اليراع- (ا ف ب) -(رويترز) واعلام محلي- بعد نحو عام على انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على مسار الانتقال الديمقراطي في السودان، تظاهر آلاف السودانيين الجمعة في عدة مناطق في البلاد رافعين شعارات مناهضة “للحكم العسكري” والتسوية السياسية المزمعة مع القيادات الانقلابية او مشاركتهم الحكم . ويأتي ذلك أيضا غداة يومين داميين شهدتهما ولاية النيل الأزرق جنوبي البلاد، إثر اشتباكات بين الهوسا والقبائل المنافسة لها، ما أسفر عن مقتل 150 شخصا على الأقل بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
خرج آلاف السودانيين الجمعة للتظاهر هاتفين ضد “الحكم العسكري” بعد عام على انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي وضع حدا للعملية الانتقالية الديمقراطية. وفي الخرطوم هتف آلاف المتظاهرين “الشعب يريد إسقاط النظام”.
وتعرض المتظاهرين في مسيرات بالعاصمة السودانية الخرطوم لدخان الغاز المسيل للدموع امس، خلال تظاهرهم احتجاجا على الانقلاب العسكري المستمر منذ سنة تقريبا، وسط جهود للتوصل إلى تسوية سياسية.
وشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية منذ الانقلاب الذي وقع يوم 25 أكتوبر تشرين الأول 2021، لكن الأحزاب السياسية قالت هذا الأسبوع إن مناقشات بدأت، بدعم من منسقين دوليين، للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة مدنية جديدة.
ولكن رفض كثير من المتظاهرين المشاركين يوم الجمعة التسوية، وحملوا اللافتات ورددوا هتافات “لا تسوية ولا تفاوض مع القتلة”.
وقتلت قوات الأمن 117 شخصا على الأقل في المظاهرات المناهضة للانقلاب. وقال القادة العسكريون إن التحقيقات جارية في حالات الوفيات.
وشوهدت قوات الأمن، المنتشرة بكثافة في وسط الخرطوم، وهي تطلق الغاز المسيل للدموع وتلاحق المتظاهرين على بعد كيلومتر واحد تقريبا من المطار. كما أُطلق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين عبر نهر النيل في أم درمان، وشوهد متظاهر مصاب وهو يُحمل بعيدا.
وحدثت مظاهرات أخرى في مدينة بحري المتاخمة، بالإضافة إلى مظاهرات على مستوى البلاد في مدن نيالا وعطبرة والقضارف من بين مدن أخرى.
وجاءت المظاهرات، التي تتزامن مع ذكرى انتفاضة 1964، استجابة لدعوة من لجان المقاومة السودانية التي رفضت المحادثات مع الجيش، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية المشركة في الوقت الحالي في المناقشات.
أما في مدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، حيث أطلقت قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع، رفع المحتجون شعارات “العسكر إلى الثكنات” في إشارة لمطالبتهم بالحكم المدني. وردد المحتجون أيضا “لا للقبلية” و”لا للعنصرية”، غداة يومين داميين في ولاية النيل الأزرق بجنوب البلاد.
ويذكر أن الاشتباكات استؤنفت بين الهوسا والقبائل الاصلية القاطنة في هذه الولاية الزراعية المتاخمة لإثيوبيا ما أدى إلى سقوط 150 قتيلا من بينهم نساء وأطفال وشيوخ كما أصيب 86 شخصا” بحسب عباس موسي مدير مستشفى بلدة ود الماحي حيث وقعت الاشتباكات.
“عودة أكتوبر”
كما نظمت مظاهرات في كل من مدينة ود مدني (وسط) وفي الأبيض (جنوب) وفي ولايتي كسلا وشرق النيل في الشرق.
وفي الخرطوم، قال بدوي أحمد: “نحن لا نريد حلا وسطا ولا نريد شراكة مع الجيش. لسنا هنا كي ننافش الانقلابيين بل نريد إسقاطهم”. ودعا المتظاهرون إلى “عودة أكتوبر” 1964. ففي ذلك الشهر قبل 58 عاما شهد السودان “ثورة” أطاحت حكما عسكريا.
وهو تاريخ هام في السودان الذي يحكمة العسكريون بشكل شبه مستمر منذ الاستقلال.
