أولمبياد باريس 2024: وضعية مهاجرين غير نظاميين في ورشات البناء تؤرق السلطات

يثير تشغيل مهاجرين غير نظاميين في مواقع بناء خاصة بأولمبياد باريس 2024 توترا سياسيا واجتماعيا في النقاش الدائر حول هذه الفئة في فرنسا. وفي هذه الورشات، وضعت السلطات في وقت سابق يدها على شركة فرعية تشغل مهاجرين دون أوراق إقامة. و”الكل يعرف ما يجري، لكن لا أحد يتحدث عنه” حسب أحد المهاجرين الذي طرد من ورشة بناء بعد مداهمة مفتشي العمل له. وبحسب النقابي برنار تيبو، الذي يشارك في رئاسة لجنة مراقبة الميثاق الاجتماعي لباريس 2024 هناك “قدر كبير من النفاق من جانب السلطات السياسية”. فيما تحاول الحكومة خلق تصاريح عمل لهذه الشريحة في إطار “المهن غير المرغوبة”.

قضية المهاجرين بدون أوراق إقامة في فرنسا مرشحة لأن تعود بقوة إلى ساحة النقاش في البلاد عبرالألعاب الأولمبية التي ستحتضنها في 2024. وهي قضية تثير جدلا محتدما الآن جراء تشغيل هؤلاء دون تصاريح عمل في أوراش تحضر لهذا الحدث الكبير.

المواطن المالي غايي سارامبونو هو نموذج من المهاجرين غير النظاميين، الذي عمل في أحد مواقع البناء لأولمبياد باريس لأيام طويلة مقابل أجر زهيد.

على مدى ثلاثة أشهر، عمل سارامبونو البالغ 41 عاما، بين 8 و11 ساعة مقابل 80 يورو في اليوم.

وقال وهو يغلي ماء على موقد على أرضية الغرفة الصغيرة التي يتقاسمها مع أربعة من مواطنيه، “لقد قبلت بذلك بسبب وضعي. إذا لم تكن لديك أوراق، فأنت مضطر لقبول العمل الشاق وكل الوظائف الرديئة. ليس أمامك خيار آخر”

وأضاف سارامبونو الذي طُرد من موقع بناء أولمبي العام الماضي بعد عملية دهم قام بها موظفون من مفتشية العمل “الكل يعرف ما يجري، لكن لا أحد يتحدث عنه”.

“نفاق السلطات السياسية”

من جهته، قال النقابي برنار تيبو الذي يشارك في رئاسة لجنة مراقبة الميثاق الاجتماعي لباريس 2024، إن هناك “قدرا كبيرا من النفاق من جانب السلطات السياسية”.

وبطبيعة الحال، هناك عدد غير معروف من المهاجرين الذين يواجهون وضع سارامبونو نفسه.

وفي دليل على حجم القلق الذي تسببه هذه المسألة، أنشأت مفتشية العمل وحدة متخصصة مكلفة بتفتيش موقع واحد تقريبا يوميا منذ عامين. ومنذ الربيع الماضي، تتزايد التحركات.

في حزيران/يونيو، اكتُشف وجود تسعة عمال غير نظاميين في موقع تديره شركة “سوليديو” العامة المسؤولة عن بناء المرافق والبنى التحتية للأولمبياد.

وفي الوقت نفسه، فتح مكتب المدعي العام في بوبينييه تحقيقا أوليا في “توظيف أجانب بدون تصريح في إطار عصابة منظمة”.

وقال المدير العام للشركة نيكولا فيران الثلاثاء: “بعثنا برسالة إلى المدعي العام لبوبينييه لنبلغه بأننا نريد الانضمام إلى الإجراءات ضد أرباب العمل الفاسدين”، مذكرا “بالرغبة في أن تكون (الشركة) قدوة للمواقع الأولمبية”.

