم حظر تشارك الفيديوهات الإباحية المنتجة بواسطة “التزوير الفائق الواقعية” التي تعدّ بدون موافقة الضحايا.
من جهته، يعمل الاتحاد الأوروبي على مشروع قانون يعرف بـ”قانون الذكاء الاصطناعي” يهدف إلى تشجيع الابتكار وتفادي التجاوزات، على أن يتم إقراره قبل نهاية العام.
ويفرض القانون بصورة خاصة على المستخدمين الإشارة إلى أنّهم ينشرون محتوى يستخدم “التزوير الفائق الواقعية”، لكن البعض يعتبر أن القانون غير كاف.
وقال جيسون ديفيس الأستاذ في جامعة سرقوسة لوكالة فرانس برس “كيف يمكن ترميم الثقة الرقمية بواسطة الشفافية؟ هذا هو السؤال الحقيقي”.
وتابع أن “أدوات (الرصد) آتية وهي آتية بصورة سريعة على الأرجح. لكن التكنولوجيا تتقدم حتما بسرعة أكبر. وكما هي الحال بالنسبة إلى الأمن السيبراني، لن نتمكن أبدا من تسوية هذه المشكلة، كل ما يمكننا أن نأمل به هو الحفاظ على الوتيرة الحالية”.
ويجد العديدون صعوبات في استخدام الأدوات الجديدة مثل برنامج الدردشة الآلي “تشات جي بي تي” الذي ابتكرته الشركة الناشئة “أوبن إيه آي” في كاليفورنيا والذي يمكنه توليد نصوص ومقالات أو حتى قصائد بناء على الطلب وفي بضع ثوان.
ووصفته “نيوزغارد” التي تقيم مصادر المعلومات بحسب موثوقيتها، في دراسة صدرت أخيرا بأنه “الناشر الفائق الجديد للتضليل الإعلامي” بعدما أعطى البرنامج أجوبة “خاطئة ومضللة” لأسئلة حول كوفيد-19 أو حوادث إطلاق النار في المدارس.