في عام 2019 ظن المتظاهرون الداعون للديمقراطية أنهم يكررون التاريخ وأنهم تخلصوا من حكم عمر البشير الإسلامي العسكري الذي دام 30 عاما وأرغموا الجيش على تقاسم السلطة مع المدنيين. لكن في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، قاد الفريق أول البرهان انقلابا وضع حدا لتطلعاتهم.
ومنذ ذلك الحين يتظاهر المحتجون كل أسبوع تقريبا ويواجهون قمع الشرطة الذي أوقع 117 قتيلا، وفق نقابة الأطباء المؤيدة للديمقراطية. وقد دعوا بالفعل إلى مظاهرات جديدة يومي 25 و30 من الشهر الجاري.
وقال متظاهر يدعى عثمان في الخرطوم بحماسة: “كل الناس ستتظاهر في كل المدن ونظام البرهان سيسقط بالتأكيد”.
ومنذ الصباح انتشرت قوات الشرطة في العاصمة الخرطوم وعند جسورها. وكانت لجان المقاومة وهي مجموعات الأحياء التي تنظم التحركات المناهضة للانقلاب، تدعو منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر. وتحسبا لوقوع ضحايا جدد، دعت السفارة الأمريكية في الخرطوم الخميس، قوات الأمن إلى “ضبط النفس” في بيان نشر على تويتر.
وقبل عام بالتحديد أحيت المظاهرات “ثورة أكتوبر” 1964 وشارك فيها آلاف السودانيين في كافة أنحاء البلاد في اختبار قوة من قبل أنصار الحكم المدني في مواجهة الجيش الذي نفذ بعد أربعة أيام انقلابه.
فراغ أمني
وأدى الفراغ الأمني الناجم عن الانقلاب خصوصا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين فصائل مسلحة والحكومة المركزية عام 2020، إلى عودة النزاعات القبلية على الأرض والمياه والكلأ.
وأعلن حاكم ولاية النيل الأزرق في السودان (جنوب) حالة الطوارئ الجمعة ومنح قوات الأمن صلاحيات كاملة “لوقف” القتال القبلي الذي أودى بـ150 شخصا في يومين.
وجاء في مرسوم أصدره أحمد العمدة بادي أنه “يعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء إقليم النيل الأزرق لمدة ثلاثين يوما”. كما كلف المسؤولين المحليين للشرطة والجيش والمخابرات وكذلك قوات الدعم السريع “التدخل بكل الإمكانات المتاحة لوقف الاقتتال القبلي”.
وفرضت السلطات منذ الإثنين حظر تجول ليليا بعد مقتل 13 شخصا وفق الأمم المتحدة، في اشتباكات بين أفراد قبيلة الهوسا وقبائل متناحرة. لكن الاشتباكات تجددت رغم الانتشار الأمني.
وتظاهر مئات الخميس في الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق احتجاجا على العنف، وطالب متظاهرون آخرون برحيل المحافظ بادي معتبرين أنه غير قادر على حماية السكان.
وقُتل ما لا يقل عن 149 شخصا ونزح 65 ألفا في النيل الأزرق بين تموز/يوليو ومطلع تشرين الأول/أكتوبر، وفق الأمم المتحدة.
وفي بداية أعمال العنف، احتج أفراد من قبيلة الهوسا في جميع أنحاء السودان على خلفية ما اعتبروه تمييزا ضدهم بسبب العرف القبلي الذي يحظر عليهم امتلاك الأرض في النيل الأزرق لأنهم آخر القبائل التي استقرت في الولاية.
ويعتبر استغلال الأراضي مسألة حساسة للغاية في السودان، إحدى أفقر دول العالم، حيث تمثل الزراعة والثروة الحيوانية 43 بالمئة من الوظائف و30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
والأسبوع الماضي قتل 19 شخصا وجرح 34 آخرون في نزاع قبلي بولاية غرب كردفان (جنوب)، بحسب بيانات الأمم المتحدة. وقُتل منذ كانون الثاني/يناير نحو 550 شخصا ونزح أكثر من 210 آلاف بسبب النزاعات القبلية في السودان، وفق المصدر نفسه.
و من جهة اخرى اعلنت لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات منذ ثورة ديسمبر 2019 عن تنظيمها لمسيرة اخرى كبرى يوم 25 اكتوبر الجاري يتوقع ان تكون الاكبر من حيث الحشد حيث توافق تاريخ مرور عام على انقلاب القيادات العسكرية على حكومة الانتقال الديمقراطي.