من جهته، أوضح أنطوان دو سويش مدير الإستراتيجية والابتكار في الشركة، أنه عندما أثير موضوع سوليديو “اتخذنا فورا الإجراءات اللازمة” بإنهاء عقد المقاول الفرعي المخالف وكذلك مجموعة البناء العملاقة التي لجأ إليها.

وتابع أن الشركة منذ ذلك الحين، “عززت إجراءاتها” وذهبت “إلى أبعد مما تتطلبه القوانين”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه من المستحيل إنشاء نظام “منيع تماما” لعمليات احتيال مماثلة.

بدوره، قال جان-ألبير غيدو من اتحاد العمال العام إن هذه الشبكة من العمل غير القانوني تقف وراءها “شركات تركية” فرعية.

“المهن غير المرغوبة”

في حين تريد الحكومة إنشاء تصاريح “للمهن غير المرغوبة”، رافق غيدو حوالى 30 عاملا في مواقع الأولمبياد في إجراءات تسوية أوضاع وقد استحصل على بعضها.

وأوضح غيدو “إنهم يعملون في أكثر الوظائف عرضة للحوادث ويتم استغلالهم بشكل مفرط”، مضيفا “في مواقع البناء، المتغير الوحيد هو أجر العامل. وعندما يتوجب بذل جهد إضافي في حالات معينة، لا تأخذ الشركات ظروف العمل في الاعتبار”.

وهل يدرك المقاولون الفرعيون وشركات البناء العملاقة أن العامل ليس في وضع سليم؟

بالنسبة لشيكنا، وهو مالي يبلغ 38 عاما لم يرغب في إعطاء اسمه الحقيقي، والذي أجاب عن السؤال ضاحكا: “بالطبع! أنا أعطيت أوراقا مختلفة مرتين للشركة نفسها، ووظفتني”، لكنه طرد بعد عملية تفتيش في تشرين الأول/أكتوبر.

بدوره، قال موسى الذي طلب أيضا عدم كشف هويته لأسباب أمنية: “نفعل ذلك من أجل العائلة (التي بقيت) في مالي، والتي ندعمها (ماديا). نقدم كل التضحيات من أجل هذا العمل”.

وأضاف هذا المالي الذي يعيش “بخوف” منذ طرده من موقع البناء حيث كان يعمل في كانون الأول/ديسمبر بعدما اشتكى علنا من ظروف العمل: “كل هذه الملاعب الجميلة بناها فقراء… تم استغلالهم”.

وتابع أن هناك “ابتزازا” سواء لدى العمل في بناء القرية الأولمبية أو أي عمل آخر، مشيرا إلى أنه عندما يطلب من أحد القيام بعمل إضافي “إما تبقى أو تأخذ أغراضك” وترحل.

وخلال الأعوام الـ15 التي عاش فيها في فرنسا، عمل موسى في مجالات مختلفة، أولا في التنظيف ثم في الضيافة والآن في البناء.

وهو لا يرى أي فرق على الأرض، بين الموقع الأولمبي والمواقع السابقة التي عمل فيها وشرح قائلا: “يقوم 80 % من المهاجرين بالعمل الشاق. نرى ماليين وبرتغاليين وأتراكا. والفرنسيون… في المكاتب”.

وعلى غرار الآخرين، يطلب تسوية أوضاع “لا أكثر”، حتى يكون قادرا على التحرك بحرية دون “الخوف من التحقق من الأوراق”.

من جانبه، لا يطلب غاي سارامبونو أكثر من ذلك. وأثناء انتظاره للعثور على عمل في أحد مواقع البناء، يقوم أحيانا بتفريغ شاحنات مقابل 40 يورو في اليوم.

في غضون ذلك، يستعد اتحاد العمال العام لتقديم ملف تسوية لأوضاع سارامبونو الذي يعلم أن الإجراء يستغرق وقتا، لكنه يقول إنه إذا حصل على الأوراق في غضون 18 شهرا، لن تعدو محنته سوى أنها كانت مجرد حلم سيئ.

 

Share this post